اقرأ .. أول ما نزل من القرآن الكريم

دخل جبريل عليه السلام في غار حراء، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقْرَأْ”. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5].

وقفة مع الآيات الخمس الأولى التي نزلت
الحق أننا ينبغي أن نقف وقفة مع الآيات الخمس الأولى التي نزلت، وخاصة مع الكلمة الأولى التي نزلت من هذه الآيات الخمس على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث جاءت الآيات تحثُّ على موضوع واحد؛ وهو موضوع العلم، وتختار وسيلة واحدة من وسائل التعلُّم وهي القراءة؛ لتُصبح هي البداية لهذا المنهج الرباني العظيم.

إن القرآن الكريم يزيد عن 77 ألف كلمة، ومن بين كل هذا الكمِّ من الكلمات، كانت كلمة: “اقرأ”. هي الأولى في النزول، كما أن في القرآن الكريم آلافًا من الأوامر مثل: {أَقِمِ الصَّلاَةَ} [هود: 114]، ومثل: {آتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، ومثل: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} [البقرة: 218]، ومثل: {وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: 17]، ومثل: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 254].

من بين كل هذه الأوامر نزل الأمر الأول: “اقرأ”، مع الأخذ في الاعتبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب، وقد تحلَّى بآلاف الفضائل والأخلاق الحميدة، وكان من الممكن أن يتحدَّث القرآن الكريم في أولى آياته عن أحد هذه الأخلاق العظيمة؛ لكن يبدو أن الإشارة واضحة من أن مفتاح بناء هذه الأُمَّة، وأول الطريق الصحيح هو “العلم”، وإحدى أهم وسائل التعلُّم كما أشار ربُّنا عز وجل هي القراءة، وبالتالي كرَّر الأمر بالقراءة في الآيات الخمس الأولى مرتين.

وذكر كلمة العلم بمشتقاتها ثلاث مرات، وذكر القلم وهو وسيلة من وسائل الكتابة مرَّة، كل ذلك في خمس آيات؛ مما يدلُّ على أهمية العلم والقراءة في حياة أُمَّة الإسلام، ولَفْت النظر إليه كان ضرورةً؛ ليعلم المسلمون كيف يبدءون بناء أمتهم بعد ذلك، كما لفتت الآيات النظر إلى أن القراءة المطلوبة هي قراءة بسم الله عز وجل.

ومعنى هذا أنها قراءة تُرضي الله ولا تغضبه، فهي ليست قراءة منحرفة، وليست قراءة تافهة أو ضالَّة أو مُضِلَّة؛ إنما هي قراءة كما أمر الله عز وجل باسمه تعالى، وعلى الطريقة التي علَّم بها الله عز وجل عباده المؤمنين.

كذلك الآيات تتحدَّث عن صفة من صفات الله عز وجل لم يَدَّع أحد من المشركين أن هذه الصفة منسوبة لأحد الآلهة التي يعبدونها من دون الله، وهي صفة الخلق؛ حيث قال الله عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]؛ وهذا لكي ينتفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي نوع من الالتباس في الذي رآه.

رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ زمن وهو يبحث عن خالق هذا الكون، وخالق الناس، وكيف يمكن أن يعبده، فيلفت الله عز وجل نظره إلى أن جبريل الذي جاءه بهذه الآيات يتحدَّث عن الإله الذي خلقه وخلق السماوات والأرض، وخلق كل شيء؛ ومن ثَمَّ يأخذ انتباه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعل وعيه يُدرك أنه في موقف حقيقي، وليس في وهم أو خيال.

المصدر
موقع قصة الإسلام

جبريل في غار حراء منامًا ويقظة

جبريل في منام رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرة الأولى
من رواية ابن إسحاق يتضح لنا أن جبريل جاء للرسول صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى كرؤيا في حال النوم، فقد قال صلى الله عليه وسلم نصًّا: “فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ وَأَنَا نَائِمٌ بِنَمَطِ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ”. ثم في آخر الحديث قال: “فَانْصَرَفَ عَنِّي، وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي، فَكَأَنَّمَا كَتَبْتُ فِي قَلْبِي كِتَابًا.”

هذان النصَّان في داخل الرواية يُشيران بشكل واضح أن القدوم الأول لجبريل عليه السلام في الغار كان في الرؤيا، وليس في الحقيقة، وهذا قد يستغربه كثير من الناس؛ لأننا نعرف أن جبريل تكلَّم مع رسولنا صلى الله عليه وسلم في الحقيقة، ولكن واقع الأمر أن هذا سيحدث بعد ذلك.
الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ستتحقَّق بعد ذلك “كفلق الصبح”، وسيرى الموقف نفسه الذي رآه في هذه الرؤيا على وجه الحقيقة بعد ذلك بأيام، وهذا يُفسِّر لماذا جمعت عائشة رضي الله عنها في روايتها الرؤيا الصالحة مع موقف زيارة جبريل الأولى.

رؤية جبريل حقيقة بعد المنام خارج الغار
الشعور بالرهبة والخوف بعد الرؤيا التي أتته دفعاه إلى الخروج من الغار، ومحاولة العودة السريعة إلى بيته ليَسْكُن إلى زوجته خديجة رضي الله عنها؛ لكن الأزمة اشتدَّت عندما خرج من معتكفه، لأنه صلى الله عليه وسلم سمع صوتًا من السماء في هذا المكان الموحش يقول له: “يا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ”، فيقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: ” فَرَفَعْتُ رَأْسِي إلَى السَّمَاءِ أَنْظُرُ، فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ”.

هذا الوصف مهم؛ لأنه مغاير لوصف آخر سيراه رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحقًا، وهذا الذي يُفَسِّر الاختلافات بين الروايات، فهذه المرة الأولى التي رأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام، رآه في صورة رجل “يقف” في السماء. كان المنظر مرعبًا ولا شك لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يصرف نظره حتى لا يرى الأمر، فيقول عن نفسه: “فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إلَيْهِ فَمَا أَتَقَدَّمُ وَمَا أَتَأَخَّرُ وَجَعَلْتُ أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ”.

لكن عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك الأمر ليتجنَّب رؤية الرجل الواقف في السماء، إذا به يرى منظرًا أشدَّ رعبًا، وأكثر تخويفًا؛ إذ إنه رأى الرجل في كل الاتجاهات التي حوله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فَلاَ أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا (أي من السماء) إلاَّ رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ”، ثم يُكْمِل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف حالته المرتعبة فيقول: “فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا مَا أَتَقَدَّمُ أَمَامِي، وَمَا أَرْجِعُ وَرَائِي حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، فَبَلَغُوا أَعْلَى مَكَّةَ وَرَجَعُوا إلَيْهَا، وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي”.

لقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانه، وما استطاع أن يتحرَّك، ويبدو أن الموقف أخذ وقتًا طويلاً؛ لأن خديجة رضي الله عنها رأت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تأخَّر عن موعده، فأرسلت رسلها تطلبه في كل مكان؛ لكنه صلى الله عليه وسلم كان قد غادر الغار، ووقف في بطن الجبل، ولم يره الناس، فظلَّ واقفًا هذه المدَّة الطويلة، ثم بعد أن انصرف الرجل الواقف في السماء عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرعة إلى خديجة رضي الله عنها وهو في حالة من الرعب الشديد.

من المؤكد أن ذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مشغولاً في التفكُّر في هذا الحدث المهول الذي رآه منذ لحظات؛ فالرجل الواقف في السماء صرَّح أن محمدًا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرَّح بكينونته هو؛ حيث عرَّف نفسه على أنه جبريل؛ لكنه لم يُكَلِّفه بشيء، والواقع أننا لا ندري إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم على وجه اليقين أن هذا الزمان هو زمان ظهور نبي، أو أن جبريل هو الملك الذي ينزل على الأنبياء، أم لا يعلم هذه الأمور؛ فالسيرة لم تُوَضِّح هذه النقطة.

عاد صلى الله عليه وسلم وهو خائف بشدَّة من الحدث، لا يدري على وجه الحقيقة إن كان أمر الرسالة والنبوة سيتحقق كما أنبأه الرجل الواقف في السماء، أم أنها أوهام لا يدري ما تفسيرها.

وقفة تأمل مع اللحظات الأولى لتلقي الوحي
خوف الرسول صلى الله عليه وسلم في اللحظات الأولى لتلقي الوحي لا بُدَّ أن نتوقَّف معه؛ لأن هذا أمر متكرِّر عند لحظات الوحي الأولى مع بعض الأنبياء، وقد قصَّ لنا القرآن الكريم قصة اللحظات الأولى من الوحي التي مرَّ بها موسى عليه السلام، وهي اللحظات الوحيدة التي شُرحت في القرآن الكريم عن هذه الصورة.

الخوف الذي حدث مع موسى عليه السلام بسبب رؤية العصا تتحوَّل إلى حيَّة، حدث مع رسولنا صلى الله عليه وسلم بسبب الضمَّة الشديدة، التي ضمَّها إيَّاه جبريل عليه السلام في الرؤيا، ثم بعد ذلك عندما رأى جبريل عليه السلام واقفًا في السماء يخاطبه.

لعلَّ الحكمة من وراء ذلك أن يُدرك النبيُّ أن هذا الأمر حقيقة، وليس نوعًا من الخيال أو الأوهام، كما أن هذا يلفت النظر إلى بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو، وإن كان مؤيدًا بالوحي، ومتابعًا من الله عز وجل بشكل مباشر، فإنه في النهاية بشر.

وقد أمر الله عز وجل رسولنا الكريم أن يُصَرِّح بهذه الحقيقة في مواقف كثيرة من القرآن الكريم؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. وهذا كثير في القرآن الكريم بهدف إثبات بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا يُغالي الناس بعد ذلك فيه، ويرفعوه إلى مقامات أعلى من مقامات البشرية، كما فعلوا قبل ذلك مع عيسى عليه السلام.

وقد يكون هذا الخوف أيضًا لإثبات عدم تشوُّف الرسول صلى الله عليه وسلم للرسالة، أو توقُّعه إيَّاها، وهذا يُؤَكِّد صدق النبوة، وصدق الوحي، وأنه ليس من اختراع أو ابتداع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد يكون لأسباب أخرى غير التي ذكرناها؛ لكنها في النهاية حقيقة مشاهَدَة، وأمر واقع، أنه كان صلى الله عليه وسلم في حالة شديدة من الخوف عندما مرَّت به هذه الأحداث الكبيرة.

المصدر
موقع قصة الإسلام

علامات بداية نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم

الرؤيا الصادقة
قبل الوحي كانت هناك مقدمات لنزول الوحي، فكانت الرؤيا الصادقة من المقدمات التي سبقت الوحي بستة أشهر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وإن كان هذا الأمر غير مُصرِح بأمر الرسالة إلا أنه أمر لافت للنظر.

سلام الحجر عليه
ولم يكن هذا هو التمهيد الأول، بل كانت هناك مقدمات عديدة عجيبة سبقت الوحي، وقد يرى ذلك وحده، وأحيانا يراها غيره معه، ومن ذلك سلام الحجر عليه.

حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم
هذه الحادثة ثبتت في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان، وهذا أمر ثابت جدًّا وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شُق صدره وهو غلام وأخرج قلبه واستُخرجت علقة من قلبه، وقيل هذا حظ الشيطان منك، ثم غسل قلبه في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأم صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنس بن مالك يرى أثر المخيط في صدره.

كانت هذه الحادثة كإعداد وتهيئة لأهل مكة ولجزيرة العرب؛ ليستقبلوا هذا الرسول، فشاع في مكة وفي جزيرة العرب حادث شق صدر الني صلى الله عليه وسلم، وذلك ليعلموا أن هذا الإنسان وضعه مختلف عمن سبقوه، وأن هذا الرجل له وضع خاص.

قصة بدء الوحي
يروي البخاري قصة بدء الوحي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إلى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ.

عبرة وتربية محمد صلى الله عليه وسلم
نلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمراحل من التهيئة والإعداد قبل الرسالة من سلام الحجر عليه، مرورًا بشق صدره إلى غير ذلك من الإرهاصات التي حدثت معه قبل البعثة في طفولته وشبابه.

لماذا كل هذه التهيئة وكل هذا الإعداد الذي استمر أربعين سنة، قد يقال إن الله يعده لحمل الأمانة الثقيلة، ولكن أليس من الممكن أن يعده الله لحمل الأمانة في لحظة واحدة يثبت قلبه فلا يخاف ولا يتردد، ما الحكمة من وراء هذا الإعداد الطويل جدًّا؟

إن الله جل جلاله يعلمنا أمرًا مهمًّا وهو التأني في التربية، التدرج في حمل الناس على ما نريد، حتى ولو كان سيحمل الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته، فيحملها له بالتدرج. التدرج سنة من سنن الله في التغيير والإصلاح، والتربية تحتاج إلى تدرج، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى تدرج.

حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة وستون عامًا، منها أربعون عامًا إعداد للرسول ليتلقى الرسالة، وثلاث وعشرون سنة ليبلغ الرسالة، وقد يتمنى البعض أن تكون فترة النبوة أكبر لتكون الاستفادة أكبر وأكبر، لكن كل ما أراده الله منا شرعه لنا، وكل المتغيرات التي قد تحدث في حياة الناس وكل الثوابت التي لا يمكن أن يفرطوا فيها حدثت في هذه الفترة الثلاث وعشرين سنة.

ولا بد أن تعرف أنك تحتاج إلى وقت ومجهود وتربية وإعداد لتربي فردًا من الممكن أن يحمل همَّ هذه الأمة الإسلامية. ولقد تربى النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة؛ ليحمل بعد ذلك هَمّ الدعوة، فإذا كان ذلك يحدث مع النبي عليه الصلاة والسلام، فلا معنى للاستعجال في تربية الناس، لا بد من فقه هذا الدرس جيدًا وهو التأني في التربية، فبعد أربعين سنة في مكة جاء اليوم الذي سيدخل عليه جبريل عليه السلام وهو في خلوته في غار حراء.

جاء جبريل عليه السلام في هذه اللحظة العظيمة الخالدة في تاريخ الأرض، وهذا الموقف لم يحدث على وجه الأرض منذ ستمائة عام، فلقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام لن يتكرر هذا الموقف حتى يوم القيامة.

المصدر
موقع قصة الإسلام