العلاّمة محمد بن صالح العثيمين

نسبه ومولده
هو صاحب الفضيلة الشيخ العالم المحقق, الفقيه المفسّر, الورع الزاهد، محمد ابن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن آل عثيمين من الوهبة من بني تميم.
ولد في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1347هـ في عنيزة – إحدى مدن القصيم – في المملكة العربية السعودية.

نشأته العلمية
ألحقه والده – رحمه الله تعالى – ليتعلم القرآن الكريم عند جدّه من جهة أمه المعلِّم عبد الرحمن بن سليمان الدامغ – رحمه الله -, ثمَّ تعلَّم الكتابة, وشيئًا من الحساب, والنصوص الأدبية في مدرسة الأستاذ عبدالعزيز بن صالح الدامغ – حفظه الله -, وذلك قبل أن يلتحق بمدرسة المعلِّم علي بن عبد الله الشحيتان – رحمه الله – حيث حفظ القرآن الكريم عنده عن ظهر قلب ولمّا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره بعد.

وبتوجيه من والده – رحمه الله – أقبل على طلب العلم الشرعي، وكان فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – يدرِّس العلوم الشرعية والعربية في الجامع الكبير بعنيزة, وقد رتَّب اثنين من طلبته الكبار؛ لتدريس المبتدئين من الطلبة, فانضم الشيخ إلى حلقة الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع ـ رحمه الله ـ حتى أدرك من العلم في التوحيد, والفقه, والنحو ما أدرك.

ولقد انتفع – خلال السنتين اللّتين انتظم فيهما في معهد الرياض العلمي – بالعلماء الذين كانوا يدرِّسون فيه حينذاك ومنهم: العلامة المفسِّر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي, والشيخ الفقيه عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد, والشيخ المحدِّث عبد الرحمن الإفريقي – رحمهم الله تعالى-.
وفي أثناء ذلك اتصل بسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله -, فقرأ عليه في المسجد من صحيح البخاري ومن رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية, وانتفع به في علم الحديث والنظر في آراء فقهاء المذاهب والمقارنة بينها, ويُعدُّ سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – هو شيخه الثاني في التحصيل والتأثُّر به.

ثم عاد إلى عنيزة عام 1374هـ وصار يَدرُسُ على شيخه العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي, ويتابع دراسته انتسابًا في كلية الشريعة, التي أصبحت جزءًا من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة, حتى نال الشهادة العالية.

تدريسه
توسَّم فيه شيخه النّجابة وسرعة التحصيل العلمي فشجّعه على التدريس وهو ما زال طالبًا في حلقته, فبدأ التدريس عام 1370هـ في الجامع الكبير بعنيزة. ولمّا تخرَّج من المعهد العلمي في الرياض عُيِّن مدرِّسًا في المعهد العلمي بعنيزة عام 1374هـ.

ولما كثر الطلبة, وصارت المكتبة لا تكفيهم؛ بدأ فضيلة الشيخ – رحمه الله – يدرِّس في المسجد الجامع نفسه, واجتمع إليه الطلاب وتوافدوا من المملكة وغيرها حتى كانوا يبلغون المئات في بعض الدروس, وهؤلاء يدرسون دراسة تحصيل جاد, لا لمجرد الاستماع, وبقي على ذلك, إمامًا وخطيبًا ومدرسًا, حتى وفاته – رحمه الله تعالى -.

بقي الشيخ مدرِّسًا في المعهد العلمي من عام 1374هـ إلى عام 1398هـ عندما انتقل إلى التدريس في كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, وظل أستاذًا فيها حتى وفاته- رحمه الله تعالى -.

وكان يدرِّس في المسجد الحرام والمسجد النبوي في مواسم الحج ورمضان والإجازات الصيفية منذ عام 1402هـ , حتى وفاته – رحمه الله تعالى-.

وللشيخ – رحمه الله – أسلوب تعليمي فريد في جودته ونجاحه, فهو يناقش طلابه ويتقبل أسئلتهم, ويُلقي الدروس والمحاضرات بهمَّة عالية ونفسٍ مطمئنة واثقة, مبتهجًا بنشره للعلم وتقريبه إلى الناس.

آثاره العلمية
ظهرت جهوده العظيمة – رحمه الله تعالى – خلال أكثر من خمسين عامًا من العطاء والبذل في نشر العلم والتدريس والوعظ والإرشاد والتوجيه وإلقاء المحاضرات والدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى -. ولقد اهتم بالتأليف وتحرير الفتاوى والأجوبة التي تميَّزت بالتأصيل العلمي الرصين, وصدرت له العشرات من الكتب والرسائل والمحاضرات والفتاوى والخطب واللقاءات والمقالات, كما صدر له آلاف الساعات الصوتية التي سجلت محاضراته وخطبه ولقاءاته وبرامجه الإذاعية ودروسه العلمية في تفسير القرآن الكريم والشروحات المتميزة للحديث الشريف والسيرة النبوية والمتون والمنظومات في العلوم الشرعية والنحوية.

وللشيخ – رحمه الله – أعمال عديدة في ميادين الخير وأبواب البرّ ومجالات الإحسان إلى الناس, والسعي في حوائجهم وكتابة الوثائق والعقود بينهم, وإسداء النصيحة لهم بصدق وإخلاص.
وفاتـه

تُوفي – رحمه الله – في مدينة جدّة قبيل مغرب يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال عام 1421هـ, وصُلِّي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة عصر يوم الخميس, ثم شيّعته تلك الآلاف من المصلّين والحشود العظيمة في مشاهد مؤثرة, ودفن في مكة المكرمة.
وبعد صلاة الجمعة من اليوم التالي صُلِّي عليه صلاة الغائب في جميع مدن المملكة العربية السعودية.

رحم الله شيخنا رحمة الأبرار, وأسكنه فسيح جناته, ومَنَّ عليه بمغفرته ورضوانه, وجزاه عما قدّم للإسلام والمسلمين خيرًا.

المصدر
موقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين

فضيلة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله آل باز – رحمه الله تعالى

مولده
ولد في ذي الحجة سنة 1335 هـ بمدينة الرياض, وكان بصيرا, ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346 هـ وضعف بصره, ثم فقده عام 1355 هـ.

طلبه للعلم
حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ, ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض, ولما برز في العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1357 هـ, ولم ينقطع عن طلب العلم حتى اليوم, حيث لازم البحث والتدريس ليل نهار, ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخا في كثير من العلوم, وقد عني عناية خاصة بالحديث وعلومه حتى أصبح حكمه على الحديث من حيث الصحة والضعف محل اعتبار, وهي درجة قل أن يبلغها أحد, خاصة في هذا العصر, وظهر أثر ذلك على كتاباته وفتواه حيث كان يتخير من الأقوال ما يسنده الدليل.

آثاره
منذ تولى القضاء في مدينة الخرج عام 1357 هـ وهو ملازم للتدريس في حلقات منتظمة, ففي الخرج كانت حلقاته مستمرة أيام الأسبوع عدا يومي الثلاثاء والجمعة, ولديه طلاب متفرغون لطلب العلم.

في عام 1372 هـ انتقل إلى الرياض للتدريس في معهد الرياض العلمي, ثم في كلية الشريعة بعد إنشائها سنة 1373 هـ في علوم الفقه والحديث والتوحيد, إلى أن نقل نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1381 هـ, وقد أسس حلقة التدريس في الجامع الكبير بالرياض منذ انتقل إليها, ولا زالت هذه الحلقة مستمرة إلى يومنا هذا, وإن كانت في السنوات الأخيرة اقتصرت على بعض أيام الأسبوع بسبب كثرة الأعمال, ولازمها كثير من طلبة العلم, وأثناء وجوده بالمدينة المنورة من عام 1381 هـ نائبا لرئيس الجامعة ورئيسا لها من عام 1390 هـ إلى 1395 هـ عقد حلقة للتدريس في المسجد النبوي, ومن الملاحظ أنه إذا انتقل إلى غير مقر إقامته استمرت إقامة الحلقة في المكان الذي ينتقل إليه مثل الطائف أيام الصيف, وقد نفع الله بهذه الحلقات.

مؤلفاته
• مجموع فتاوى ومقالات متنوعة, صدر منه الآن ثلاثة أجزاء وقت تحرير هذه النبذة.
• الفوائد الجلية في المباحث الفرضية.
• التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة (توضيح المناسك).
• التحذير من البدع, ويشتمل على أربع مقالات مفيدة: (حكم الاحتفال بالمولد النبوي, وليلة الإسراء والمعارج, وليلة النصف من شعبان, وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى: الشيخ أحمد).
• رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام.
• العقيدة الصحيحة وما يضادها.
• وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها.
• الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة.
• وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه.
• حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار.
• نقد القومية العربية.
• الجواب المفيد في حكم التصوير.
• الشيخ محمد بن عبد الوهاب, دعوته وسيرته.
• ثلاث رسائل في الصلاة: كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وجوب أداء الصلاة في جماعة، أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع؟
• حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن أو في رسول الله صلى الله عليه وسلم .
• حاشية مفيدة على فتح الباري, وصل فيها إلى كتاب الحج.
• رسالة الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب.
• إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين.
• الجهاد في سبيل الله.
• الدروس المهمة لعامة الأمة.
• فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة.
• وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة.
• تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة من الأدعية والأذكار.

ولم يقتصر نشاطه على ما ذكر فقد كان يلقي المحاضرات ويحضر الندوات العلمية ويعلق عليها ويعمر المجالس الخاصة والعامة التي يحضرها بالقراءة والتعليق بالإضافة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح صفة ملازمة له. نفعنا الله بعلمه ووفقه لمزيد العلم النافع والعمل الصالح.

المصدر
موقع صيد الفوائد

عمرو بن العاص – رضي الله عنه

كان عمـرو بن العاص أحد ثلاثة في قريش أتعبوا الرسـول -صلى الله عليه وسلم- بعنف مقاومتهم وإيذائهم لأصحابه، وراح الرسول يدعو عليهم ويبتهل لينزل العقاب بهم فنزل الوحي بقوله تعالى: ” لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ مِنْ شيء أوْ يتوبَ عليهم أو يُعَذِّبهم فإنهم ظالمون ” وكـف الرسول الكريم عن الدعاء عليهم وترك أمرهـم الى الله، واختار اللـه لعمرو بن العاص طريق التوبة والرحمة، فأسلم وأصبح مسلم مناضل وقائد فذ.

إسلامه
أسلم عمرو بن العاص -رضي الله عنه- مع (خالد بن الوليد) قُبيل فتح مكة بقليل {شهر صفر سنة ثمان للهجرة} وبدأ إسلامه على يد النجاشي بالحبشة ففي زيارته الأخيرة للحبشة جاء ذكر النبي الجديد ودعوته وما يدعو له من مكارم الأخلاق، وسأل النجاشي عمرا كيف لم يؤمن به ويتبعه وهو رسول الله حقاً، فسأل عمرو النجاشي: {أهو كذلك ؟}، وأجابه النجاشي: {نعم، فأطِعْني يا عمرو واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، ولَيَظْهرنّ على من خالفه}.
وركب عمرو من فوره عائدا لبلاده ومتجها الى المدينة ليسلم لله رب العالمين، وفي طريق المدينة التقى {خالد بن الوليد} الساعي الى الرسول ليعلن إسلامه أيضا، وما كاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يراهم حتى تهلل وجهه و قال لأصحابه: {لقد رَمَتْكم مكة بفَلَذات أكبادها}.

وتقدم خالد فبايع، وتقدم عمرو فقال: {إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي}. فأجابه الرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم-: {يا عمرو بايع. فإن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله}. وبايع عمرو ووضع كل ما يملك في خدمة الدين الجديد.

مُحَرِّر مِصْر
كانت مصر من أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية، وقد استغل الروم ثرواتها وحرموا منها السكان واستباحوا أهلها حتى أصبح الناس في ضيق لأن الروم فرضوا عليهم مذهبهم الديني قسرا، فلما بلغ المصريون أنباء الفتوحات الإسلامية وعدالة المسلمين وسماحتهم تطلعت أنظارهم إليهم لتخليصهم مما هم فيه،واتجه عمرو بن العاص سنة (18 هجري) على رأس جيش من أربعة آلاف مقاتل متجها الى مصر، وأمام شدة المقاومة طلب عمرو المدد من أمير المؤمنين فأرسل إليه أربعة آلاف جندي وتقدّم المسلمون وحاصروا حصن بابليون لمدة سبعة أشهر وتمكنوا من فتحه.
ثم اتجهوا الى الإسكندرية فوجدوا مقاومة من حاميتها فامتد حصارها الى أربعة أشهر وأخيرا فتحت الإسكندرية وعقدت معاهدة الإسكندرية، ولقد كان -رضي الله عنه- حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة، ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان.

حُبِّ الإمارة
مما امتاز به عمرو بن العاص حُبّه للإمارة، فشكله الخارجي ومشيته وحديثه كلها تدل على أنه خُلِق للإمارة، حتى أن في أحد الأيام رآه أمير المؤمنين عمر وهو مقبل فابتسم لِمَشْيَته وقال: {ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا}.

والحق أن عمرو لم يُبْخِس نفسه هذا الحق، فمع كل الأحداث الخطرة التي اجتاحت المسلمين، كان عمرو يتعامل معها بأسلوب أمير معه من الذكاء والدهاء ما يجعله واثقا بنفسه مُعْتَزا بتفوقه، وقد أولاه عمر بن الخطاب ولاية فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين، وعندما علم ابن الخطاب أن عمراً قد اجتاز حد الرخاء في معيشته أرسل إليه (محمد بن مَسْلمة) وأمره أن يقاسم عمراً جميع أمواله وأشيائه، فيبقى له نصفها ويحمل معه الى بيت مال المسلمين بالمدينة النصف الآخر، ولو علم أمير المؤمنين عمر أن حب عمرو للإمارة سيحمله على التفريط في مسئولياته لما أبقاه في الولاية لحظة واحدة.

وفاته
في السنة الثالثة والأربعين من الهجرة، أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر حيث كان واليا عليها، وراح يستعرض في لحظات الرحيل حياته فقال: {كنت أول أمري كافرا، وكنت أشد الناس على رسول الله، فلو مِتّ يومئذ لوجَبَت لي النار، ثم بايعت رسول الله، فما كان في الناس أحد أحبّ إلي منه، ولا أجلّ في عيني منه، ولو سُئِلْتُ أن أنْعَتَه ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له، فلو مِتّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم بُليت بعد ذلك بالسلطان، وبأشياء لا أدري أهي لي أم عليّ}.

المصدر
موقع شبكة منهاج السنة

مصعب بن عمير – رضي الله عنه

مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي، وكان من أعطر أهل مكة، وكانت له ملابس خاصة لا يشابه أحداً غيره. وقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما رأيت بمكة أحسن لِمة ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير”.

إسلامه
أسلم خفية في دار الأرقم ومكث زمناً طويلاً لم يعلم بإسلامه أحد حتى بصر به عثمان بن طلحة فأخبر أمه فحبسته فاحتال عليها وخرج مهاجرا إلى الحبشة، ثم عاد ورجع إلى أمه فأرادت حبسه فحلف ليقتلن كل من تستعين به على حبسه فتركته وهي تتحدر منها دمعات على ابنها ثم دعاها إلى الإسلام فأعرضت عنه، ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة معلماً ومقرئً لهم حتى هاجر إليها عليه الصلاة والسلام.

ممن أسلم على يديه
أسلم على يديه من أسياد المدينة سعد بن معاذ، أسيد بن حضير.

الغزوات التي شارك فيها
شارك رضي الله عنه في غزوة بدر، وغزوة أحد وكان حامل اللواء فيها وقتل فيها، وقاتله ابن قمئة الليثي وهو يظن أنه قتل النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمره أربعين سنة.

مما قيل فيه
روي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه كان صائماً وأُتي بطعام فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم بكى حتى ترك الطعام” (رواه البخاري).

عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله ومنا من مضى أو ذهب لم يأكل من أجره شيئاً، كان منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه قتل يوم أحد لم يترك إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطي بها رجلاه خرج رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :”غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله الأذخر” (رواه البخاري).

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا قوماً يصيبنا ظلف (خشونة) العيش بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصابنا البلاء اعترفنا ومررنا عليه فصبرنا، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة وأجوده حُلة مع أبويه ثم لقد رأيته جُهد في الإسلام جهداً شديداً حتى لقد رأيت جلده يتحشف (يتقلص)كما يتحشف جلد الحية.

قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لما رآه قد لبس ثوباً مرقعاً: “ما رأيت بمكة أحسن لِمة ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير”.

المصدر
طريق الإيمان

أبو هريرة – رضى الله عنه

كان اسمه في الجاهلية عبد شمس، ولما أسلم سماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عبد الرحمن، ولقد كان عطوفا على الحيوان، وكانت له هرة، يرعاها ويطعمها وينظفها وتلازمه فدعي أبا هريرة.

نشأته وإسلامه
قدم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة سبع للهجرة وهو بخيبر وأسلم، ومنذ رأى الرسول الكريم لم يفارقه لحظة، وأصبح من العابدين الأوابين، يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله، فيقوم هو ثلثه، وتقوم زوجته ثلثه، وتقوم ابنته ثلثه، وهكذا لا تمر من الليل ساعة إلا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة.

إمارته للبحرين
عاش -رضي الله عنه- عابدا ومجاهدا، لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة، وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- ولاه إمارة البحرين، وكان عمر -رضي الله عنه- إذا ولى أحدا الخلافة راقب ماله، فإذا زاد ثراءه ساءله عنه وحاسبه، وهذا ما حدث مع أبي هريرة، فقد ادخر مالا حلالا له، وعلم عمر بذلك فأرسل في طلبه، يقول أبو هريرة: “قال لي عمر يا عدو الله، وعدو كتابه، أسرقت مال الله؟، قلت: ما أنا بعدو لله ولا عدو لكتابه لكني عدو من عاداهما، ولا أنا من يسرق مال الله. قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة ألاف؟، قلت: خيل لي تناسلت، وعطايا تلاحقت. قال عمر: فادفعها إلى بيت مال المسلمين، ودفع أبو هريرة المال إلى عمر ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اغفر لأمير المؤمنين. وبعد حين دعا عمر أبا هريرة، وعرض عليه الولاية من جديد، فأباها واعتذر عنها، وعندما سأله عمر عن السبب قال: حتى لا يشتم عرضي، ويؤخذ مالي، ويضرب ظهري. ثم قال: وأخاف أن أقضي بغير علم، وأقول بغير حلم”.

سرعة الحفظ وقوة الذاكرة
إن أبطال الحروب من الصحابة كثيرون، والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون، ولكن كان هناك قلة من الكتاب، ولم يكونوا متفرغين لتدوين كل ما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وعندما أسلم أبو هريرة لم يملك أرض يزرعها أو تجارة يتبعها، وإنما يملك موهبة تكمن في ذاكرته، فهو سريع الحفظ قوي الذاكرة، فعزم على تعويض ما فاته بأن يأخذ على عاتقه حفظ هذا التراث وينقله إلى الأجيال القادمة.
يقول رضي الله عنه: “إنكم لتقولون أكثر أبوهريرة في حديثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتقولون أن المهاجرين الذين سبقوه إلى الاسلام لا يحدثون هذه الأحاديث، ألا إن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق، وأن أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم، وإني كنت امرؤا مسكينا، أكثر مجالسة رسول الله، فأحضر إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدثنا يوما فقال: “من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني” فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته إلي فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه، وأيم الله لولا أية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا، هي: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}” [البقرة 159].

وفاته
عندما كان يعوده المسلمين داعيين له بالشفاء، كان أبو هريرة شديد الشوق إلى لقاء الله ويقول: “اللهم إني أحب لقاءك، فأحب لقائي”, وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة.

المصدر
طريق الإيمان

خالد بن الوليد – سيف الله المسلول

هو خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي، أبو سليمان، أحد أشراف قريش في الجاهلية وكان إليه القبّة وأعنّة الخيل، أمّا القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدّم على خيول قريش في الحرب.

قصة إسلامه
تعود قصة اسلام خالد إلى ما بعد معاهدة الحديبية، حيث أسلم أخوه الوليد بن الوليد، ودخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء فسأل الوليد عن أخيه خالد، فقال: “أين خالد؟، فقال الوليد: “يأتي به الله”، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما مثله يجهل الاسلام ، ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ، ولقدمناه على غيره”. فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده ، فترك له رسالة قال فيها: “بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الاسلام وعقلك عقلك، ومثل الاسلام يجهله أحد؟، وقد سألني عنك رسول الله، فقال أين خالد وذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه، ثم قال له: فاستدرك يا أخي ما فاتك فيه ، فقد فاتتك مواطن صالحة”. وقد كان خالد رضي اللـه عنه يفكر في الاسلام ، فلما قرأ رسالة أخيه سر بها سرورا كبيرا، وأعجبه مقالة النبي -صلى اللـه عليه وسلم-فيه، فتشجع و أسلـم.

غزوة مؤتة
كانت غزوة مؤتة أول غزوة شارك فيها خالد ، وقد قتل قادتها الثلاثة : زيد بن حارثة ، ثم جعفر بن أبي طالب ، ثم عبدالله بن رواحة -رضي الله عنهم- ، فسارع الى الراية (ثابت بن أقرم) فحملها عاليا وتوجه مسرعا الى خالد قائلا له: خذ اللواء يا أبا سليمان فلم يجد خالد أن من حقه أخذها فاعتذر قائلا: لا، لا آخذ اللواء أنت أحق به ، لك سن وقد شهدت بدرا، فأجابه ثابت: خذه فأنت أدرى بالقتال مني ، ووالله ما أخذته إلا لك، ثم نادى بالمسلمين: أترضون إمرة خالد؟، قالوا: نعم، فأخذ الراية خالد وأنقذ جيش المسلمين، يقول خالد: قد انقطع في يدي يومَ مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة لي يمانية.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر الصحابة بتلك الغزوة: “أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن رواحة فأصيب، وعيناه -صلى الله عليه وسلم- تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم”، فسمي خالد من ذلك اليوم سيف الله.

حروب الردة
شارك في فتح مكة وفي حروب الردة ، فقد مضى فأوقع بأهل الردة من بني تميم وغيرهم بالبُطاح ، وقتل مالك بن نويرة ، ثم أوقع بأهل بُزاخَة – وهي المعركة التي كانت بين خالد وطليحة بن خويلد- ، وحرقهم بالنار ، وذلك أنه بلغه عنهم مقالة سيئة ، شتموا النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وثبتوا على ردّتهم ، ثم مضى الى اليمامة ووضع حداً لمسيلمة الكذاب وأعوانه من بني حنيفة.

معركة اليرموك وبطولاتها
إمرة الجيش: أولى أبوبكر الصديق إمرة جيش المسلمين لخالد بن الوليد ليواجهوا جيش الروم الذي بلغ مائتي ألف مقاتل وأربعين ألفا ، فوقف خالد بجيش المسلمين خاطباً : إن هذا يوم من أيام الله ، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي ، أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم ، وتعالوا نتعاور الإمارة ، فيكون أحدنا اليوم أميراً والآخر غداً ، والآخر بعد غد ، حتى يتأمر كلكم.

تأمين الجيش: وقبل أن يخوض خالد القتال ، كان يشغل باله احتمال أن يهرب بعض أفراد جيشه بالذات من هم حديثي عهد بالإسلام ، من أجل هذا ولأول مرة دعا نساء المسلمين وسلمهن السيوف، وأمرهن بالوقوف خلف صفوف المسلمين وقال لهن: من يولي هاربا، فاقتلنه.

خالد و ماهان الروماني: وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز إليه خالد ، وبرز إليه خالد ، في الفراغ الفاصل بين الجيشين ، وقال (ماهان) قائد الروم: قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم إلا الجهد والجوع فإن شئتم أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاما ، وترجعون إلى بلادكم ، وفي العام القادم أبعث إليكم بمثلها. وأدرك خالد ما في كلمات الرومي من سوء الأدب ورد قائلا: إنه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت ، ولكننا قوم نشرب الدماء ، وقد علمنا أنه لا دم أشهى ولا أطيب من دم الروم ، فجئنا لذلك، وعاد بجواده الى صفوف الجيش ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال: الله أكبر، هبي رياح الجنة.

من البطولات: ودار قتال قوي ، وبدا للروم من المسلمين مالم يكونوا يحتسبون ، ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهمفهاهو خالد غلى رأس مائة من جنده ينقضون على أربعين ألف من الروم ، يصيح بهم: والذي نفسي بيده ما بقي من الروم من الصبر والجلد إلا ما رأيتم ، وإني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم، وبالفعل انتصر المائة على الأربعين ألف.

فضله
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “نِعْمَ عبد الله خالد بن الوليد، سيْفٌ من سيوف الله”.

قال خالد -رضي الله عنه-: ما ليلة يهدي إليّ فيها عروسٌ أنا لها محب، أو أبشّرُ فيها بغلامٍ أحبَّ إلي من ليلة شديدة الجليد في سريّةٍ من المهاجرين أصبِّحُ بها العدو.

وفاة خالد
استقر خالد في حمص -من بلاد الشام- فلما جاءه الموت ، وشعر بدنو أجله ، قال: لقد شهدت مائة معركة أو زهاءها ، وما في جسدي شبر الا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم ، أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير ، ألا فلا نامت أعين الجبناء.

كانت وفاته سنة احدى وعشرين من الهجرة النبوية مات من قال عنه الصحابة: الرجل الذي لا ينام، ولا يترك أحدا ينام. وأوصى بتركته لعمر بن الخطاب والتي كانت مكونة من فرسه وسلاحه.

المصدر
طريق الإيمان

عمر بن عبد العزيز – خامس الخلفاء الراشدين

هو عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي إمام عادل وخليفة باذل حكم فعدل وقدر فما جهل؛ جمع الله له بين العلم والعمل والزهد، ولد في سنة إحدى وستين وأمه هي ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. دخل وهو غلام صغير اصطبل أبيه فضربه فرس فشج جبهته! فجعل أبوه يمسح عنه الدم ويقول: “إن كنت أشج بني أمية إنك إذن لسعيد”.

وقد جاء عن عمر بن الخطاب قوله: “إن من ولدي رجلاً بوجهه شتر يملأ الأرض عدلاً”، وقال ابن عمر: “ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً”.

كانت أول ولاية لعمر بن عبدالعزيز على دير سمعان من أعمال حلب وعمره وقتئذ عشرون، ثم ولي إمرة المدينة ثم ضم إليه ولاية الطائف ومكة فاصبح أميرًا على الحجاز ففرح الناس بولايته فرحًا شديدًا وكان له عشرة فقهاء من أهل مشورته.

أقدمه عبدالملك بن مروان عليه في دمشق وزوجه بابنته فاطمة ولي الخلافة بعد سليمان بن عبدالملك بمشورة من رجاء بن حيوة في قصة لولا الإطالة لسقتها، بدأ أمره بحادثة تدل على زهده فبعد وفاة سليمان وقراءة عهده لعمر بن عبدالعزيز قام فصلى عليه فلما فرغ من دفنه أتي بمراكب الخلافة فقال: “دابتي أرفق بي”؛ فركب بغلته ثم توجهوا به إلى فسطاط الخلافة فقال: “هذا فيه عيال سليمان وفي فسطاطي كفاية” قال الليث: “بدأ عمر بن عبدالعزيز بأهل بيته فأخذ ما بأيديهم وسمى أموالهم مظالم”.

وقد كان الظلم والجور قد ضرب بعطن حتى كان عمر يقول: “عبدالملك بالشام والحجاج في العراق ومحمد بن يوسف باليمن وعثمان بن حيان بالحجاز ومرة بن شريك بمصر ملئت الأرض ظلمًا وجورًا”. وقال الذهبي عنه: “كان ناطقا بالحق مع قلة المعين عليه وكثرة الأمراء الظلمة الذين كرهوا محاققته وأخذه كثيرا ممافي أيديهم مما أخذوه بغير حق”.

ومع ذلك نحسبه صدق الله في إصلاحه فعلم الله منه صدق النية فأعانه بعونه وتوفيقه وليست الأفعال كالدعاوى. وقد أثمر هذا العمل بركة وسعة للمسلمين وقد كان الرجل يطوف بزكاته مما فرضه الله عليه في سكك الخلافة مترامية الأطراف من سفوح جيان في إسبانيا غربًا إلى كاشغر الصين شرقًا ومن سيبيريا من أرض الترك شمالاً إلى عدن في اليمن جنوباً فما يجد من يقبل الزكاة منه.

فزوج من أراد الزواج ذكراناً وإناثاً وفك أسرى المسلمين ووضعت المكوس عن الناس وخفف عن أهل الذمة الجزية بل وسدد دينهم بعد سداد ديون المسلمين وأطلق المساجين من السجون بعد أن ضجت بها جنباتها ظلمًا وعدواناً وكان رحمه الله لايسجن فوق ثلاث فإما أن يقيم عليه الحكم أو يطلقه.

قال عمر بن أسيد: “والله ما مات عمر بن عبدالعزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله؛ قد أغنى عمر الناس”.

أرسل له بعض عماله: “إن أهل الذمة قد أسرعوا في الإسلام خشية الجزية! فرد عليه: إن الله تعالى بعث محمداً داعياً ولم يبعثه جابياً؛ فإذا وصلك كتابي فأقبل ثم عزله”.

ومع أنه أغنى الناس إلا أنه عاش كفافًا قال لامرإته يومًا: “أعندك درهم أشتري به عنباً؟” قالت: “لا”. ثم قالت: “أنت أمير المؤمنين ولاتقدر على درهم” قال: “هذا أهون من معالجة الأغلال في جهنم”، ودخلت عليه زوجته فاطمة يوما وهو في مصلاه يبكي فقالت: “يا أمير المؤمنين ألشيء حدث؟” قال: “يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري المجهود والمظلوم المقهور والغريب المأسور وذي العيال في أقطار الأرض فعلمت أن ربي سيسألني عنهم وأن خصمي دونهم محمد فخشيت ألا تثبت لي حجة عند الخصومة فرحمت نفسي فبكيت” هكذا فلتكن المحاسبة لامن تسيد أمر الأمة فتوسد المال والجاه ونام عن شكاتها.

قال الذهبي عنه: “كان إمامًا فقيهًا مجتهدًا عارفاً بالسنن حافظًا قانتًا لله أواهاً منيبًا يعد في حسن السيرة والقيام مع جده لأمه عمر بن الخطاب”.

مرت أيامه رحمه الله كطيف الوسنان وغفوة النعسان كأنها لم تكن حيث ناشته يد الغدر كحال العظماء الذين لايقدر عليهم إلا الداني من البشر خسة وضعة حيث سقاه أحد غلمانه سمًا فلما استقر في أحشائه وعلم به وبمن سقاه دعى الغلام فقال له: “ويحك ما حملك على هذا؟” قال: “ألف دينًا وأن أعتق” فقال له عمر: “هاتها”، فجاء بها، فألقاها عمر في بيت المال وقال للغلام: “اذهب حيث لايراك أحد” رحمه الله، رحم حتى قاتله أن يقتل به لأجل العتق.

ولما غشيه الموت قال: “أجلسوني فأجلسوه” فقال: “رباه أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن لا إله إلا الله” ثم أحد النظر فقال: “إني أرى حضرة ما هم بإنس ولاجن” فأمر من عنده فانصرفوا فسمع وراء الباب يقرأ {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] ففاضت روحه الطاهرة إلى رب كريم قد أقام العدل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورفع عنهم الظلم والجور وأقام الحجة على من يلي بعده شأن الخلافة فضلاً عما دونها.

ورحم الله الإمام الذهبي إذ يقول عن عمر بن عبدالعزيز: “وأجد قلبي منشرحًا للشهادة لعمر بن عبدالعزيز أنه من أهل الجنة”.

المصدر
موقع طريق الإسلام

أبوعبيدة بن الجراح – رضى الله عنه

أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري، يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أجداده (فهر بن مالك)، وأمه من بنات عم أبيه، أسلمت وقُتل أبوه كافرا يوم بدر. كان رضي الله عنه طويل القامة، نحيل الجسم، خفيف اللحية، وقد أسلم على يد أبي بكر الصديق في الأيام الأولى للإسلام، وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها.

غزوة بدر
في غزوة بدر كان والد أبوعبيدة يتصدّى لابنه، فحاد عنه أبو عبيدة، ولمّا أكثر قصدَه قتله، فأنزل الله هذه الآية، قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ} [المجادلة 22].

غزوة أحد
يقول أبوبكر الصديق رضي الله عنه: “لما كان يوم أحد، ورُمي الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر، أقبلت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت: اللهم اجعله طاعة، حتى إذا توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني، فقال: “أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم” فتركته، فأخذ أبوعبيدة بثنيته إحدى حلقتي المغفر، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم”.

غزوة الخبط
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أباعبيدة بن الجراح أميرًا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلًا، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر، والسفر بعيد، فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون (الخبط) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء، غير مبالين الا بإنجاز المهمة، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط.

أمين الأمة
قدم أهل نجران على النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يرسل إليهم واحدًا فقال عليه الصلاة والسلام: “لأبعثن (يعني عليكم) أمينا حق أمين” فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يُبعثوا لا لأنهم يحبون الإمارة أو يطمعون فيها، ولكن لينطبق عليهم وصف النبي صلى الله عليه و سلم “أمينًا حق أمين” وكان عمر نفسه رضي الله عليه من الذين حرصوا على الإمارة لهذا آنذاك بل صار (كما قال يتراءى) أي يُري نفسه للنبي صلى الله عليه وسلم حرصا منه رضي الله عنه أن يكون أمينًا حق أمين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تجاوز جميع الصحابة وقال: “قم يا أباعبيدة”.

وقد كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقال رضي الله عنه وهو يجود بأنفاسه: “لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيًا لاستخلفته فإن سألني ربي عنه، قلت: استخلفت أمين الله، وأمين رسوله”.

تواضعه
ترامى إلى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء، فجمعهم وخطب فيهم قائلًا: “يا أيها الناس، إني مسلم من قريش، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود، يفضلني بتقوى إلا وددت أني في إهابه”.

وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه، فقالوا له: “من ؟” قال: “أبوعبيدة بن الجراح”، وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه إلى داره، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا، إلا سيفه وترسه ورحله، فسأله عمر وهو يبتسم: “ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس؟”، فأجاب أبوعبيدة: “يا أمير المؤمنين، هذا يبلغني المقيل”.

طاعون عمواس
حل الطاعون بعمواس وسُمي فيما بعد “طاعون عمواس” وكان أبوعبيدة أمير الجند هناك، فخشي عليه عمر من الطاعون فكتب إليه يريد أن يخلصه منه قائلًا: “إذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجها إلي، وإذا وصلك في الصباح ألا تمسي إلا متوجها إلي، فإن لي حاجة إليك”.

فهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وأنه يريد أن ينقذه من الطاعون فكتب إلى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور إليه وقال: “لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وإنما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم، فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين”.

لما وصل الخطاب إلى عمر بكى، فسأله من حوله: “هل مات أبوعبيدة؟”، فقال: “كأن قد”. والمعنى أنه إذا لم يكن قد مات بعد وإلا فهو صائر إلى الموت لا محالة، إذ لا خلاص منه مع الطاعون.

كان أبو عبيـدة رضي الله عنه في ستة وثلاثين ألفاً من الجُند، فلم يبق إلاّ ستة آلاف رجل والآخرون ماتوا. ومات أبوعبيـدة رضي الله عنه سنة ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس، وقبره في غور الأردن، رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى.

المصدر
طريق الإيمان

خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها

قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حقها: “كَمُلَ من الرجال كثير، وكَمُلَ من النساء أربع: آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد بن عبدالله”.
هيَ خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها وحبيبة رسول الله، وزوجه التي منها رُزِق الولد، ورفيقة جهاده وكفاحه من أجل إعلاء كلمة الله وتبليغ رسالته.

كان النبي صلى الله عليه وسلم وفيًّا لها؛ يذكُرها بالخير، ويُثني عليها ويفضِّلها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالِغ في تعظيمها حتى قالت عائشة رضي الله عنها: “ما غِرْتُ من امرأة ما غِرْت من خديجة؛ من كثرة ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم لها، وما تزوَّجني إلا بعد موتها بثلاث سنين” (البخاري).

أقرَأها جبريل السلامَ من ربها، وبشَّرها ببيتها في الجنة؛ حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم: “هذه خديجة، أقْرِئها السلام من ربِّها، وأمره أن يبشِّرها ببيت في الجنة من قَصَب، لا صخب فيه ولا نَصَب” (البخاري).

خديجة بنت خويلد بن أسد، تجتمع مع النبي عليه أفضل الصلاة والسلام في جده قصي بن كلاب، تزوَّجت في الجاهلية مرتين، ثم تزوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وظلَّت وفيَّة له كل الوفاء، كما ظل هو وفيًّا لها حتى توفِّيت في السنة العاشرة من البعثة، وقد أنجبت له أولاده (عبدالله، والقاسم، ورقية، وزينب، وأم كلثوم، وفاطمة، ما عدا إبراهيم) وحزن عليها حزنًا شديدًا، وكانت أول من آمن به؛ ولذلك فهي أفضل أمهات المؤمنين، وأفضل نساء أهل الجنة.

كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة، ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتُعطي لهم من الأجر نظير قيامهم بمهامِّ التجارة لها، وكان صلى الله عليه وسلم من بين هؤلاء الرجال؛ حيث خرج إلى الشام في تجارة لها، وكان يبلُغ من العمر حينئذٍ خمسة وعشرين عامًا، وربحتْ رحلتُهما أضعاف ما كانت تربح، فسُرَّتْ بذلك، ووقَعت في نفسها محبَّةُ النبي صلى الله عليه وسلم وحدّثت نفسها بالزواج منه.

أرسلت صديقتُها نفيسة بنت منية خُفية إليه صلى الله عليه وسلم بعد أن رجع في عِيرها من الشام، فقالت: يا محمد ما يمنعك أن تتزوج؟، فقال: “ما بيدي ما أتزوج به!”، قالت: فإن كُفيت ذلك، ودُعيت إلى المال، والجمال، والشرف، والكفاية، ألا تجيب؟، قال: “فمن هي؟”، قالت: خديجة بنت خويلد، قال: “وكيف لي بذلك يا نفيسة، وأنا يتيم قريش، وهي أيِّم قريش ذات الجاه العظيم والثروة الواسعة؟”، فقالت نفيسة: قل: بلى، وأنا أفعل”.

في تلك الزيجة الرائعة نرى صفات توافرت في خديجة، جعلت منها الحبيبة والزوجة ذات المكانة العالية في قلب الرسول، ومهَّدت لدورٍ رائع قامت به بعد نزول الوحي، في لقاءاتنا القادمة سنتناول تلك السيرة العطرة لخديجة بنت خويلد؛ عسى أن يكون اقتداؤنا بها سببًا في أن يجمعنا الله بها يومًا ما في جنته مع الخيِّرات الحسان.

وهكذا أصبحت خديجة بنت خويلد أُولى زوجات المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي لا تُعتبَر زوجة فقط، بل هي أيضًا رفيقة درب؛ فقد شكلت علاماتٍ بارزةً في مسيرة الدعوة الإسلامية، وفي مسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

المصدر
موقع التاريخ

علي بن أبي طالب – رضي الله عنه

أول من أسلم من الصبيان، وأول فدائي في الإسلام، حضر بدرًا وأحدًا وغيرها من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة عند خروجه لغزوة تبوك. وهو رابع الخلافاء الراشدين رضوان الله عليهم.

من فضائله رضي الله عنه ما رواه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: قال كان علي رضي الله عنه قد تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر، وكان به رمد فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج علي فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأعطين الراية أو ليأخذن الراية غدًا رجلاً يحبه الله ورسوله، أو قال يحب الله ورسوله يفتح الله عليه»، فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية ففتح الله عليه. (رواه البخاري).

ومن فضائله ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: “أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَلَّفَ عليَّ بنَ أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسولَ الله، تُخَلِّفُني في النساء والصبيان؟ فقال: «أما ترضى أن تكونَ مني بمنزلة هارون من موسى، غيرَ أنه لا نبيَّ بعدي» (رواه البخاري ومسلم).

وقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى كان تطييبًا لخاطره ورفعًا لما توهمه من انتقاص في حقه بتخليفه على النساء والصبيان، فبين له صلى الله عليه وسلم أن ليس في الأمر انتقاص لحقك ولا تنزيل لقدرك وإن كنت استخلفتك على النساء والصبيان لك في هارون عليه السلام أسوة إذ استخلفه موسى عليه السلام على قومه من بعده فلم يظن في ذلك انتقاصًا، ولم يعد ذلك تنزيلاً من قدره، فطابت نفس علي رضي الله عنه لهذا البيان النبوي وسكنت نفسه.

ومن فضائله رضي الله عنه ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم..} [آل عمران:61] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا وفاطمة وحسنًا وحُسينًا فقال: «اللهم هؤلاء أهلي» (أخرجه الترمذي). فهذا الحديث يدل على أنه رضي الله عنه من أهله الخاصين وأقربائه الأدنين.

المصدر
موقع طريق الإسلام