فضيلة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله آل باز – رحمه الله تعالى

مولده
ولد في ذي الحجة سنة 1335 هـ بمدينة الرياض, وكان بصيرا, ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346 هـ وضعف بصره, ثم فقده عام 1355 هـ.

طلبه للعلم
حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ, ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض, ولما برز في العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1357 هـ, ولم ينقطع عن طلب العلم حتى اليوم, حيث لازم البحث والتدريس ليل نهار, ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخا في كثير من العلوم, وقد عني عناية خاصة بالحديث وعلومه حتى أصبح حكمه على الحديث من حيث الصحة والضعف محل اعتبار, وهي درجة قل أن يبلغها أحد, خاصة في هذا العصر, وظهر أثر ذلك على كتاباته وفتواه حيث كان يتخير من الأقوال ما يسنده الدليل.

آثاره
منذ تولى القضاء في مدينة الخرج عام 1357 هـ وهو ملازم للتدريس في حلقات منتظمة, ففي الخرج كانت حلقاته مستمرة أيام الأسبوع عدا يومي الثلاثاء والجمعة, ولديه طلاب متفرغون لطلب العلم.

في عام 1372 هـ انتقل إلى الرياض للتدريس في معهد الرياض العلمي, ثم في كلية الشريعة بعد إنشائها سنة 1373 هـ في علوم الفقه والحديث والتوحيد, إلى أن نقل نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1381 هـ, وقد أسس حلقة التدريس في الجامع الكبير بالرياض منذ انتقل إليها, ولا زالت هذه الحلقة مستمرة إلى يومنا هذا, وإن كانت في السنوات الأخيرة اقتصرت على بعض أيام الأسبوع بسبب كثرة الأعمال, ولازمها كثير من طلبة العلم, وأثناء وجوده بالمدينة المنورة من عام 1381 هـ نائبا لرئيس الجامعة ورئيسا لها من عام 1390 هـ إلى 1395 هـ عقد حلقة للتدريس في المسجد النبوي, ومن الملاحظ أنه إذا انتقل إلى غير مقر إقامته استمرت إقامة الحلقة في المكان الذي ينتقل إليه مثل الطائف أيام الصيف, وقد نفع الله بهذه الحلقات.

مؤلفاته
• مجموع فتاوى ومقالات متنوعة, صدر منه الآن ثلاثة أجزاء وقت تحرير هذه النبذة.
• الفوائد الجلية في المباحث الفرضية.
• التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة (توضيح المناسك).
• التحذير من البدع, ويشتمل على أربع مقالات مفيدة: (حكم الاحتفال بالمولد النبوي, وليلة الإسراء والمعارج, وليلة النصف من شعبان, وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى: الشيخ أحمد).
• رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام.
• العقيدة الصحيحة وما يضادها.
• وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها.
• الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة.
• وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه.
• حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار.
• نقد القومية العربية.
• الجواب المفيد في حكم التصوير.
• الشيخ محمد بن عبد الوهاب, دعوته وسيرته.
• ثلاث رسائل في الصلاة: كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وجوب أداء الصلاة في جماعة، أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع؟
• حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن أو في رسول الله صلى الله عليه وسلم .
• حاشية مفيدة على فتح الباري, وصل فيها إلى كتاب الحج.
• رسالة الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب.
• إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين.
• الجهاد في سبيل الله.
• الدروس المهمة لعامة الأمة.
• فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة.
• وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة.
• تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة من الأدعية والأذكار.

ولم يقتصر نشاطه على ما ذكر فقد كان يلقي المحاضرات ويحضر الندوات العلمية ويعلق عليها ويعمر المجالس الخاصة والعامة التي يحضرها بالقراءة والتعليق بالإضافة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح صفة ملازمة له. نفعنا الله بعلمه ووفقه لمزيد العلم النافع والعمل الصالح.

المصدر
موقع صيد الفوائد

عمر بن عبد العزيز – خامس الخلفاء الراشدين

هو عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي إمام عادل وخليفة باذل حكم فعدل وقدر فما جهل؛ جمع الله له بين العلم والعمل والزهد، ولد في سنة إحدى وستين وأمه هي ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. دخل وهو غلام صغير اصطبل أبيه فضربه فرس فشج جبهته! فجعل أبوه يمسح عنه الدم ويقول: “إن كنت أشج بني أمية إنك إذن لسعيد”.

وقد جاء عن عمر بن الخطاب قوله: “إن من ولدي رجلاً بوجهه شتر يملأ الأرض عدلاً”، وقال ابن عمر: “ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً”.

كانت أول ولاية لعمر بن عبدالعزيز على دير سمعان من أعمال حلب وعمره وقتئذ عشرون، ثم ولي إمرة المدينة ثم ضم إليه ولاية الطائف ومكة فاصبح أميرًا على الحجاز ففرح الناس بولايته فرحًا شديدًا وكان له عشرة فقهاء من أهل مشورته.

أقدمه عبدالملك بن مروان عليه في دمشق وزوجه بابنته فاطمة ولي الخلافة بعد سليمان بن عبدالملك بمشورة من رجاء بن حيوة في قصة لولا الإطالة لسقتها، بدأ أمره بحادثة تدل على زهده فبعد وفاة سليمان وقراءة عهده لعمر بن عبدالعزيز قام فصلى عليه فلما فرغ من دفنه أتي بمراكب الخلافة فقال: “دابتي أرفق بي”؛ فركب بغلته ثم توجهوا به إلى فسطاط الخلافة فقال: “هذا فيه عيال سليمان وفي فسطاطي كفاية” قال الليث: “بدأ عمر بن عبدالعزيز بأهل بيته فأخذ ما بأيديهم وسمى أموالهم مظالم”.

وقد كان الظلم والجور قد ضرب بعطن حتى كان عمر يقول: “عبدالملك بالشام والحجاج في العراق ومحمد بن يوسف باليمن وعثمان بن حيان بالحجاز ومرة بن شريك بمصر ملئت الأرض ظلمًا وجورًا”. وقال الذهبي عنه: “كان ناطقا بالحق مع قلة المعين عليه وكثرة الأمراء الظلمة الذين كرهوا محاققته وأخذه كثيرا ممافي أيديهم مما أخذوه بغير حق”.

ومع ذلك نحسبه صدق الله في إصلاحه فعلم الله منه صدق النية فأعانه بعونه وتوفيقه وليست الأفعال كالدعاوى. وقد أثمر هذا العمل بركة وسعة للمسلمين وقد كان الرجل يطوف بزكاته مما فرضه الله عليه في سكك الخلافة مترامية الأطراف من سفوح جيان في إسبانيا غربًا إلى كاشغر الصين شرقًا ومن سيبيريا من أرض الترك شمالاً إلى عدن في اليمن جنوباً فما يجد من يقبل الزكاة منه.

فزوج من أراد الزواج ذكراناً وإناثاً وفك أسرى المسلمين ووضعت المكوس عن الناس وخفف عن أهل الذمة الجزية بل وسدد دينهم بعد سداد ديون المسلمين وأطلق المساجين من السجون بعد أن ضجت بها جنباتها ظلمًا وعدواناً وكان رحمه الله لايسجن فوق ثلاث فإما أن يقيم عليه الحكم أو يطلقه.

قال عمر بن أسيد: “والله ما مات عمر بن عبدالعزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله؛ قد أغنى عمر الناس”.

أرسل له بعض عماله: “إن أهل الذمة قد أسرعوا في الإسلام خشية الجزية! فرد عليه: إن الله تعالى بعث محمداً داعياً ولم يبعثه جابياً؛ فإذا وصلك كتابي فأقبل ثم عزله”.

ومع أنه أغنى الناس إلا أنه عاش كفافًا قال لامرإته يومًا: “أعندك درهم أشتري به عنباً؟” قالت: “لا”. ثم قالت: “أنت أمير المؤمنين ولاتقدر على درهم” قال: “هذا أهون من معالجة الأغلال في جهنم”، ودخلت عليه زوجته فاطمة يوما وهو في مصلاه يبكي فقالت: “يا أمير المؤمنين ألشيء حدث؟” قال: “يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري المجهود والمظلوم المقهور والغريب المأسور وذي العيال في أقطار الأرض فعلمت أن ربي سيسألني عنهم وأن خصمي دونهم محمد فخشيت ألا تثبت لي حجة عند الخصومة فرحمت نفسي فبكيت” هكذا فلتكن المحاسبة لامن تسيد أمر الأمة فتوسد المال والجاه ونام عن شكاتها.

قال الذهبي عنه: “كان إمامًا فقيهًا مجتهدًا عارفاً بالسنن حافظًا قانتًا لله أواهاً منيبًا يعد في حسن السيرة والقيام مع جده لأمه عمر بن الخطاب”.

مرت أيامه رحمه الله كطيف الوسنان وغفوة النعسان كأنها لم تكن حيث ناشته يد الغدر كحال العظماء الذين لايقدر عليهم إلا الداني من البشر خسة وضعة حيث سقاه أحد غلمانه سمًا فلما استقر في أحشائه وعلم به وبمن سقاه دعى الغلام فقال له: “ويحك ما حملك على هذا؟” قال: “ألف دينًا وأن أعتق” فقال له عمر: “هاتها”، فجاء بها، فألقاها عمر في بيت المال وقال للغلام: “اذهب حيث لايراك أحد” رحمه الله، رحم حتى قاتله أن يقتل به لأجل العتق.

ولما غشيه الموت قال: “أجلسوني فأجلسوه” فقال: “رباه أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن لا إله إلا الله” ثم أحد النظر فقال: “إني أرى حضرة ما هم بإنس ولاجن” فأمر من عنده فانصرفوا فسمع وراء الباب يقرأ {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] ففاضت روحه الطاهرة إلى رب كريم قد أقام العدل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورفع عنهم الظلم والجور وأقام الحجة على من يلي بعده شأن الخلافة فضلاً عما دونها.

ورحم الله الإمام الذهبي إذ يقول عن عمر بن عبدالعزيز: “وأجد قلبي منشرحًا للشهادة لعمر بن عبدالعزيز أنه من أهل الجنة”.

المصدر
موقع طريق الإسلام