ثقافة مجتمع المدينة المنورة

نمت الحياة الدينية وازدهرت في المجتمع المدني حتى غدت ثقافة هذا المجتمع هي النموذج المعتمد في التنظيم الاجتماعي للأقاليم وتوابع الدولة الإسلامية فيما بعد. وكانت الخطوات الأولى التي قام بها النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام هي:

• تغيير اسم يثرب إلى اسم (طيبة).
• بناء مسجد المدينة.
• إيجاد الأخوة الإسلامية.

فكانت عملية ذوبان المهاجرين والأنصار في نظام المجتمع الجديد.

وعندما وضع الرسول عليه الصلاة والسلام أولى خطواته على أرض المدينة المنورة بدأ بإنشاء أول مؤسسة إسلامية ضمت الكثير من المؤسسات الفرعية الأخرى تمثلت في المسجد وقد اشترك في بناء هذا المسجد جميع المسلمين حتى رسول الله بنفسه المباركة، وبعدها تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي وقت قياسي أن يجعل من المدينة قاعدة اجتماعية نظامية ودينية محكمة، وكان المقصود من ذلك هو استمرار نظام سياسي قوي قائم على أساس الإسلام في شبه الجزيرة، لينطلق بعد إلى العالم.

وتضم مؤسسة المسجد الجامع عدة مؤسسات في مفهومنا الحالي منها: المؤسسات القضائية حيث تجري جميع الشؤون القضائية من أحكام وجزاء ومقاضاة داخل هذه المؤسسة، إضافة إلى قضايا الزواج والطلاق المؤسسة المالية المسؤولة عن إدارة أمور من قبيل الزكاة والخمس والجباية وموارد صرفها وقد أنشئ في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام مركز اقتصادي اسمه (بيت المال) تجمع فيه الوجوه الشرعية من الزكوات وغيرها وتصرف في مصالح المسلمين، إضافة إلى ذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد عين مسؤولين متخصصين في خمس الغنائم يتولون ضبط الغنائم وكتابتها والحفاظ عليها بدقة كاملة ، أما بالنسبة للسجن فإنه لم يكن هنالك مكان يسمى بهذا الاسم بل غالباً ما كان يؤخذ المتهمون إلى المسجد أو إلى غرفة معينة ليكونوا تحت النظر.

وقيل: كان النبي عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة إلى المدينة قد عين للأنصار نقيباً ليتحدث عنهم، كما عين عليه الصلاة والسلام لكل اثنتي عشرة قبيلة رئيساً، كما جعل العريف وهو الممثل لمجموعة قوامها عشرة أفراد تحت إشراف وتصرف النقيب، وكان النقيب ممثلاً لكل القبيلة وكانت بعهدته مسؤولية الحرب والصلح ونحوها، فإذا لم يستطع النقيب حل نزاع في مجموعته، أو إن طرفي الدعوة مرتبط بقبيلة أخرى، يكون الحل النهائي لهذا النزاع هو ردّه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.

الشرطة والحرس

في التشريع الإسلامي يقال لكل من يضبط المخالفين (الشرطي) أو (الحرس). وقد أنشئت (مؤسسة الشرطة والحرس) هذه قبل قدوم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة لأنه كان يتوقع أن يلحق به الضرر من قبل قريش، ومهمة هذه المؤسسة هي الحراسة وحماية الناس من اللصوص وغيرهم في مسعى من الرسول عليه الصلاة والسلام لإشاعة الأمن الاجتماعي لأهل المدينة، ومع هذا فقد كانت مهمة هذه المؤسسة محدودة جداً، لأن النظام الإسلامي رسخ عملية (التسيير الذاتي) التي ضمنت سير العملية الاجتماعية بشكل مثالي رغم وجود المعارضة المتمثلة باليهود والتي احتفظت بحقوقها في ظل الدولة الجديدة.

وقد وفر جو الحرية هذا بطلان أي قيد غير شرعي، الأمر الذي تعمل به القوانين الوضعية في الأزمنة المتأخرة. ويبين الإمام الشيرازي هذه الإشكالية بأن هناك فرقاً بين (الإسلام) وبين (القوانين الوضعية) في هذا الأمر ، فالأصل في الإنسان الحرية فإنها المستفادة من قاعدة (الناس مسلطون على أنفسهم وأموالهم)، ولذا فلكل إنسان أن ينضم إلى الآخرين، لبناء الحياة وتقدمها ولا يحد هذه الحرية، إلا ما يوجب الضرر على الآخرين أو على النفس (بما لا يجوز تحمله شرعاً) فليس للدولة – في نظر الإسلام – التدخل في شؤون الجماعات أو وضع الدساتير والقوانين لها وتقييدها بقيود إطلاقاً.

نعم، إذا أخطأ فرد ما، أو أية جماعة، فمن حق الدولة إيقافها على المقرر الشرعي؛ وذلك أن الفرد حيث إنه حر لا يقيد ، وإذا ثبت خطأه أوقف عند حده – حسب المقرر شرعاً – بينما القوانين الوضعية تقيد الجماعة بقيود كلها منافية للحرية؛ ولذا كانت تلك القيود باطلة في نظر الإسلام.

المصدر
موقع التاريخ

مروءة النبي صلى الله عليه وسلم

أرسل صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد، فأسَرَتْ رجلاً، وأتت به إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عمَّا عنده لعله يُسلم، فيجيب الرجل بثباتٍ وإصرار بغير ذلك؛ فتتجلَّى مروءةُ النبي صلى الله عليه وسلم بعدما رأى من ثبات الرجل وتمسكه، فأمر بإطلاق سراحه، فما كان من الرجل إلا أن أسلم لمَّا عاين من هذه الشمائل والصفات للنبي صلى الله عليه وسلم.

ويروي لنا أبو هريرة رضي الله عنه هذا الموقف الجليل، قال: بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حَنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بساريةٍ من سواري المسجد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: “ما عندك يا ثمامة؟” فقال: عندي خيرٌ يا محمد، إن تقتلْني تقتلْ ذا دمٍ، أي: سيثأر له قومه، وإن تُنْعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسَلْ منه ما شئت، فتُرك حتى كان الغد، ثم قال له: “ما عندك يا ثمامة؟” فقال: عندي ما قلتُ لك، إن تُنْعم تنعم على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد، فقال: “ما عندك يا ثمامة؟”، فقال: عندي ما قلت لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أطلقوا ثمامة”.

فانطلق إلى نخلٍ قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينُك أحبَّ الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدُك أحبَّ البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشَّره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوتَ؟ قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبةُ حِنطة (قمح) حتى يأذن فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الرجل دخل الإسلام بفضل الله، ثم بمروءة رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والقمة السامقة في المروءة، وهو لم يُكرَهْ على ذلك، ثم سرعان ما تحول إلى محب ومطيع وجندي من جنود الإسلام بعد أن كان مبغضًا ومعاندًا.

المصدر
موقع قصة الإسلام