مظاهر الازدهار الاقتصادي في الدولة الأموية
شهد العصر الأموي ازدهاراً اقتصادياً كبيراً؛ بسبب الفتوحات الإسلامية الواسعة التي وسعت بشكلٍ أساسي بقعة الدولة الإسلامية، ووفرت معظم حاجات الناس الأساسية، ومما يدل على ذلك وجود عدد محدود من المراجع والمصادر التاريخية التي اهتمت وبحثت بموضوع الاقتصاد الأموي، مع العلم أن غالبية الدراسات اهتمت بالجانب الفقهي من الناحية الاقتصادية، وليس الأحوال المالية، ومقدار ميزانية الدولة بعينها. الطريقة المثلى والأساسية المستخدمة لمعرفة الأحوال والأوضاع الاقتصادية في العصر الأموي هي دراسة مستوى معيشة الأفراد، ومظاهر الازدهار الاقتصادي الذي عمَّ البلاد آنذاك، وبشكلٍ عام فإن الاقتصاد الأموي كان متسعاً ومزدهراً إلى حدٍ كبير؛ لأن الدولة الأموية استطاعت أن تُسيطر على غالبية الطرق التجارية الموجودة في العالم القديم، وسيطرت على حركتها التجارية أيضاً، وتمكنَّت من احتواء العديد من المراكز الصناعية والزراعية.
بعد أن سيطرت الدولة الأموية على بلاد المغرب العربي ومصر استطاعت أن تحقق بعض الصناعات الأساسية التي كانت معروفة ومشهورة في العهد البيزنطي، مما مكَّنها من صناعة الأقمشة المختلفة، وصبغها بألوان عدَّة؛ أهمها: اللون الأرجواني، إضافةً إلى أنّ سكان الدولة صنعوا ورق البردي بغرض الكتابة. عندما توسعت الدولة الأموية وازدادت رقعتها فُتحت مجموعة من الأسواق الجديدة التابعة لها، فبدلاً من تصدير القمح من مصر إلى القسطنطينية أصبح يُصدَّر إلى منطقة الحجاز، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مجموعة من المناطق حتى ازدهر النشاط الاقتصادي الأموي، ووصل إلى أراضٍ كبيرة ممتدة من مصر وجنوب شرق الدولة. كما ذُكر في كتب التاريخ فإن الدولة الأموية اشتهرت بمجموعة من الصناعات الحربية والعسكرية؛ مثل: الخوذ، والحراب والسيوف، كما شهدت المدن الساحلية؛ مثل: دمياط، ورشيد، والإسكندرية، وعكا، وصيدا، وبيروت صناعة سفن القتال الحربي، وعُرِفَت آنذاك الصناعات الخشبية للعمارة، وصنع أثاث المنزل، والصوف، والقطن، والحرير، والكتان.
تميزت الدولة الأموية بنشاطها التجاري في مناطق وأماكن مختلفة؛ لأنها لم تفرض أي قيود بين ولايات الدولة نفسها، أو بينها وبين الدول التي تجاورها، كما أنها لم تحتكر البضائع التجارية لها، وحافظت على القوانين التجارية التي كانت موجودة في عهد الخلافة الراشدة. كان للدولة الأموية طريقان أساسيان للقوافل التجارية؛ الأول تعبر فيه السفن من خلال البحر حتى تصل مضيق باب المندب، فإما أن تستمر في الإبحار عبر البحر الأحمر حتى تصل ميناء القلزم-السويس فتضع بضائعها هناك، وتنقلها عبر القوافل البرية إلى الموانئ المختلفة، أو أن تضع بضائعها في اليمن حتى تنقلها براً من خلال ساحل شبه الجزيرة العربية، بينما كانت السفن تمر في الطريق الثاني من خلال الخليج العربي حتى تفرغ حمولتها وبضائعها في ميناء يُسمى الأيلة يقع بالقرب من البصرة.
العرب قبل الإسلام
كانت حالة العرب قبل الإسلام حالة مزرية في جميع جوانبها، فقد لاقت الأفكار والعقائد الضّالة بظلالها القاتمة على حياة النّاس؛ حيث تنكّب الكثير الصّراط المستقيم فابتدعوا أفكارًا وسلوكيّات ما أنزل الله بها من سلطان، وقد عكست مظاهر حياتهم حالة التّردي الأخلاقيّ، والفكريّ، والعقدي الذي وصلوا إليه.
من الناحية العقديّة
من النّاحية العقديّة ضلّت قبائل العرب عن دين التّوحيد فابتدعت أصنامًا تعبّدها من دون الله تعالى، وقد كان مذهب العرب قبل الإسلام يقوم على عبادة هذه الأصنام بزعم أنّها تقرّبهم إلى الله وتشفع لهم عنده، وعندما دخل المسلمون مكّة المكرّمة وجدوا حول الكعبة ما يقارب من ثلاثمئة صنم مثّلت الفترة السّوداء في حياة العرب العقديّة قبل الإسلام، ولم تعرف جزيرة العرب إلاّ قلّة من النّاس الذين كانوا على دين المسيح عليه السّلام أو على دين الحنيفيّة السّمحاء، كما انسحب الضّلال العقدي على سلوكيّات كثيرة في حياة العرب فقد علّق بعضهم التّمائم اعتقادا منهم أنّها تدفع عنهم الشّرّ والحسد، كما تعاملوا بالأزلام والطّيرة وغير ذلك من الأفعال الشركيّة وعظّموا أمر العرّاف والكهانة؛ حيث كانوا يُعظّمون أصحابها ظنًّا منهم أنّهم يعلمون الغيب، كما كانوا يلوذون بالجنّ ويحسبون لهم ألف حساب إذا هبطوا واديًا؛ حيث كان يقول قائلهم نعوذ بسيّد هذا الوادي وفي ذلك نزل قوله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا ) [الجنّ:6] .
من الناحية الأخلاقيّة
أمّا من ناحية الأخلاق فقد عرف العرب قبل الإسلام بعض الأخلاقيّات والفضائل كالكرم، والجود، والنّخوة العربيّة، فقد اشتهر عن كثيرٍ من العرب إكرام الضّيف والإحسان إليه، كما اشتهر عنهم إكرام الوافدين إلى بيت الله الحرام، وقد كانت الزّعامة على الرّفادة والسّقاية للحجّاج محل نزاعٍ بينهم وتنافس لما فيها من السّمعة الطّيبة، والشّرف العظيم، ومع ذلك فقد عرف العرب كثيراً من الأفعال المشينة، والأخلاق الذّميمة، فقد أباح العرب الزّنا؛ حيث كانت للزّانيات بيوتٌ خاصّة براياتٍ يعرفن بها، كما عظّم العرب أصحاب الجاه والمال على حساب الفقراء والضّعفاء الذين كان يستعبدوا ولا يأبه لهم، كما أهان العرب المرأة فحرموها من ميراثها وعاملوها معاملة المتاع، كما كان عددٌ منهم يشعرون بالعار؛ إذا رُزِق أحدهم مولوداً أنثى فيسودّ وجهه وربّما وارى هذا المولود البريء في التّراب .
من النّاحية الفكريّة والأدبيّة
أمّا من النّاحية الفكريّة والأدبيّة فقد اشتهر العرب بالبلاغة والأدب وفصاحة اللّسان، واشتهر عنهم عقدهم لمجالس الشعر وأسواقها فالمعلّقات السّبع وأسواق عكاظ وذي المجنّة إلاّ مثالاً على ذلك، وقد جاء الإسلام ليهذّب أخلاقهم ويطهّر ألسنتهم من الكلام البذيء والفحش والتّفحش .
مراحل نشأة الدولة الإسلامية
ظلّ النبي عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى عبادة الله وحده، وترك ما هم عليه من الضلالات والشرك، فآمن به عددٌ من الرجال والنساء الذين شكلوا معه عليه الصلاة والسلام جماعة أخذت على عاتقها نشر رسالة الإسلام في ربوع المعمورة، وبذل الجهود من أجل تحقيق هدف إقامة الدولة الإسلامية.
مراحل نشأة الدولة الإسلامية
تمّ تأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة بقيادة النبي عليه الصلاة والسلام، فقد عرف المسلمون أول شكلٍ للدولة الإسلامية عندما هاجر النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، حيث وضع النبي الكريم أولى ركائز الدولة الإسلامية حينما دعا إلى المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتأليف قلوب المسلمين بعضهم البعض، كما وضع معاهدةً بين المسلمين وغيرهم في المدينة المنورة من اليهود، وبدأ بإرسال الرسل إلى الملوك والحكام لنشر رسالة الدولة الإسلامية.
الدولة الإسلامية الثانية
بدأت هذه المرحلة من تأسيس الدولة الإسلامية في السنة الحادية عشر للهجرة، فقد توفي النبي عليه الصلاة والسلام ولم يعهد لأحدٍ من الصحابة بشيءٍ من أمر الخلافة والحكم، وإن كان بعض العلماء استأنسوا ببعض الأحاديث في بيان أحقية أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة دون غيره لأفضليته في الإسلام وصحبته، ولقد ظهرت حكمة النبي عليه الصلاة والسلام في ترك الوصية في أنه أراد أن يثبت مفهوم الشورى بين المسلمين، ولذلك بعد وفاته عليه الصلاة والسلام اجتمع الصحابة والمسلمون في سقيفة بني سعادة، حيث استقر رأيهم بعد نقاشاتٍ وسجالاتٍ على اختيار أبي بكر رضي الله عنه لتبدأ بذلك مرحلة الدولة الإسلامية الثانية التي تعاقب على حكمها أربعةٌ من الخلفاء الراشدين الذين حكموا بسنة النبي الكريم وهديه، وقد استمرت تلك الخلافة ثلاثين عاماً من سنة 11 للهجرة إلى سنة أربعين للهجرة، وأصبح للدولة الإسلامية فيها نظامها الإجتماعي، والإقتصادي، والسياسي، والتنظيمي المستند على أحكام الشريعة الإسلامية وتعاليمها.
تتابع الدول الإسلامية وانتهائها
نشأت بعد دولة الخلافة الراشدة دولٌ إسلامية توارث فيها الحكام السلطة عن بعضهم البعض، وأول هذه الدول هي الدولة الأموية التي ابتدأت منذ عام 40 للهجرة وانتهت سنة 132 للهجرة، لتعقبها الدولة العباسية التي بدأت منذ العام 132 للهجرة واستمرت إلى سنة 656 للهجرة، ثم تتابعت بعدها العديد من الدول التي ظهرت في مناطق مختلفة من العالم، ثمّ أخيراً جاءت الدولة العثمانية التي حكمت منذ العام 1300 للميلاد واستمرت حتى سنة 1923 حينما ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة واستبدلها بجمهورية تركيا القومية.
أسباب الهجرة النبوية الشريفة
أدرك النّبي عليه الصّلاة والسّلام ومنذ أن بعثه الله جلّ وعلا بالرّسالة أنّه سوف يتعرّض للأذى والتّهجير، فقد جاء ورقة بن نوفل ابن عمّ السّيدة خديجة رضي الله عنها إلى رسول الله حينما نزل الوحي عليه في غار حراء فأخبره مطمئناً أنّ ذلك هو النّاموس الذي أُنزل على موسى عليه السّلام وأخبره أنّ قومه سوف يخرجونه من مصر كما تعرّض لذلك الأنبياء من قبله. كذلك أدرك النّبي عليه الصّلاة والسّلام أنّه مهاجرٌ من مكّة حينما أراه الله في منامه دار الهجرة، وقد تحقّقت تلك الرّؤيا على أرض الواقع حينما هاجر النّبي الكريم والمسلمون من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة بعد عشر سنواتٍ قضوها في الدّعوة إلى الله تعالى ونشر رسالة الإسلام، فما هي الأسباب التي دعت إلى الهجرة النّبويّة المشرّفة ؟
أسباب الهجرة النّبويّة الشريفة
هناك أسباب كثيرة للهجرة ومنها:
- الأذى والتّنكيل الذي تعرّض له النّبي عليه الصّلاة والسّلام والمسلمون في مكّة المكرّمة، فالدّعوة الإسلاميّة في الفترة المكّيّة مرّت بمراحل عدّة ابتداء من الدّعوة السّريّة إلى الدّعوة الجهريّة خاصّة عندما أسلم حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطّاب رضي الله عنهما، وتعرّض المسلمون في تلك الفترات إلى كثيرٍ من التّضييق عليهم من قبل كفّار قريش والتّهديد بالقتل والتّعذيب، فها هو الصّحابي الجليل بلال بن رباح يضعه الكفّار في رمضاء مكّة ويضعون على جسده الحجارة في ذروة اشتداد الحرّ. كما أن النّبي الكريم لم يسلم من هذا الأذى، ومثالٌ على ذلك ما فعله أحد كفّار قريش حينما كان النّبي عليه الصّلاة والسّلام يصلّي عند الكعبة حيث وضع على رأسه وهو ساجد سلا جزور، فجاءت السّيدة فاطمة رضي الله عنها فأزالت عنه ذلك الأذى، فما تعرّض له المسلمون من شدّة في مكّة المكرّمة وتضييق كان دافعاً لهم بلا شكّ للهجرة إلى المدينة المنوّرة.
- مبايعة الأنصار للنّبي عليه الصّلاة والسّلام على النّصرة والتّأييد لهذا الدّين، فقد عقد النّبي الكريم مع أهل المدينة قبل هجرته بيعتان هما بيعة العقبة الأولى والثّانية والتي مهّدت لحدث الهجرة، ولقد شجّع ذلك الأمر النّبي عندما رأى أناساً مستعدين لبذل أموالهم ونفوسهم رخيصةً في سبيل نصرة الدّين وإعلاء كلمة الإسلام، وقد تحقّق التّمكين للمسلمين في المدينة المنوّرة حيث استطاعوا تأسيس نواة الدّولة الإسلاميّة الأولى التي أصبح لها جيشها وقوّتها الرّادعة للمعتدين، فنزلت الآيات الكريمة تأذن للمسلمين بالقتال.
الدولة الأموية -2-
أبرز خلفاء وقادة الدولة الأموية
- خلفاؤها ثمانية هم: يزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان، ومعاوية بن أبي سفيان، والوليد بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ومروان بن محمد، وسليمان بن عبد الملك.
- من أبرز القائدين فيها: القائد حسان بن النعمان، والقائد قتيبة بن مسلم الباهلي، والقائد عقبة بن نافع الفهري، والقائد موسى بن نصير، والقائد محمد بن القاسم الثقفي، والقائد طارق بن زياد.
سقوط الدولة الأموية
العوامل التي ساهت في سقوط الدولة الأموية:
- ابتعاد الدولة الأموية عن التشريع الإسلامي في الحكم.
- نظام ولاية العهد الذي يعتمد على تعيين اثنين من ولاة العهد، ممّا أدّى إلى خلق الصراعات والانشقاقات في الدولة.
- ظهور العصبية القبليّة، وعداوة القبائل العربية ضدّ بعضها.
- ظهور الدولة العباسيّة.
- معارضة بعض من الفرق الإسلامية للدولة الأموية، مثل: فرقة الخوارج.
معلومات عامة عن الدولة الأموية
- بلغت مساحة أراضيها 13.400.000 مليون كيلومتر مربع، حيث إنّها تشكّلت من ست وأربعين دولة. عملتها الرسمية هي الدينار، والدرهم الأموي. من العام 744م إلى العام 661م كانت عاصمتها مدينة دمشق ، ومن العام 750م إلى العام 744م أصبحت عاصمتها مدينة حران. نظام الحكم فيها خلافي وِراثي. من الفتوحات التي أنجزتها الدولة الأموية: بلاد ما وراء نهر جيجون، وجزيرة قبرص، وبلاد السند، وجزيرة رودس اليونانية، وبلاد الأندلس، وجزيرة كريت، ودول شمال قارة أفريقيا، وآسيا الصغرى.
الدولة الأموية -1-
تنسب الدولة الأمويّة إلى بني أمية الذين استلموا الخلافة الإسلامية الثانية، ومؤسّسها هو معاوية بن أبي سفيان، وبدأ حكمها من العام 41 هـ/661م، وانتهت في العام 132هـ/ 750م، وفي نفس العام بدأت الخلافة الإسلاميّة الثالثة وهي الخلافة العباسيّة.
أسباب قيام الدولة الأموية
قامت الدولة الأمويّة في العام 41 هـ بعد تنازل الخليفة الحسن بن علي عن الخلافة إلى الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وذلك من أجل حقن دماء المسلمين وتوحيد كلمتهم بعد ما وقعت العديد من المعارك والأحداث، فقيام الدولة كان قمعاً لأصحاب الفتنة، ومن الأسباب الأخرى:
- تفاقم المشكلات في جسم الدولة الراشديّة وضعفها، حيث حدثت فيها الكثير من الانقسامات بين المسلمين.
- ظهور الفتن والخلافات التي اشتعلت أيّام حكم الخليفة عثمان بن عفان التي تسبّب في مقتله في العام 35هـ، وبعدها مجيء حكم الخليفة علي بن أبي طالب الذي لم يستطع السيطرة على الفتن والنزاعات.
- ظهور الخوارج ونشر الفساد في البلاد.
التطوّرات والإنجازات في عهد بداية الدولة الأموية
- رجعت حركة الفتوحات الإسلاميّة من جديد.
- أصبحت مدينة دمشق عاصمة للدولة بدلاً من الكوفة.
- استعاد المسلمون أراضي أرمينيا. تطور ديوان البريد،
- وأنشأ ديوان الخاتم.
- إلغاء نظام مجلس الشورى.
- تأسس نظاماً للشرطة.
-
السكان في الدولة الأموية
- حسب إحصائيات عام 750م بلغ عدد سكانها 34,000,000 مليون نسمة، ويتحدّث سكانها اللغة العربية التي تعتبر اللغة الرسمية في الدولة، بالإضافة إلى عدد من اللغات المحليّة الخاصّة ببعض الأقليات كاللغة الكرجيّة، والآراميّة، والأمازيغيّة، والأرمنيّة، والعبرانيّة، والتركيّة، والكرديّة، والروميّة، والفهلويّة، والقبطيّة، والمستعربة. أمّا ديانة السكان فكان الدين الإسلامي هو دين الغالبية، ويوجد بعض الأقليات التي تدين بالديانة الصابئية، والديانة المسيحيّة، والديانة المجوسية، والديانة اليهودية.
بلاد ما وراء النهر
بلاد ما وراء النهر أو ما يعرف الآن ببلاد وسط آسيا أو آسيا الوسطى، تعبير أطلقه الجغرافيون والمؤرخون المسلمون على المنطقة المحصورة بين نهري جيحون (آموداريا) في الجنوب، وسيحون (سرداريا) في الشمال، وسكانها من العنصر التركي الذي انحدر إليها من الشرق منذ القرن السادس الميلادي ، وكونوا لهم عدة ممالك مستقلة فيها ، وهي اليوم تضم خمس جمهوريات إسلامية كانت خاضعة للاتحاد السوفيتي، ثم مَنَّ الله عليهم فاستقلوا بعد انهياره، وهذا الجمهوريات هي الآن أوزبكستان وطاجيسكتان وقازاخستان وتركمانستان وقرغيزيا.
الأمويون وبلاد ما وراء النهر
تعد المرحلة الحاسمة لفتح بلاد ما وراء النهر جاءت على يد الفاتح البطل قتيبة بن مسلم الباهلي ، ففي غضون عشر سنوات (86- 96هـ) بسط السيادة الإسلامية على كل البلاد. وقد توالت إغارات الأتراك الشرقيين على بلاد ما وراء النهر حتى أخذوا يشكلون خطرا على الدولة الأموية التي تصدَّت لذلك الخطر بجرأة وجسارة، وقام الولاة الأمويون مثل : الجراح بن عبد الله الحكمي، وعبد الله بن معمر اليشكري، الذي تابع الغزو في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد ونسب إليه أنه هم بغزو الصين نفسها.
وظلت الدولة الأموية والأتراك الشرقيون في صراع يتبادلون النصر والهزيمة حتى تغلبت كفة الدولة الأموية على يد الوالي الشجاع أسد بن عبد الله القسري (117- 121هـ) ونصر بن سيار (121- 129هـ) الذي حظي بمكانة في تاريخ الجهاد الإسلامي في تلك البلاد لا تقل عن مكانة قتيبة بن مسلم، فهو الذي حمى بلاد ما وراء النهر من خطر الأتراك الشرقيين.
وخلاصة القول: أن فتح بلاد ما وراء النهر وتثبيت ذلك الفتح وتهيئتها لقبول الإسلام، عقيدة وفكرا وثقافة وسلوكا يعتبر من أهم منجزات العصر الأموي.
العباسيون وبلاد ما وراء النهر
ظل الأمويون يخوضون معارك تثبيت الفتوحات الإسلامية في بلاد ما وراء النهر ، وحمايتها من خطر الأتراك الشرقيين إلى آخر أيامهم، فلما سقطت دولتهم سنة 132هـ وقامت الدولة العباسية واصلت- تلك الأخيرة- السياسية نفسها بل إن العباسيين واجهوا خطرا جديدا، وهو الخطر الصيني، فقد رنت الصين إلى السيطرة لا على الأتراك الشرقيين فحسب، بل على بلاد ما وراء النهر ذاتها.
ولم تكن الأطماع الصينية تقف عند حد السيطرة السياسية، وإنما كانت ترمي إلى الاستيلاء على طرق التجارة التي تعبرها القوافل من الشرق الأقصى إلى بلاد ما وراء النهر ثم إلى موانئ البحرين الأسود والأبيض المتوسط ثم إلى أوربا، وهذه المطامع الصينية جعلت الصدام مع الدولة العباسية أمرا محتما.
معركة طلاس
وبالفعل التقى الجيشان الصيني والعباسي في معركة طلاس سنة (134 هـ/ 752 م) والتي انتصر فيها الجيش العباسي انتصارا عظيما، كان أعظم الانتصارات العربية في وسط آسيا. وبعد هزيمتهم تراجع الصينيون، بل كان أثر الهزيمة شديدا عليهم إلى درجة أنهم تقاعسوا عن نصرة أمير أشروسنة عند ما استغاث بهم ضد المسلمين، وكان هذا يعني أن العباسيين قد نجحوا في إبعاد الصين عن المعركة.
وبات على الأتراك الشرقيين أن يواجهوا العرب معتمدين على أنفسهم وكان هذا فوق طاقتهم؛ لأن العباسيين أولوا المنطقة عناية كبيرة، وواصلوا جهودهم في صد العدوان إلى أن زال خطر الأتراك الشرقيين، وانتشر الأمن على الحدود، وارتفع شأن الحكومة الإسلامية في عيون الناس، مما مكّن للإسلام أن يمضي قدما في طريق الانتشار والنجاح.
السياسة العباسية في بلاد ما وراء النهر
وقد واكبت السياسة العباسية هذا التطور، وشجعت الأتراك على اعتناق الإسلام بالإكثار من استخدامهم في الإدارة بل في الجيش نفسه، والحق أن العباسيين اقتدوا في ذلك بالأمويين، الذين سبق أن استخدموا غير المسلمين في الجيش، فجاء العباسيون وتوسعوا في هذا المجال، فقد أنشأ الفضل بن يحيى البرمكي في عهد هارون الرشيد فرقة كبيرة في خراسان من الأتراك الغربيين، بلغ عدد أفرادها خمسين ألف مقاتل بعث منهم عشرين ألفا إلى بغداد ، وأطلق عليهم اسم الفرقة العباسية واشترك في قوات علي بن عيسي رجال من الصغد، وكان جيش طاهر بن الحسين يضم سبعمائة من الخوارزمية، والجديد في الأمر هنا هو استخدام الجنود الأتراك في بغداد نفسها.
كما استن الخليفة المأمون (198- 218هـ) سنَّة جديدة، حيث دعا كثيرين من زعماء الأتراك إلى الدخول في خدمته في بغداد ومنحهم الصلات والعطايا، وألحق كثيرا من فرسانهم بالحرس الخليفي.
وفي عهد الخليفة المعتصم (218- 277 هـ) وضح أن الإسلام قد تمكن في بلاد ما وراء النهر، ورسخت أقدامه، حتى أن الأتراك الغربيين أنفسهم قد أصبحوا مادة الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن الإسلام ونشره بين الأتراك الشرقيين، يقول البلاذري: “والمعتصم بالله جل شهود عسكره من جند أهل ما وراء النهر، من الصغد والفراغنة وأهل الشاش وغيرهم، وحضر ملوكهم ببابه، وغلب الإسلام على ما هناك، وصار أهل تلك البلاد يغزون من وراءهم من الترك ففتح مواضع لم يصل إليها أحد من قبله”
المصدر
موقع التاريخ
الأندلس كيف دخلها المسلمون وكيف خرجوا منها؟
كان أول توجه لجيش الفتح الإسلامي نحو الأندلس من أجل غزوها وفتحها سنة 91هـ، تحت قيادة طريف بن زرعة، ثم غزوها في العام التالي 92هـ ، تحت قيادة طارق بن زياد، وكان عدد جيش المسلمين اثني عشر ألفاً، وتم الفتح العظيم، وانتشر المسلمون وجيشهم في قرطبة، وغرناطة، وطليطلة في الشمال، وأصبحت جميع الأرض الأندلسية خاضعة للمسلمين منذ ذلك التاريخ، وتعاقب على حكم الأندلس منذ ذلك الحين ستة عصور، وهي: عصر الولاة (95 – 138هـ) وعصر الدولة الأموية (138 – 422هـ) وعصر ملوك الطوائف (422 – 484هـ) وعصر المرابطين (484 – 540هـ) وعصر الموحدين (541 – 633هـ) وعصر دولة بني الأحمر (636 – 897هـ) .
شاءت حكمة الله تعالى أن ينتشر الإسلام في الأندلس، وتسعد به أجيال كثيرة أراد الله لهم الهداية والخير، وكان السبب في هذا بعد الله تعالى يعود إلى صقر قريش عبدالرحمن الداخل سنة 138هـ الذي ضبط الحكم فيها، وأعاد إليها النظام والوحدة، وأدارها بكل حكمة وقوة، مما أدى إلى استقرار الحكم فيها، لتكون بعد ذلك مدخلاً وسبباً في وصول الثقافة العربية الإسلامية إلى أوربا.
كما هو معلوم فقد تعاقب على حكم الأندلس الكثير من الأمراء والسلاطين، كان بعضهم قوياً، وبعضهم الآخر ضعيفاً، ومن السلاطين الأقوياء عبدالرحمن الناصر (300 – 350ه)، الذي يعرف بأنه الفاتح الثاني للأندلس، حيث استرد ما ضاع منها من الولايات، وبلغت قرطبة أوجها في عهده، ومنهم المنصور بن أبي عامر الذي أعاد فتحها مرة ثالثة، وأخضع القلاع المسيحية والمدن النصرانية لحكم الإسلام، وفتح برشلونة، ثم انفرط العقد من بعده، وقامت إمارات ودويلات، يغلب على معظم أمرائها الضعف والوهن، ويشغلهم اللهو، وبلغ عدد هذه الدويلات حولي (20) إمارة، توزعت على جميع الأندلس، ومنهم: بنو حمود، وبنو عباد، وبنو زيري، وبنو برزال، وبنو يحيى، وبنو جهور، وبنو ذي النون، وبنو هود، إلى غير ذلك، كل منهم استولت على ناحية منها.
اتفقت أهم قوى النصارى في ذلك الوقت وتوحدت دولة قشتالة وأراغون بعد زواج أميريهما فرديناند وإيزابلا، وكان نتيجة هذا الاتحاد أن توحيد القيادة، في الوقت الذي كانت قوة المسلمين في تشرذم، وقيادتهم في انقسام وتشتت، حيث ثار أبو عبدالله بن الأحمر على والده “أبي الحسن”، وتعاون مع المسيحيين على حرب والده، ثم على حرب عمه محمد الثاني المعروف بالزغل بعد موت أبيه، وبلغ به العداء لعمه أنه لما فتح فرديناند وأيزابلا مدينة مالقة الإسلامية أرسل إليهما أبو عبدالله بالتهاني، وأعطاهما عهداً إن هما استوليا على إمارة الزغل أن يسلم لهما غرناطة، فتم لهم ذلك عام 896هـ، وخرج الزغل إلى إفريقية، فطلب فرديناند من أبي عبدالله الوفاء بوعده، فتماطل وحاول الصمود، ولكن جيوش الصليبيين تقدمت إلى غرناطة مصممة على فتح آخر حصن للإسلام والمسلمين في إسبانيا. وتم لهم ذلك، فصالحهم أبو عبدالله، وخرج المسلمون من غرناطة في سنة 1492م في ذلة ومهانة. حيث بدأت محاكم التفتيش في التعذيب والقتل والنفي، وبدأت معاناة أهل الأندلس من المسلمين ومن اليهود، وكانوا يجبرونهم على التنصر أو الموت، وقد تمسك أهل الأندلس بالإسلام ورفضوا الاندماج مع المجتمع النصراني. ،وبقي المسلمون رغم هذا متمسكين بإسلامهم، يدافعون عنه بكل قوة.
ويمكن إجمال أهم تلك الأسباب في عدة نقاط منها: ما تمثل في ضعف العقيدة الإسلامية عند معظم السلاطين وأهل القرار، أو أصحاب المال والجاه فيهم، وانحرافهم عن منهج الإسلام الحق، ومولاتهم للنصارى، والتحالف معهم؛ فيمكن أن نقول – وبكل أسف – أن تاريخ العرب والمسلمين في الأندلس مليء بمثل هذه التحالفات المهينة، مخالفين في ذلك قول الله تعالى: (لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ في شَيْءٍ) [آل عمران: 28]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَوثَقُ عُرَا الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحبُّ في الله، والبغض في الله) ومن الأمثلة على تلك التحالفات ما فعله المعتمد بن عباد وغيره الذين كانوا يطلبون المساعدة من ملك قشتالة في حربه ضد أقاربه من أمراء الطوائف من أجل استئصالهم، بدل أن يتحد معهم ضد النصارى من أجل تحقيق مصلحة المسلمين وأهدافهم التي باتت مهددة في الأندلس.
ومن تلك الأسباب المهمة أيضاً الانغماس في الشهوات، والركون إلى الترف، وعدم توجيه طاقات الأمة نحو معالي الأمور والجهاد بأنواعه، في الوقت الذي كانوا يرون فيه العدو وهو يجمع طاقاته ويوحد صفوفه لحربهم والتخلص منهم، ويرى بعض المؤرخين أن الأندلسيين خاصة الشباب منهم ألقوا بأنفسهم في أحضان الترف والمجون، حتى ذهبت أخلاقهم، وماتت فيهم حمية الإسلام ومظاهر العزة والكرامة، واهتمت نساؤهم بمظاهر الزينة والتربج، ويكفي للوقوف على مقدار هذا الترف ما فعله المُعْتَمِد في القصة المشهورة مع إحدى زوجاته، التي اشتهت أن تمشي في الطين فأمر أن يخلط الطين بالمسك والزعفران، لتخوض فيه وتحقق شهوتها.
ومن تلك الأسباب إلغاء الخلافة الأموية وإعلان بداية قيام عهد الطوائف، الذين كان غالبهم ليس مؤهلا لقيادة الأمة الإسلامية والنهوض بها وإعادتها إلى ما كانت عليه فيما مضى، مما أدى إلى ضعف المسلمين ووصولهم إلى تلك الحالة من المهانة.
ومن تلك الأسباب وجود الفرقة والاختلاف بأنواعه بين المسلمين، حتى أصبح سمة من سمات عصر الطوائف، حتى كان بعضهم يضطر إلى عقد العهود مع النصارى ضد إخوانه وأقاربه من أجل السلطة، ولما سقطت طُلَيْطِلَة وقف بعض ملوك الطوائف صامتين عن نجدتها، وكأن الأمر لا يعنيهم، وتغافلوا عن أن ملك النصارى ألفونسو لا يفرِّق بين طليطلة وبين غيرها.
ومن الأسباب المهمة كذلك تخلي بعض علماء المسلمين أو معظمهم عن القيام بواجباتهم، ذلك أن الواجب الديني لا يقوم به إلا العلماء الربانيين، وكلَّما ابتعد العلماء عن الربَّانية تثاقلت نفوسهم، وازداد اهتامهم بمصالحهم الشخصية, وعدم الاهتمام بمصالح الأمة الحقيقية، كما هو الحال في أيامنا هذه، وهو ما يؤدي إلى ضعف الأمة، وتقهرقها، ثم هناك أمر آخر وهو عدم سماع ملوك الطوائف لنصائح العلماء الصادقين في ذلك الوقت، بل ومحاولة التضييق عليهم، كما هو حالنا هذه الأيام، فكانت نصائح العلماء لا تصادف أسماع السلاطين، حتى حلَّت بهم المصيبة، وهي سقوط طليطلة، وما بعدها.
ومن الأسباب التي أدت إلى ذهاب دولة المسلمين في الأندلس أن النصارى استطاعوا أن يتفقوا ويوحدوا كلمتهم ويضعوا البرامج والمخططات التي تقوم على الغدر والخيانة، بالتعاون مع بعض الخونة، من أجل القضاء على ملوك الطوائف ببث الفتنة بينهم، فهم كما قال الله تعالى: (لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة: 14] حيث مارسوا كل الأساليب الممنوعة من أجل تحقيق أهدافهم كما هو معلوم في محاكم التفتيش. وكان من أكثر ملوك النصارى نشاطاً واهتماماً بهذا الأمر فرناندو ملك قشتالة.
المصدر
موقع التاريخ
السيادة البحرية الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين
كان الروم البيزنطيون أشد أعداء المسلمين، وأقواهم شكيمة، وقد أدرك معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه هذه الحقيقة حيث قضى أربعين عاما في قتالهم، منذ أن كان واليًا على الشام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإلى وفاته سنة 60هـ، ولذلك نراه يوصي من بعده بقوله: “شدوا خناق الروم، فإنكم تضبطون بذلك غيرهم من الأمم”.
وفي إقليم الشام تاخمت حدود الدولة الإسلامية حدود الإمبراطورية البيزنطية، كما جاورت ممتلكات تلك الإمبراطورية سواحل الشامل في حوض البحر المتوسط الشرقي، ومن ثم هدد الخطر البيزنطي إقليم الشام برًا وبحرًا.
ويعتبر الانتصار الحاسم الذي أحرزه المسلمون على الجيوش البيزنطية في موقعة اليرموك 13هـ / 643م أو 15هـ/ 636م نقطة تحول هامة في حركة الفتوح الإسلامية، أدت إلى انهيار قوي الروم، وانفصال الشام عن جسم الإمبراطورية البيزنطية.
ويذكر المؤرخون أن هرقل عندما بلغه نبأ الكارثة التي حلت بجيوشه في معركة اليرموك رحل إلى القسطنطينية ، فلما تجاوز الدرب الذي يصل أرض الشام بأرض بيزنطة نظر إلى الأراضي السورية، وقال هرقل -يودعها بنظرة: “عليك يا سورية السلام، ونعم البلد هذا للعدو”.
فتح المدن الساحلية الشامية
وعلى إثر معركة اليرموك أخذت مدن الشام الكبرى في الشمال والجنوب تتساقط سريعا، الواحدة بعد الأخرى في أيدي المسلمين، ولم يكد هؤلاء ينتهون من فتح دمشق حتى وجهوا جهودهم لفتح المدن الساحلية الشامية والجزر الواقعة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط:
• فقد استولى عمرو بن العاص رضي الله عنه في بداية فتوح الشام على موانئ غزة وعسقلان وعكا سنة 15هـ/ 636م.
• ثم استولى يزيد بن أبي سفيان الوالي على الشام -قِبَل أخيه معاوية- في خلافة عمر بن الخطاب على صيدا وصور وبيروت وجبيل سنة 17هـ/ 638م.
• واستولى عبادة بن الصلت -بأمر من يزيد بن أبي سفيان- على موانئ السواحل الشامية الشمالية، مثل اللاذقية وجبالة، وأنطرسوس.
• وعندما تولى معاوية بن أبي سفيان إمارة الشام بدأ النشاط البحري الكبير في شرق البحر المتوسط، وأظهر في فتح المنطقة الساحلية عبقرية فذة، وبذل فيها جهودا ذات بلاء حسن وأثر جميل على نحو ما شهد له بذلك قادة المسلمين، فاستولى على قيسارية سنة 19هـ/ 640م، وهي من أهم المدن الساحلية بالشام، ثم على مدينة طرابلس التي كانت ميناء دمشق ومفتاح حياتها الاقتصادية، وتتفوق على سائر مدن الشام في حصونها وبهائها.
• وقد اهتم معاوية بغزو جزر البحر المتوسط المواجهة لساحل الشام ليتخذها مراكز أمامية يوجه منها الغزوات البحرية إلى بلاد البيزنطيين نفسها، فاستولى على أرواد ورودس، ثم قاد أول حملة بحرية إسلامية على جزيرة قبرص، فتوجه إليها من عكا سنة 28هـ/ 645م، وما كادت السفن الإسلامية ترسو إلى ساحلها حتى أذعن أهلها بالطاعة للمسلمين، وصالحهم معاوية على جزية سنوية، واشترط عليهم أن يلتزموا الحياد في الصراع العربي البيزنطي، وأن يبلغوا المسلمين بسير عدوهم من البيزنطيين.
فلما كانت سنة 32هـ/ 652م أعان أهل قبرص البيزنطيين على الغزاة في البحر بسفن قدموها لهم، فغزاهم معاوية سنة 33هـ/ 653م في خمسمائة سفينة، وافتتح الجزيرة -في هذه المرة- عنوة، ثم أقرهم على صلحهم الأول، وأرسل إليهم اثني عشر ألفا من المسلمين ليقيموا في الجزيرة، ونقل إليها جماعة أخرى من مسلمي بعلبك، فبنوا المساجد والبيوت.
موقعة ذات الصواري ونتائجها
وقد خاص المسلمون في أواخر العصر الراشدي موقعة بحرية هامة ضد البيزنطيين، حسمت السيادة البحرية في حوض البحر المتوسط، وقلبت التفوق البيزنطي لصالح المسلمين، ونعني بها موقعة ذات الصواري سنة 34هـ/ 654م.
وتذكر المصادر العربية أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أمير مصر خرج بأسطوله البحري من رشيد قاصدا أسطول الروم، وفي الوقت نفسه خرج بسر بن أبي أرطأة -وهو أحد قادة معاوية- بأسطوله من صور، وتلاقى الاثنان في البحر بالقرب من ساحل ليكيا عند فونيكة -في جنوب أنطاكية- حيث دارت المعركة هناك.
وكان الأسطول البيزنطي مكونا من خمسمائة مركب، أو سبعمائة وقيل ألف، في حين كان المسلمون في نحو مائتي مركب، وقد وصف أحد المسلمين المشاركين في المعركة شعوره حين تقابلت الأساطيل الإسلامية مع السفن البيزنطية، قائلا: “فالتقينا في البحر، فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط”.
ويبدو أن المسلمين أدركوا أن خوض قتال بحري ضد هذه الأعداد الضخمة من السفن المدربة مخاطرة غير مأمونة، فاختاروا أن يجعلوها حربا برية في البحر، فربطوا سفنهم المتقاربة في سفن الأعداء، وجعلوا من ظهورها ميدانا بريا للقتال، واشتدت المعركة، وقتل من الجانبين أعداد هائلة، واختلطت دماء القتلى بمياه البحر، فصبغته بلونها الأحمر القاني، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاما.
وانتهى القتال بانتصار حاسم للمسلمين، وأسفر عن بداية لطور بحري جديد سيطر المسلمون فيه على حوض البحر المتوسط الشرقي على حساب البحرية البيزنطية، وأكسبهم خبرة طيبة في المجال البحري العسكري، مما فتح لهم آفاقا جديدة لميادين الامتياز والتفوق في مجابهة دولة الروم المتربصين بهم.
ويعلق الدكتور إبراهيم العدوي على معركة ذات الصواري، بقوله: “وتعتبر هذه الوقعة البحرية من المعارك الحاسمة القلائل التي غيرت مجرى تاريخ البحر المتوسط، إذ قضت على اتصافه بأنه بحر الروم، وجعلته حريا أن يدعى “بحر المسلمين”، فقد انطلقت فيه السفن الإسلامية في حرية تذهب حيثما تريد، رافعة علم الإسلام.
وتجلت أولى النتائج الهامة التي ترتبت على هذه المعركة الفاصلة عندما تخلى الإمبراطور البيزنطي قنسطانز ومن جاء بعده من الأباطرة عن فكرة طرد المسلمين من البلاد التي استولوا عليها في شرق البحر الأبيض المتوسط، واستعادة ما كان لهم من سالف النفوذ والسلطان هناك، إذ أدرك أولئك الأباطرة أن هذه الفكرة ضرب من الأحلام التي فات أوانها، وأن قدم المسلمين رسخت نهائيا على شاطئ البحر المتوسط الشرقي، فجنحوا إلى الاعتراف بالأمر الواقع، وادخار جهودهم وقوتهم إلى وقت قد يحتاجون فيه للدفاع عن دولتهم وحمايتها من التردي نهائيا في أيد المسلمين”.
المصدر
موقع التاريخ