لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة انطلاقة جديدة لبناء دولة الإسلام، وإعزازاً لدين الله تعالى، وفاتحة خير ونصر وبركة على الإسلام والمسلمين. لذا فإن دروس الهجرة الشريفة لا تنتهي ولا ينقطع مداها، ومنها:

دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة
دور المرأة المؤمنة في تحمل أعباء الدعوة كبير وعظيم، فقد كانت خديجة رضي الله عنها الملجأ الدافئ الذي يخفف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينما نزل عليه الوحي في غار حراء وجاءها يرتجف ويقول زملوني زملوني, ولما ذهب عنه الرَّوْع. قال لخديجة: “قد خشيت علي؟”. فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدُق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
ويتجلى دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة من خلال الدور الذي قامت به عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما حيث كانتا نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة؛ فلم يخذلا أباهما أبا بكر مع علمهما بخطر المغامرة، ولم يفشيا سرّ الرحلة لأحد، ولم يتوانيا في تجهيز الراحلة تجهيزاً كاملاً، إلى غير ذلك مما قامتا به.
وهناك نساء أخريات كان لهن دور بارز في التمهيد لهذه الهجرة المباركة, منهن: نسيبة بنت كعب المازنية، وأم منيع أسماء بنت عمرو السلمية.

الصداقة الحقيقية مبادئ ومواقف
كان من فضل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل أفئدة من الناس تهوي إليه، وترى فيه المصحوب المربي والمعلم، والصديق؛ مما جعل سادة قريش يسارعون إلى كلماته ودينه مثل أبو بكر، وطلحة، والزبير، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، متخلين بهذه المسارعة المؤمنة عن كل ما كان يحيطهم به قومهم من مجد وجاه، متقبلين في نفس الوقت حياة تمور مورًا شديدًا بالأعباء والصعاب والصراع.
ولقد توفرت في أبي بكر خصال عظيمة جعلته خير ناقل لأثر الصحبة، كان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر فحسن مجالسته هذا كان سببا في إسلام السابقين فجاء بهم إلى المصحوب الأعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وصلوا. فالصحبة الصالحة لها أثرها البالغ في ثبوت الإيمان في القلوب.
وحينما عاد أبو بكر من رحلة التجارة وأبلغه القوم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه يوحى إليه فأجابهم إن قال فقد صدق فما أن حط عنه عناء السفر، حتى أقبل إلى النبي عليه الصلاة والسلام متأكدا من ذلك، فما أن سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حتى فاضت عيناه وقبل صاحبه الذي ما تردد في النطق بأعظم كلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.
وحينما أذن الله تعالى لرسوله بالهجرة، اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون رفيقه في هجرته، وظلا ثلاثة أيام في غار ثور، وحينما وقف المشركون أمام الغار، حزن أبو بكر وخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلي قدميه، لأبصرنا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما”
وهذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر فرحاً بصحبته صلى الله عليه وسلم.إن هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر كل ماله ليؤثر به الحبيب صلى الله عليه وسلم على أهله ونفسه. عن أنس رضي الله عنه قال رسول صلى اللّه عليه وسلم لحسان بن ثابت: “هل قلت في أبي بكر شيئاً؟”، فقال: نعم. فقال: “قل وأنا أسمع”. فقال:

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ***** طاف العدوّ به إذ صعَّد الجبلا
و كـان حِـبِّ رسـول اللّه قـد عـلـمـوا ***** من البرية لم يعدل به رجلاً

فضحك رسول اللّه حتى بدت نواجذه، ثم قال: “صدقت يا حسان هو كما قلت”. فقد كان الصديق رضي الله عنه مثلًا رائعًا في أن الصداقة مبادئ ومواقف، وليست شعارات وأقوال.

لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة انطلاقة جديدة لبناء دولة الإسلام، وإعزازاً لدين الله تعالى، وفاتحة خير ونصر وبركة على الإسلام والمسلمين.

المصدر
موقع التاريخ

اترك تعليقاً