الرحمة من روائع أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم

يرحم غلام أبي مسعود الأنصاري
يروي أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه فيقول: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا “اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ”. فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ. فَقَالَ: “أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ، لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ”.

“يا أنيس اذهب حيث أمرتك”
عن أنس بن مالك قال: “كان رسول صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب. وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم. قال: فخرجتُ حتى أمُرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي؛ فنظرت إليه، وهو يضحك فقال: “يَا أُنَيْسُ، اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ”. قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله. قال أنس: والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين، ما علمتُ قال لشيء صنعت: لمَ فعلت كذا وكذا، ولا لشيء تركت: هلاَّ فعلت كذا وكذا”.

ويقبل الحسن بن علي رحمة به
قَبَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ”.

يطيل السجود رحمة بالصبي
عن شداد بن الهاد قال: “خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حَسَنًا أو حُسينًا، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبَّر للصلاة، فصلَّى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها. قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يُوحى إليك. قال: “كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي؛ فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ”.

ويرحم زوجه عائشة رضي الله عنها
اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ رضي الله عنها -ابنته- عَالِيًا، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ: أَلاَ أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم! فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْجِزُهُ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: “كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟” قَالَ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا، فَقَالَ لَهُمَا: “أَدْخِلاَنِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا”.

اذهب فأطعمه أهلك
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت! فقال: “وَمَا ذَاكَ؟” قال: وقعت بأهلي في رمضان. قال: “تَجِدُ رَقَبَةً؟”. قال: لا. قال: “فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟” قال: لا. قال: “فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟” قال: لا. قال (أي الراوي): فجاء رجل من الأنصار بعرق -والعرق: المكتل- فيه تمر، فقال: “اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ”. قال: أعلى أحوج منا يا رسول الله؟! والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا. ثم قال:”اذْهَبْ، فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ”.

إن منكم منفرين
عن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني -والله- لأتأخر عن صلاة الغداة؛ من أجل فلان مما يطيل بنا فيها. قال: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبًا في موعظة منه يومئذٍ، ثم قال: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ”.

فإن الله قد غفر لك
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن قعود معه إذ جاء رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا، فأقمه عليَّ. فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعاد فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا فأقمه عليَّ. فسكت عنه، وأقيمت الصلاة، فلما انصرف نبي الله صلى الله عليه وسلم قال أبو أمامة: فاتَّبع الرجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف، واتَّبعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظرُ ما يرد على الرجل، فلحق الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا فأقمه عليَّ. قال أبو أمامة: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ” قال: بلى يا رسول الله. قال: “ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلاَةَ مَعَنَا”. فقال: نعم يا رسول الله. قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فَإِنَّ اللهَ قَد غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ -أو قال- ذَنْبَكَ”.

يخفف الصلاة رحمة بأم الصبي
عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ”.

المصدر
موقع قصة الإسلام

حلم النبي صلى الله عليه وسلم

جذبه أعرابي فأمر له بعطاء
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بُردٌ نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مُرْ لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء.

يدعو بالهداية لمن آذاه
عن عبد الله بن عبيد قال: لما كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشُجَّ في جبهته، فجعلت الدماء تسيل على وجهه، قيل: يا رسول الله، ادعُ الله عليهم. فقال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي طَعَانًا وَلا لَعَّانًا، وَلَكِن بَعَثَنَي دَاعِية وَرَحْمَة، اللهُمَّ اغْفِر لِقَومِي فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ”.

من يمنعك مني؟
يروي جابر بن عبد الله، يقول: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏مُحَارِبَ ‏خَصَفَةَ ‏بِنَخْلٍ، ‏فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏ ‏غِرَّةً؛ ‏فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ:‏ ‏غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ‏ ‏حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم ‏بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: “اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ”، فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم ‏فَقَالَ: “مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟”، قالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ، قَالَ: “أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟” قَالَ: لا، وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لاَ أُقَاتِلَكَ، وَلاَ أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ. فَخَلَّى سَبِيلَهُ. قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ”.

أعطوه سنا مثل سنه
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَغْلَظَ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً”، ثُمَّ قَالَ: “أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلاَّ أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ. فَقَالَ: “أَعْطُوهُ؛ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً”.

لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما
قال زيد بن سعنة -وكان من أحبار اليهود قبل أن يسلم-: إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حِلمًا، فكنت أتلطف له لأنْ أخالطه فأعرف حلمه وجهله.

قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب، فأتاه رجل على راحلته كالبدويِّ، فقال: يا رسول الله، قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت أخبرتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدًا، وقد أصابهم شدة وقحط من الغيث، وأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا، فإن رأيت أن تُرسِل إليهم من يُغيثهم به فعلت.

قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل جانبه أراه عمر فقال: ما بقي منه شيء يا رسول الله. قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه، فقلت له: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: “لاَ يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِن أَبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَلا أُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلانٍ”. قلت: نعم. فبايَعَنِي صلى الله عليه وسلم، فأطلقت همياني، فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، قال: فأعطاها الرجل وقال: “اعْجَلْ عَلَيْهِمْ وأَغِثْهُمْ بِهَا”.

قال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، ونفر من أصحابه، فلما صلَّى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه، ونظرت إليه بوجهٍ غليظ، ثم قلت: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب بمَطْلٍ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم.

قال: ونظرتُ إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: أيْ عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتفعل به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر قوته لضربت بسيفي هذا عنقك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكونٍ وتؤدة، ثم قال: “إِنَّا كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ يَا عُمَرُ، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَاقْضِهِ حَقَّهُ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ غَيْرِهِ مَكَانَ مَا رُعْتَهُ”.

قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني حقي، وزادني عشرين صاعًا من تمر. فقلت: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رُعْتُكَ. فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا، فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحَبْر؟ قلت: نعم، الحبر. قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت، وتفعل به ما فعلت؟ فقلت: يا عمر، كل علامات النبوة قد عرفتُها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أختبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، فقد اختبرتهما، فأُشهدك -يا عمر- أني قد رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، وأشهدك أن شطر مالي -فإني أكثرها مالاً- صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: أوْ على بعضهم؛ فإنك لا تسعهم كلهم.

قلت: أو على بعضهم. فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم”.

المصدر
موقع قصة الإسلام

كرم النبي صلى الله عليه وسلم

لا تجدوني بخيلا
عن جبير بن مطعم أنه بينما هو يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “أَعْطُونِي رِدَائِي، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لاَ تَجِدُونِي بَخِيلاً وَلاَ كَذُوبًا وَلاَ جَبَانًا”.

يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة
عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: “ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلا أعطاه. قال: فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبليْن، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة”.

أجود بالخير من الريح المرسلة
عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.

يعطي بردته لأحد أصحابه
عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي الشملة. فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها. فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه. فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه فاكسنيها. فقال: “نَعَمْ”. فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامَهُ أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجًا إليها، ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه. فقال: رجوتُ بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لعلِّي أكفَّن فيها.

سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني

عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني، ثم قال: “يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى”. قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفِّي.

لست بباخل
عن سلمان بن ربيعة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمًا، فقلت: والله يا رسول الله، لغيرُ هؤلاء كان أحق به منهم. قال “إِنَّهُمْ خَيَّرُونِي أَنْ يَسْأَلُونِي بِالْفُحْشِ أَوْ يُبَخِّلُونِي فَلَسْتُ بِبَاخِلٍ”.

المصدر
موقع قصة الإسلام

أخلاق أخرى رائعة

لم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان
عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أصحابه وقع رجل بأبي بكر فآذاه، فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه الثانية فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه الثالثة فانتصر منه أبو بكر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر أبو بكر، فقال أبو بكر: أَوَجَدْتَ عليَّ يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نَزَلَ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُكَذِّبُهُ بِمَا قَالَ لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَرْتَ وَقَعَ الشَّيْطَانُ، فَلَمْ أَكُنْ لأَجْلِسَ إِذْ وَقَعَ الشَّيْطَانُ”.

افتح له وبشره بالجنة
عن أبي موسى رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم عود يضرب به بين الماء والطين، فجاء رجل يستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ”. فذهبت فإذا أبو بكر، ففتحت له وبشرته بالجنة. ثم استفتح رجل آخر، فقال: “افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ”. فإذا عمر، ففتحت له وبشرته بالجنة. ثم استفتح رجل آخر، وكان متكأً فجلس فقال: “افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ أَوْ تَكُونُ”. فذهبت فإذا عثمان، ففتحت له وبشرته بالجنة، فأخبرته بالذي قال، قال: الله المستعان.

ارجع فصل فإنك لم تصل
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد وقال: “ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ”. فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: “ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلاَثًا” فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسنُ غيره فعلِّمني. فقال: “إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا”.

اللهم حوالينا ولا علينا
عن أنس بن مالك قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، قحط المطر، فادعُ الله أن يسقينا. فدعا فمُطِرنا، فما كدنا أن نصل إلى منازلنا فما زلنا نُمطر إلى الجمعة المقبلة. قال: فقام ذلك الرجل أو غيره، فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يصرفه عنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا”. قال: فلقد رأيت السحاب يتقطع يمينًا وشمالاً يمطرون ولا يمطر أهل المدينة.

النظافة
عن جابر بن عبد الله قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثًا قد تفرَّق شعره، فقال: “أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ”. ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة، فقال: “أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ”.

فإذا عيناه تذرفان
عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: “اقْرَأْ عَلَيَّ”. قلت: يا رسول الله، آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: “نَعَمْ”. فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قَالَ: “حَسْبُكَ الآنَ”. فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان.

المصدر
موقع قصة الإسلام

اقرأ .. أول ما نزل من القرآن الكريم

دخل جبريل عليه السلام في غار حراء، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقْرَأْ”. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5].

وقفة مع الآيات الخمس الأولى التي نزلت
الحق أننا ينبغي أن نقف وقفة مع الآيات الخمس الأولى التي نزلت، وخاصة مع الكلمة الأولى التي نزلت من هذه الآيات الخمس على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث جاءت الآيات تحثُّ على موضوع واحد؛ وهو موضوع العلم، وتختار وسيلة واحدة من وسائل التعلُّم وهي القراءة؛ لتُصبح هي البداية لهذا المنهج الرباني العظيم.

إن القرآن الكريم يزيد عن 77 ألف كلمة، ومن بين كل هذا الكمِّ من الكلمات، كانت كلمة: “اقرأ”. هي الأولى في النزول، كما أن في القرآن الكريم آلافًا من الأوامر مثل: {أَقِمِ الصَّلاَةَ} [هود: 114]، ومثل: {آتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، ومثل: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} [البقرة: 218]، ومثل: {وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: 17]، ومثل: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 254].

من بين كل هذه الأوامر نزل الأمر الأول: “اقرأ”، مع الأخذ في الاعتبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب، وقد تحلَّى بآلاف الفضائل والأخلاق الحميدة، وكان من الممكن أن يتحدَّث القرآن الكريم في أولى آياته عن أحد هذه الأخلاق العظيمة؛ لكن يبدو أن الإشارة واضحة من أن مفتاح بناء هذه الأُمَّة، وأول الطريق الصحيح هو “العلم”، وإحدى أهم وسائل التعلُّم كما أشار ربُّنا عز وجل هي القراءة، وبالتالي كرَّر الأمر بالقراءة في الآيات الخمس الأولى مرتين.

وذكر كلمة العلم بمشتقاتها ثلاث مرات، وذكر القلم وهو وسيلة من وسائل الكتابة مرَّة، كل ذلك في خمس آيات؛ مما يدلُّ على أهمية العلم والقراءة في حياة أُمَّة الإسلام، ولَفْت النظر إليه كان ضرورةً؛ ليعلم المسلمون كيف يبدءون بناء أمتهم بعد ذلك، كما لفتت الآيات النظر إلى أن القراءة المطلوبة هي قراءة بسم الله عز وجل.

ومعنى هذا أنها قراءة تُرضي الله ولا تغضبه، فهي ليست قراءة منحرفة، وليست قراءة تافهة أو ضالَّة أو مُضِلَّة؛ إنما هي قراءة كما أمر الله عز وجل باسمه تعالى، وعلى الطريقة التي علَّم بها الله عز وجل عباده المؤمنين.

كذلك الآيات تتحدَّث عن صفة من صفات الله عز وجل لم يَدَّع أحد من المشركين أن هذه الصفة منسوبة لأحد الآلهة التي يعبدونها من دون الله، وهي صفة الخلق؛ حيث قال الله عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]؛ وهذا لكي ينتفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي نوع من الالتباس في الذي رآه.

رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ زمن وهو يبحث عن خالق هذا الكون، وخالق الناس، وكيف يمكن أن يعبده، فيلفت الله عز وجل نظره إلى أن جبريل الذي جاءه بهذه الآيات يتحدَّث عن الإله الذي خلقه وخلق السماوات والأرض، وخلق كل شيء؛ ومن ثَمَّ يأخذ انتباه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعل وعيه يُدرك أنه في موقف حقيقي، وليس في وهم أو خيال.

المصدر
موقع قصة الإسلام

جبريل في غار حراء منامًا ويقظة

جبريل في منام رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرة الأولى
من رواية ابن إسحاق يتضح لنا أن جبريل جاء للرسول صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى كرؤيا في حال النوم، فقد قال صلى الله عليه وسلم نصًّا: “فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ وَأَنَا نَائِمٌ بِنَمَطِ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ”. ثم في آخر الحديث قال: “فَانْصَرَفَ عَنِّي، وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي، فَكَأَنَّمَا كَتَبْتُ فِي قَلْبِي كِتَابًا.”

هذان النصَّان في داخل الرواية يُشيران بشكل واضح أن القدوم الأول لجبريل عليه السلام في الغار كان في الرؤيا، وليس في الحقيقة، وهذا قد يستغربه كثير من الناس؛ لأننا نعرف أن جبريل تكلَّم مع رسولنا صلى الله عليه وسلم في الحقيقة، ولكن واقع الأمر أن هذا سيحدث بعد ذلك.
الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ستتحقَّق بعد ذلك “كفلق الصبح”، وسيرى الموقف نفسه الذي رآه في هذه الرؤيا على وجه الحقيقة بعد ذلك بأيام، وهذا يُفسِّر لماذا جمعت عائشة رضي الله عنها في روايتها الرؤيا الصالحة مع موقف زيارة جبريل الأولى.

رؤية جبريل حقيقة بعد المنام خارج الغار
الشعور بالرهبة والخوف بعد الرؤيا التي أتته دفعاه إلى الخروج من الغار، ومحاولة العودة السريعة إلى بيته ليَسْكُن إلى زوجته خديجة رضي الله عنها؛ لكن الأزمة اشتدَّت عندما خرج من معتكفه، لأنه صلى الله عليه وسلم سمع صوتًا من السماء في هذا المكان الموحش يقول له: “يا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ”، فيقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: ” فَرَفَعْتُ رَأْسِي إلَى السَّمَاءِ أَنْظُرُ، فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ”.

هذا الوصف مهم؛ لأنه مغاير لوصف آخر سيراه رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحقًا، وهذا الذي يُفَسِّر الاختلافات بين الروايات، فهذه المرة الأولى التي رأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام، رآه في صورة رجل “يقف” في السماء. كان المنظر مرعبًا ولا شك لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يصرف نظره حتى لا يرى الأمر، فيقول عن نفسه: “فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إلَيْهِ فَمَا أَتَقَدَّمُ وَمَا أَتَأَخَّرُ وَجَعَلْتُ أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ”.

لكن عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك الأمر ليتجنَّب رؤية الرجل الواقف في السماء، إذا به يرى منظرًا أشدَّ رعبًا، وأكثر تخويفًا؛ إذ إنه رأى الرجل في كل الاتجاهات التي حوله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فَلاَ أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا (أي من السماء) إلاَّ رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ”، ثم يُكْمِل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف حالته المرتعبة فيقول: “فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا مَا أَتَقَدَّمُ أَمَامِي، وَمَا أَرْجِعُ وَرَائِي حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، فَبَلَغُوا أَعْلَى مَكَّةَ وَرَجَعُوا إلَيْهَا، وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي”.

لقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانه، وما استطاع أن يتحرَّك، ويبدو أن الموقف أخذ وقتًا طويلاً؛ لأن خديجة رضي الله عنها رأت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تأخَّر عن موعده، فأرسلت رسلها تطلبه في كل مكان؛ لكنه صلى الله عليه وسلم كان قد غادر الغار، ووقف في بطن الجبل، ولم يره الناس، فظلَّ واقفًا هذه المدَّة الطويلة، ثم بعد أن انصرف الرجل الواقف في السماء عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرعة إلى خديجة رضي الله عنها وهو في حالة من الرعب الشديد.

من المؤكد أن ذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مشغولاً في التفكُّر في هذا الحدث المهول الذي رآه منذ لحظات؛ فالرجل الواقف في السماء صرَّح أن محمدًا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرَّح بكينونته هو؛ حيث عرَّف نفسه على أنه جبريل؛ لكنه لم يُكَلِّفه بشيء، والواقع أننا لا ندري إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم على وجه اليقين أن هذا الزمان هو زمان ظهور نبي، أو أن جبريل هو الملك الذي ينزل على الأنبياء، أم لا يعلم هذه الأمور؛ فالسيرة لم تُوَضِّح هذه النقطة.

عاد صلى الله عليه وسلم وهو خائف بشدَّة من الحدث، لا يدري على وجه الحقيقة إن كان أمر الرسالة والنبوة سيتحقق كما أنبأه الرجل الواقف في السماء، أم أنها أوهام لا يدري ما تفسيرها.

وقفة تأمل مع اللحظات الأولى لتلقي الوحي
خوف الرسول صلى الله عليه وسلم في اللحظات الأولى لتلقي الوحي لا بُدَّ أن نتوقَّف معه؛ لأن هذا أمر متكرِّر عند لحظات الوحي الأولى مع بعض الأنبياء، وقد قصَّ لنا القرآن الكريم قصة اللحظات الأولى من الوحي التي مرَّ بها موسى عليه السلام، وهي اللحظات الوحيدة التي شُرحت في القرآن الكريم عن هذه الصورة.

الخوف الذي حدث مع موسى عليه السلام بسبب رؤية العصا تتحوَّل إلى حيَّة، حدث مع رسولنا صلى الله عليه وسلم بسبب الضمَّة الشديدة، التي ضمَّها إيَّاه جبريل عليه السلام في الرؤيا، ثم بعد ذلك عندما رأى جبريل عليه السلام واقفًا في السماء يخاطبه.

لعلَّ الحكمة من وراء ذلك أن يُدرك النبيُّ أن هذا الأمر حقيقة، وليس نوعًا من الخيال أو الأوهام، كما أن هذا يلفت النظر إلى بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو، وإن كان مؤيدًا بالوحي، ومتابعًا من الله عز وجل بشكل مباشر، فإنه في النهاية بشر.

وقد أمر الله عز وجل رسولنا الكريم أن يُصَرِّح بهذه الحقيقة في مواقف كثيرة من القرآن الكريم؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. وهذا كثير في القرآن الكريم بهدف إثبات بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا يُغالي الناس بعد ذلك فيه، ويرفعوه إلى مقامات أعلى من مقامات البشرية، كما فعلوا قبل ذلك مع عيسى عليه السلام.

وقد يكون هذا الخوف أيضًا لإثبات عدم تشوُّف الرسول صلى الله عليه وسلم للرسالة، أو توقُّعه إيَّاها، وهذا يُؤَكِّد صدق النبوة، وصدق الوحي، وأنه ليس من اختراع أو ابتداع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد يكون لأسباب أخرى غير التي ذكرناها؛ لكنها في النهاية حقيقة مشاهَدَة، وأمر واقع، أنه كان صلى الله عليه وسلم في حالة شديدة من الخوف عندما مرَّت به هذه الأحداث الكبيرة.

المصدر
موقع قصة الإسلام

علامات بداية نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم

الرؤيا الصادقة
قبل الوحي كانت هناك مقدمات لنزول الوحي، فكانت الرؤيا الصادقة من المقدمات التي سبقت الوحي بستة أشهر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وإن كان هذا الأمر غير مُصرِح بأمر الرسالة إلا أنه أمر لافت للنظر.

سلام الحجر عليه
ولم يكن هذا هو التمهيد الأول، بل كانت هناك مقدمات عديدة عجيبة سبقت الوحي، وقد يرى ذلك وحده، وأحيانا يراها غيره معه، ومن ذلك سلام الحجر عليه.

حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم
هذه الحادثة ثبتت في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان، وهذا أمر ثابت جدًّا وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شُق صدره وهو غلام وأخرج قلبه واستُخرجت علقة من قلبه، وقيل هذا حظ الشيطان منك، ثم غسل قلبه في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأم صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنس بن مالك يرى أثر المخيط في صدره.

كانت هذه الحادثة كإعداد وتهيئة لأهل مكة ولجزيرة العرب؛ ليستقبلوا هذا الرسول، فشاع في مكة وفي جزيرة العرب حادث شق صدر الني صلى الله عليه وسلم، وذلك ليعلموا أن هذا الإنسان وضعه مختلف عمن سبقوه، وأن هذا الرجل له وضع خاص.

قصة بدء الوحي
يروي البخاري قصة بدء الوحي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إلى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ.

عبرة وتربية محمد صلى الله عليه وسلم
نلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمراحل من التهيئة والإعداد قبل الرسالة من سلام الحجر عليه، مرورًا بشق صدره إلى غير ذلك من الإرهاصات التي حدثت معه قبل البعثة في طفولته وشبابه.

لماذا كل هذه التهيئة وكل هذا الإعداد الذي استمر أربعين سنة، قد يقال إن الله يعده لحمل الأمانة الثقيلة، ولكن أليس من الممكن أن يعده الله لحمل الأمانة في لحظة واحدة يثبت قلبه فلا يخاف ولا يتردد، ما الحكمة من وراء هذا الإعداد الطويل جدًّا؟

إن الله جل جلاله يعلمنا أمرًا مهمًّا وهو التأني في التربية، التدرج في حمل الناس على ما نريد، حتى ولو كان سيحمل الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته، فيحملها له بالتدرج. التدرج سنة من سنن الله في التغيير والإصلاح، والتربية تحتاج إلى تدرج، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى تدرج.

حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة وستون عامًا، منها أربعون عامًا إعداد للرسول ليتلقى الرسالة، وثلاث وعشرون سنة ليبلغ الرسالة، وقد يتمنى البعض أن تكون فترة النبوة أكبر لتكون الاستفادة أكبر وأكبر، لكن كل ما أراده الله منا شرعه لنا، وكل المتغيرات التي قد تحدث في حياة الناس وكل الثوابت التي لا يمكن أن يفرطوا فيها حدثت في هذه الفترة الثلاث وعشرين سنة.

ولا بد أن تعرف أنك تحتاج إلى وقت ومجهود وتربية وإعداد لتربي فردًا من الممكن أن يحمل همَّ هذه الأمة الإسلامية. ولقد تربى النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة؛ ليحمل بعد ذلك هَمّ الدعوة، فإذا كان ذلك يحدث مع النبي عليه الصلاة والسلام، فلا معنى للاستعجال في تربية الناس، لا بد من فقه هذا الدرس جيدًا وهو التأني في التربية، فبعد أربعين سنة في مكة جاء اليوم الذي سيدخل عليه جبريل عليه السلام وهو في خلوته في غار حراء.

جاء جبريل عليه السلام في هذه اللحظة العظيمة الخالدة في تاريخ الأرض، وهذا الموقف لم يحدث على وجه الأرض منذ ستمائة عام، فلقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام لن يتكرر هذا الموقف حتى يوم القيامة.

المصدر
موقع قصة الإسلام

تعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء

تحبيب الخلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم
تقول عائشة رضي الله عنها: “ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ”.
صياغة عائشة رضي الله عنها تُوحي أن تحبيب الخلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بعد الرؤيا الصادقة، التي كانت قبل البعثة بشهور ستة؛ بينما في رواية ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم كان يُجاور -أي يعتكف- في غار حراء في شهر رمضان من كل سنة، فكان يختلي في غار حراء قبل الرؤيا الصادقة، فكيف الجمع بينهما؟
غالب الأمر أنه صلى الله عليه وسلم كان بالفعل يختلي في غار حراء بنفسه شهرًا في السنة لعدَّة سنوات قبل البعثة، وليس عندنا دليل ثابت يُحَدِّد عدد هذه السنوات، ويبدو أنه كان يأخذ معه طعامًا كثيرًا يعطي منه للمساكين الذين يذهبون إليه في هذا المكان البعيد فيتصدَّق عليهم؛ ونلحظ هذا في رواية عبيد بن عمير في ابن إسحاق حين قال: “فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ ذَلِكَ الشَّهْرَ مِنْ كُلَّ سَنَةٍ يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمَسَاكِينِ”.
لكن في الشهور الستة الأخيرة حُبِّب إليه الخلاء كما تقول عائشة رضي الله عنها، وهذا يحتمل أمرين:

• الأول فهو أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم الآن مشتاقًا إلى الخلاء، محبًّا له، وكان قبل ذلك في مرحلة سابقة؛ وكأنه يدفع نفسه إليه، للتفكُّر في الله، وكيفية عبادته، أمَّا الآن في هذه المرحلة فقد صار محبًّا للخلاء، باحثًا عنه؛ ونحن في مراحلنا الإيمانية قد نمرُّ بمثل هذا، فقد نفعل عبادةً ما كالصلاة أو الصيام أو النفقة أو العمرة فقط لأن الله أمرنا بها، فهي بالنسبة إلينا كواجب يتحتَّم علينا فعله، ولكننا قد ننتقل إلى مرحلة إيمانية أخرى نشعر فيها بالحبِّ الشديد لهذه العبادة؛ حتى إننا ننتظر وقتها بفارغ الصبر، فهذا هو ما نقصده عند حديثنا عن حبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم للخلاء في المرحلتين، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الحبَّ كان مخالفًا لأعراف الناس وطبيعتهم، فلم يكن هناك مَنْ يفعل ذلك من أهل مكة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة وأنَّ المكان الذي اختاره موحش وقفر ومخيف، وقد اشتُهِر في العرب أمر الجن والشياطين؛ فكانت هذه الأماكن البعيدة أماكن مرعبة لكل أهل مكة بشكل عام، هذا بالإضافة إلى أن الباحث عن الحقيقة لا يذهب عادة إلى مثل هذه الأماكن، بل يذهب إلى أهل العلم؛ ولكن هذا لم يحدث مع رسولنا صلى الله عليه وسلم، فلم يذهب إلى ورقة بن نوفل، أو زيد بن عمرو، أو غيرهم ممن يتكلمون في أمور العبودية لله عز وجل؛ فكل هذا يُبَيِّن أنَّ رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى غار حراء ذهب ليعتكف مخالفًا بذلك طرق الناس وأعرافهم، وهذا الذي تحمله كلمة عائشة رضي الله عنها: “حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ”. أي أنَّ الله عز وجل حَبَّب إليه أمرًا لا يحبُّه الناس في المعتاد.
• الثاني فقد يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد ازداد حبًّا في الخلاء؛ حتى لم يَعُدْ يفعله في شهر رمضان فقط؛ إنما فعله عدَّة شهور من الشهور الستة السابقة للبعثة، ويُؤيد ذلك قول عائشة رضي الله عنها: “ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا”، ثم قالت: “حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ”، فمعنى هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في فترة الرؤيا الصالحة كلها -أي في كل الشهور الستة- يُكرِّر العودة إلى غار حراء للخلاء، وأن هذا استمر حتى لحظة مقابلة الملك. ويُحتمل الأمران معًا.

السؤال هنا: ماذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم في هذه الخلوة؟
تقول عائشة رضي الله عنها: “فيتحنَّث”. ثم يفسر ابن شهاب الزهري رحمه الله -على الأغلب- هذه الكلمة بقوله: وهو التعبد، وبعض العلماء ينسب هذا التفسير إلى عائشة رضي الله عنها، التحنث الذي وصفته عائشة رضي الله كان لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم أُبغض الأصنام، وأُدرك أنها ليست الطريقة السليمة للوصول إلى الله عز وجل، وظهر هذا البغض للأصنام في قصص وروايات كثيرة منها موقفه مع زيد بن حارثة رضي الله عنه، وكان هذا قبل البعثة.
عن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال: “وَكَانَ صَنَمَانِ مِنْ نُحَاسٍ يُقَالُ لَهُمَا: إِسَافُ وَنَائِلَةُ. فَطَافَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -أي بالكعبة- وَطُفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا مَرَرْتُ مَسَحْتُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “لاَ تَمَسَّهُ”. وَطُفْنَا فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لأَمَسَّنَّهُ أَنْظُرُ مَا يَقُولُ. فَمَسَحْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “لاَ تَمَسَّهُ أَلَمْ تُنْهَ؟” قَالَ: فَوَالَّذِي أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ مَا اسْتَلَمَ صَنَمًا حَتَّى أَكْرَمَهُ بِالَّذِي أَكْرَمَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ”.
كان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الغار يتفكَّر في خالق هذا الكون؛ لكنه لم يكن يعرف على وجه الحقيقة كيف يعبده، ولا على أي شريعة، ولعلَّ هذا هو أحد المعاني في قوله عز وجل: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى: 7]، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف أن الكون له خالق وله ربٌّ، لكن لم يكن يعرف على أي شريعة يعبده، وبأي طريقة يتقرَّب إليه، خاصة أن شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام الصحيحة كانت قد اندثرت في معظمها عبر السنين.
والحق أنه من العجيب أن رسولنا صلى الله عليه وسلم لم يبحث في شرائع النصرانية عند ورقة بن نوفل، ولم يبحث في عقيدة الحنيفية عند زيد بن عمرو بن نفيل، ولم يبحث في شرائع اليهود عند يهود يثرب، وبها أخواله صلى الله عليه وسلم، وكان من الممكن أن يُسافر إلى هذه البلاد ليسمع منهم، فأنا أرى أن هذا من حِفْظِ الله تعالى له؛ حتى لا يقال: إنه نقل عنهم. كما أن عقيدتهم شابها التحريف الشديد؛ ولذلك أراد الله سبحانه أن يحفظ رسوله من هذا التحريف، وأبقاه في غار حراء هذه الفترة يتفكَّر في خالق الكون دون أن يُفَكِّر في سؤال هذه الطوائف عن عقيدتها.

تفكر رسول الله في غار حراء
كان صلى الله عليه وسلم من هذا المكان في غار حراء يُشاهد الكعبة؛ ذلك البيت المقدَّس الذي يعلم -كما يعلم كل العرب- أنه بيت الله الحرام، وأن له مكانة عند الله وحرمة لا يُدانيها أي مكان آخر في الدنيا؛ ولعلَّ هذا هو السرُّ من وراء اختيار غار حراء تحديدًا؛ لأن الذي يجلس في هذا الغار -وإن كان بعيدًا عن مكة بدرجة كبيرة- يستطيع أن يرى بوضوح بيت الله الحرام من هذا المكان النائي.
ولعلَّ رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يتفكَّر أيضًا في هذا الغار في طريقة إصلاح هذا المجتمع الفاسد، الذي انتشرت فيه عادات قبيحة كثيرة؛ كان من أهمها السجود للأصنام من دون الله عز وجل، وكذلك طغت كثير من العادات القبيحة على معاملات الناس، فظهر الظلم، والجور، والإباحية، وشرب الخمور، وإهانة طوائف كثيرة من طوائف المجتمع الضعيفة.
ومع أن هذا الاختلاء كان يُريح نفس الرسول صلى الله عليه وسلم من الواقع البغيض الذي كانت تعيشه مكة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك طوال السنة؛ إنما كان يفعله في أوقات معينة، وكما تقول الروايات أنه كان يختلي بنفسه شهرًا في السنة، وهو شهر رمضان، وبعد البعثة لم يَعُدِ الرسول صلى الله عليه وسلم يختلي في غار حراء؛ ولكنه عاد إلى هذا الاختلاء بشكل مخفَّف في المدينة عندما بدأ سُنَّة الاعتكاف، وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف عشرة أيام في شهر رمضان من كل سنة، أحيانًا تكون العشرة الوسطى، وأحيانًا تكون العشرة الأخير، وأحيانًا أخرى أجلَّها إلى شوال فاعتكف عشرة أيام في شوال.

المصدر
موقع قصة الإسلام

الرؤيا الصادقة علامة أول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم

واقع الأمر أنه ليس هناك تعارض بين الروايات التي تناولت نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن السبب وراء هذا التباين هو أن الروايات في الواقع تتحدث عن أحداث مختلفة متعاقبة في الزمن، وليست عن حدث واحد، ولنُعِدْ كتابة القصة الآن مرتَّبة ترتيبًا زمنيًّا اعتمادًا على هذه الروايات الصحيحة، لنصل إلى ما حدث بالفعل، ونفهم العلاقة بين الروايتين، وعن أي شيء تتحدَّث عائشة رضي الله عنها أو عبيد بن عمير رحمه الله.

الرؤيا الصادقة
هي التي جاءت في رواية عائشة رضي الله عنها عندما بدأت الكلام بقولها:”أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ”، وفي رواية أخرى من روايات عائشة رضي الله عنها وصفت الرؤيا بالصَّادِقَة.
إذن في هذا التعبير تُوَضِّح عائشة رضي الله عنها أن بداية الوحي كانت عبارة عن الرؤيا يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه؛ فتأتي كفلق الصبح؛ أي تأتي واضحة بيِّنة، ليس فيها اختلاف البتَّة عمَّا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه فترة عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يلتقي جبريل عليه السلام في غار حراء، ومدة هذه الفترة يختلف عليها العلماء؛ وهي في الأغلب ستة أشهر، وليس هناك دليل مباشر على هذا التقدير، لكنها حسابات بُنِيَتْ على أحاديث أخرى.
تقول عائشة رضي الله عنها: “أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم”، وهي تعني في هذه الكلمة الإرهاصات “المباشرة” للوحي؛ لأنه كانت هناك إرهاصات أخرى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تُنْبِئ أن حياته ليست كحياة بقية الناس، وأن أمره فيه كثير من الغرابة غير المعتادة مع بقية البشر، وكانت هذه إرهاصات تدل على أنه سيكون في مستقبله ذا شأن.
من هذه الإرهاصات على سبيل المثال حادثة شق الصدر، وهي ثابتة بالروايات الصحيحة، وحَدَثَ وهو طفل صغير عندما كان عند مرضعته حليمة، ومنها كذلك سلام الحجر عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: “إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ”. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها: “إِنِّي أَرَى ضَوْءًا، وَأَسْمَعُ صَوْتًا، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ بِي جَنَنٌ”. قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ يَا ابْنَ عَبْدِ اللهِ. ثُمَّ أَتَتْ ورقة بن نوفل، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِنْ يَكُ صَادِقًا، فَإِنَّ هَذَا نَامُوسٌ مِثْلُ نَامُوسِ مُوسَى، فَإِنْ بُعِثَ وَأَنَا حَيُّ، فَسَأُعَزِّرُهُ، وَأَنْصُرُهُ، وَأُومِنُ بِهِ.
هذه كلها علامات تُشير إلى أن هذا الرجل سوف يلقى في مستقبله أمورًا غريبة ليست معتادة بين البشر؛ لكن ما عنته عائشة رضي الله عنها بقولها: “أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الوَحْيِ”، كان المقصود منها الدخول في عملية الوحي المباشِرة، وكون هذه الرؤيا الصالحة ملاصقةً تمامًا لبدايات نزول جبريل عليه السلام، فاعتُبرت من داخل الوحي.

العلاقة بين الرؤيا الصادقة والوحي
هناك علاقة مباشرة بين الرؤيا الصادقة والوحي؛ فكلاهما يُنبئ بالمستقبل، ويُخبر بالغيب؛ ولهذا اعتُبِرت الرؤيا الصادقة أو الصالحة في هذه الرواية من الوحي ذاته؛ بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبَّر عن الرؤيا بأنها جزء من النبوة، وهو هنا يقصد الرؤيا العامة وليست رؤيا الأنبياء فقط؛ فقال على سبيل المثال في الحديث: “أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ”، وقال كذلك: “الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ، مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ”.

مدة الرؤيا الصالحة
هذا الذي دعا العلماء لتحديد مدَّة الرؤيا الصادقة التي مرَّ بها رسولنا صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، فهو يقول: إن هذه الرؤيا هي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، ومدة البعثة النبوية كانت ثلاثًا وعشرين سنة؛ فجزء من ستة وأربعين جزءًا من هذه الفترة يساوي ستة أشهر، وهذا يعني أن بدايات الرؤيا الصالحة لرسولنا صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ربيع الأول، قبل أن يلتقي جبريل برسولنا صلى الله عليه وسلم في رمضان من السنة نفسها.

الفرق بين رؤيا الرسول ورؤيانا
ينبغي التنبيه على أن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم مختلفة عن رؤيانا في أمرين مهمَّين؛ وهما: الأمر الأول، هو أن “كلَّ” رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة، وليس فيها ما نسميه: “أضغاث الأحلام”، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه: “رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ”.
أما الأمر الثاني، فرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم كلها واضحة المقصد، أو كما عبَّرت عائشة رضي الله عنها بقولها: “مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ” فليس هناك اختلاف في تفسيرها، فهي إما وصفت حدثًا معينًا سيحدث بحذافيره، وإما ذكر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويلاً معينًا قطعيًّا لا يُحْتَمل غيره، بينما رؤيانا تحتاج إلى تفسير من عالِمٍ بأمور وتفسير الرؤى، وقد يكون تفسيرُه مصيبًا في بعض الأحوال، وقد يجانبه الصواب في أحيان أخرى.

هذه الرؤيا الصادقة التي مرَّ بها رسولنا صلى الله عليه وسلم كانت تمهيدًا له، وكذلك كانت تمهيدًا لمن حوله من الناس؛ خاصة أولئك الذين أحبُّوه، ووثق فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى حكى لهم هذه الرؤى، وعلى رأسهم بلا شك خديجة رضي الله عنها، وقد يكون حكى ذلك الأمر أيضًا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، أو زيد بن حارثة رضي الله عنه، أو غيرهما من أصحابه في ذلك الوقت.

المصدر
موقع قصة الإسلام

تذكرة بنصائح النبي صلى الله عليه وسلم


لمن يستعجل النصر قبل دفع ثمنه
• يقول صلى الله عليه وسلم لخبَّاب بن الأرتّ، حين جاء يشكو إليه ما يلقاه وإخوانَهُ من أذى قريش: “لقد كان من قبلكم تحفر له الحفرة ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق نصفين ما يصرفه ذلك عن دينه، والذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت ما يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون”.
• ويقول صلى الله عليه وسلم: “من تمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد”.

لمن نسى أخلاق الحبيب
• “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
• “إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم خلقاً”.
• “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا”.
• “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”.
• “من حُسْن إسلام المرء تَرْكُه ما لا يعنيه”.
• “الحياء شعبة من الإيمان”.
• لم يكن رسول الله فاحشًا، ولا متفحشًا، ولا صخّابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.
• ما خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تُنتَهَكَ حرمة الله تعالى فينتقم لله بها
• كان صلى الله عليه وسلم يحلب شاته، ويرفع ثوبه، ويخصف نعله، ويأكُلُ مع الخادم، ويكون في مهنة أهله.

لمن يتكاسل عن مساعدة غيره
• “أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته، فمن أبلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبَّتَ الله قدميه على الصراط يوم القيامة”
• “لا يؤمنُ أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه”
• “الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”
• “لا خير في صحبة من لا يرى لكَ ما ترى له”

لمن يجالس المنحرفين
• “المرء مع من أحب”
• “مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك، إما أن يُحْذِيك أو تجد منه رائحة طيبة، ونافخ الكير إمًّا أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة خبيثة”

لمن يستكثر عبادته
• “إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة”
• “جُعلت قرة عيني في الصلاة”
• {إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل: 20]
• “كان صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تتورم قدماه”
• “كان يصوم حتى نظنّ أنه لا يفطر”

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه أخلاقه ونصائحه وعبادته، فأين نحن منها إن كنا جادين في محبته؟!

المصدر
موقع قصة الإسلام