كانت حالة العرب قبل الإسلام حالة مزرية في جميع جوانبها، فقد لاقت الأفكار والعقائد الضّالة بظلالها القاتمة على حياة النّاس؛ حيث تنكّب الكثير الصّراط المستقيم فابتدعوا أفكارًا وسلوكيّات ما أنزل الله بها من سلطان، وقد عكست مظاهر حياتهم حالة التّردي الأخلاقيّ، والفكريّ، والعقدي الذي وصلوا إليه.
من الناحية العقديّة
من النّاحية العقديّة ضلّت قبائل العرب عن دين التّوحيد فابتدعت أصنامًا تعبّدها من دون الله تعالى، وقد كان مذهب العرب قبل الإسلام يقوم على عبادة هذه الأصنام بزعم أنّها تقرّبهم إلى الله وتشفع لهم عنده، وعندما دخل المسلمون مكّة المكرّمة وجدوا حول الكعبة ما يقارب من ثلاثمئة صنم مثّلت الفترة السّوداء في حياة العرب العقديّة قبل الإسلام، ولم تعرف جزيرة العرب إلاّ قلّة من النّاس الذين كانوا على دين المسيح عليه السّلام أو على دين الحنيفيّة السّمحاء، كما انسحب الضّلال العقدي على سلوكيّات كثيرة في حياة العرب فقد علّق بعضهم التّمائم اعتقادا منهم أنّها تدفع عنهم الشّرّ والحسد، كما تعاملوا بالأزلام والطّيرة وغير ذلك من الأفعال الشركيّة وعظّموا أمر العرّاف والكهانة؛ حيث كانوا يُعظّمون أصحابها ظنًّا منهم أنّهم يعلمون الغيب، كما كانوا يلوذون بالجنّ ويحسبون لهم ألف حساب إذا هبطوا واديًا؛ حيث كان يقول قائلهم نعوذ بسيّد هذا الوادي وفي ذلك نزل قوله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا ) [الجنّ:6] .
من الناحية الأخلاقيّة
أمّا من ناحية الأخلاق فقد عرف العرب قبل الإسلام بعض الأخلاقيّات والفضائل كالكرم، والجود، والنّخوة العربيّة، فقد اشتهر عن كثيرٍ من العرب إكرام الضّيف والإحسان إليه، كما اشتهر عنهم إكرام الوافدين إلى بيت الله الحرام، وقد كانت الزّعامة على الرّفادة والسّقاية للحجّاج محل نزاعٍ بينهم وتنافس لما فيها من السّمعة الطّيبة، والشّرف العظيم، ومع ذلك فقد عرف العرب كثيراً من الأفعال المشينة، والأخلاق الذّميمة، فقد أباح العرب الزّنا؛ حيث كانت للزّانيات بيوتٌ خاصّة براياتٍ يعرفن بها، كما عظّم العرب أصحاب الجاه والمال على حساب الفقراء والضّعفاء الذين كان يستعبدوا ولا يأبه لهم، كما أهان العرب المرأة فحرموها من ميراثها وعاملوها معاملة المتاع، كما كان عددٌ منهم يشعرون بالعار؛ إذا رُزِق أحدهم مولوداً أنثى فيسودّ وجهه وربّما وارى هذا المولود البريء في التّراب .
من النّاحية الفكريّة والأدبيّة
أمّا من النّاحية الفكريّة والأدبيّة فقد اشتهر العرب بالبلاغة والأدب وفصاحة اللّسان، واشتهر عنهم عقدهم لمجالس الشعر وأسواقها فالمعلّقات السّبع وأسواق عكاظ وذي المجنّة إلاّ مثالاً على ذلك، وقد جاء الإسلام ليهذّب أخلاقهم ويطهّر ألسنتهم من الكلام البذيء والفحش والتّفحش .