كان الداعي إلى الله بإذنه يجتمع بالخلية الدعوية في المقر السري “ابن الأرقم”، يرشد ويعلم على غفلة من زعماء الشرك، ومنذ أن انضم الجندي حمزة بن عبد المطلب وبعض وجهاء قريش، الذين لهم مكانة في المجتمع كعمر بن الخطاب، زادت الحركة قوة ونزل قوله تعالى: ” فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ” فاتسع نطاق الدعوة من المجال الخاص إلى المجال العام، وحققت انتشارا وتغلغلت في كل القبائل تقريبا.

كانت التعددية القبائلية مقدمة مباركة لانتشار الإسلام، وإشارة صريحة لعموم الرسالة وعالميتها، وترجمة صحيحة لطموحاتها الإنسانية، وعامل حماية للدعوة من آفة التعصب القبلي، والانتساب للأرض أو العرق في مقابل الانتساب للدين والأمة. قال العمري: و”لقد انتشر الإسلام في المرحلة المكية في سائر فروع قريش بصورة متوازنة”.

لتنقلب الأخوة الإيمانية على العصبية القبلية ، وتحل الروابط الإيمانية محل الدموية. في إطار سياسة الاستقطاب الدعوي، “عمل النبي ما في وسعه من أجل توسيع نطاق قاعدة الدعوة، لتشمل كل أو معظم الجهات والفئات، ليشكل بذلك النواة الأولى لمشروع الأمة، البديل عن مشروع القبلية”.

وهذه صورة عن التركيبة القبلية الأولى لرجال الدعوة في بداية الاستقطاب: فأبو بكر الصديق قرشي تيمي، وعمر بن الخطاب قرشي عدوي، وعثمان بن عفان قرشي أموي، وعلي بن أبي طالب قرشي هاشمي، والزبير بن العوام قرشي أسدي، وعبد الرحمن بن عوف قرشي زهري، وعثمان بن مظعون قرشي جمحي، وابن أم مكتوم قرشي عامري، وعبد الله بن حذافة قرشي سهمي، والمهاجر بن أبي أمية أخو أم سلمة زوج النبي قرشي مخزومي، والأرقم بن أبي الأرقم بن أسد بن عبد الله بن عمر مخزومي، ومحمد بن أبي حذيفة قرشي عبشمي، ومعمر بن أبي سرح قرشي فهري، ومصعب بن عمير بن هاشم قرشي عبدري.

وعدد من المسلمين في هذه المرحلة لم يكونوا من عشائر قريش، بل كانوا من المستضعفين، أو من الموالي الذين لا منعة لهم ولا قوة. بمعنى أنهم لم يكونوا من العائلات الكبيرة الشريفة، فعبد الله بن مسعود هذلي مضري، من هذيل حليف بني زهرة، وعمار بن ياسر من حلفاء بني مخزوم، وكان من المستضعفين الذين يعذبون بمكة ليرجع عن دينه، ومسعود بن الربيع أعرابي وهو أحد حلفاء بني زهرة.

ومحمد بن مسلمة الأنصاري، حليف لبني الأشهل، وعبد الله بن جحش من حلفاء بني أمية، وصهيب الرومي عربي عراقي نمري من بني النمر بن قاسط، هرب من الروم فأتى مكة فحالف ابن جدعان؛ وكان من متقدمي الإسلام المعذبين في الله، واقد بن عبد الله بن عبد مناف تميمي حليف بني عدي وزيد بن حارثة كلبي، ومولى رسول الله، والطفيل بن عمرو دوسي من قبيلة دوس، وأبو ذر الغفاري، من بني غفار، أسلم قديماً، ويقال كان خامس من دخل في الإسلام، ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم إلى أن قدم المدينة بعد الخندق، وخباب بن الأرت كان أبوه سوادياً من كسكر، فسباه قوم من ربيعة وحملوه إلى مكة فباعوه، سباع بن عبد العزى الخزاعي، حليف بني زهرة، وعامر بن فهيرة مولى الطفيل بن عبد الله الأزدي، وكان الطفيل أخ عائشة لأمها أم رومان، أسلم قديماً قبل دخول رسول الله دار الأرقم، وكان من المستضعفين يعذب في الله، فلم يرجع عن دينه، واشتراه أبو بكر وأعتقه.
ولم يقتصر هذا التنوع على مكة بل تأكد في المدينة حين أشرف مصعب بن عمير على الدعوة، فاخترق بسياسة الاستقطاب كل القبائل تقريباً. وكذلك تم استقطاب العنصر النسوي لأهميته في تبليغ الدعوة للإناث (خاصة) ولغيرهن، فتاريخ الحركات الإصلاحية أثبت كفاءة المرأة في تبليغ الدعوة.

غالبية المنخرطات في التنظيم الدعوي الجديد انضممن عن طريق أزواجهن أو أحد أقاربهن، كما هو حال فاطمة بنت الخطاب، التي دعاها زوجها إلى الخلية فأجابت. وسمية أم عمار التي دعاها عمار ابنها فانخرطت في العمل، وبذلك فهن بالضرورة يمثلن مختلف البطون.
لقد صار هؤلاء الصحابة الأخيار دعاة إلى الله بإذن من رسول الله، كل يدعو حسب طاقته ومنهجه وأسلوبه في التأثير العقلي والوجداني. قال ابن الجوزي “كان أبو بكر يدعو ناحية سرّاً، وكان سعيد بن زيد، مثل ذلك، وكان عثمان مثل ذلك، وكان عمر بن الخطاب يدعو علانية، وحمزة بن عبد المطلب وأبو عبيدة بن الجراح، مما أغضب زعماء قريش وظهر منهم لرسول الله الحسدُ والبغي”.

لقد كان واضحا منذ الوهلة الأولى أن الإسلام ليس خاصا بمكة وقريش، وقد كان منتظراً كذلك أن تخرج الدعوة إلى العلن في يوم ما لتواجه المشركين بشجاعة وحكمة، ولتكسر الطوق وتشق الأصقاع وتصل إلى الناس جميعا، لكن السؤال الملح على كل لبيب يدرك كنه الدعوة، وجاذبيتها المغناطيسية للفقراء والأغنياء.

المصدر
موقع التاريخ

اترك تعليقاً