عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار المسلمين في تدوين الديوان فقال له على بن أبي طالب تقسم كل سنة ما اجتمع إليك من مال ولا تمسك منه شياً, وقال أرى مالاً كثيراً يسع الناس وإن لم تحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ حسبت أن ينتشر الأمر. فقال له الوليد بن هشام قد جئت بالشام فرأيت ملوكها دونوا ديواناً وجندوا جنداً فدون ديواناً وجند جنداً, فاخذ بقوله.
وكان الخليفة عمر بن الخطاب يستشير الصحابة في اختيار العمال والولاة، قال عمر لأصحابه دلوني على رجل استعمله على أمر قد همني, قالوا فلان قال لا حاجة لنا فيه قالوا فمن تريد, قال أريد رجلاً إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم, وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم, قالوا ما نعرف هذه الصفة إلا في الربيع بن زياد الحارثي, قال صدقتم فولاه.
واستشار أصحابه في اتخاذ تقويم وتاريخ خاص بالمسلمين، فقد رفع إلى عمر صك في شعبان فقال أي شعبان؟ الذي هو آت أو الذي نحن فيه؟ ثم قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا للناس شيئاً يعرفونه, فقال بعضهم اكتبوا على تاريخ الروم فقيل إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين فهذا يطول, وقال بعضهم اكتبوا على تاريخ فارس فقيل إن الفرس كلما قام ملك طرح ما كان قبله, فأجمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فوجدوا عشر سنين فكتب التاريخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قد يري ذوو الخبرة بأن مصلحة الدولة تتطلب أمراً معيناً فيبادرون بتقديم المشورة للخليفة من دون طلب مسبق منه ويأخذ الخليفة برأيهم إذا رأي المصلحة فيه, مثال لذلك ما قاله الأحنف بن قيس للخليفة عمر “يا أمير المؤمنين إنك قد نهيتنا عن الانسياح في البلاد وأمرتنا بالاقتصار على ما في أيدينا, وإن ملك فارس حي بين أظهرهم وأنهم لا يزالون يساجلوننا ما دام ملكهم فيهم ولم يجتمع ملكان فاتفقا حتى يخرج احدهما صاحبه, وان ملكهم هو الذي يبعثهم, فلا يزال هذا رأيهم حتى تأذن لنا فنسيح في بلادهم حتى نزيله عن فارس ونخرجه من مملكته ونقتله أو نلجئه إلى غير مملكته وغير أمته فهنالك ينقطع رجاء أهل فارس, فقال صدقتني والله وشرحت لي الأمر”.
لم تكن المشورة مقتصرة على سياسة الخليفة عمر بن الخطاب بل أصبحت مظهراً عاماً لساسة الدولة, إذ كان الخليفة يوصي عماله وولاته بجعل الشورى منهجاً لسياستهم، وكتب عمر إلى القضاة مع أول قيامه أن لا تبتوا لقضاء إلا على ملأ, فإن رأي الواحد يقصر إذ استبد ويبلغ إذا استشار والصواب مع المشورة. وأوصى القاضي شريح قائلاً انظر في كتاب الله فلا تسأل عنه أحداً, وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم يتبين لك في السنة فاجتهد فيه رأيك واستشر أهل العلم والصلاح، ولما اختار الخليفة عمر أبا عبيد قائداً للقوات المتوجهة نحو الشام أوصاه قائلاً اسمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشركهم في الأمر)، وربما حدد الخليفة بعض أهل الخبرة يستشيرهم ويستأنس بهم, كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن ابى وقاص بالقادسية، قد أمددتك بألفي رجل, عمرو بن معد يكرب وطليحة بن خويلد فشاورهما في الحرب ولا تولها شيئاً.
وربما استشار الصحابة في مسائل شخصية، فقد روى أن ملكة الروم أهدت إلى زوجه أم كلثوم بنت على بن أبي طالب عقداً من جوهر, وكانت أم كلثوم قد أهدت إليها من طرائف بلاد العرب فوقع العقد في يد عمر حين أقبل به البريد فلم يشأ أن يؤديه إلى امرأته حتى أمر فنادى في الناس الصلاة جامعة, فلما اجتمع إليه المسلمون استشارهم في هذا العقد فكلهم أشار إليه بان يؤديه إلى أم كلثوم لأنه ملكها ولكنه تحرج من ذلك لأنه حمل إليها في بريد المسلمين فأمر برده إلى بيت المال, وأدى لامرأته ما أنفقت في هديتها لملكة الروم.
وحين أشرف الخليفة عمر بن الخطاب على الموت بعد الطعنة ورأي حرج الموقف, فطلب منه المسلمون أن يستخلف فأجابهم، فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير منى وإن أترك فقد ترك من هو خير منى, فان عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله وهو عنهم راضٍ. فاستخلف النفر الذي توفي رسول الله وهو عنهم راضٍ فأرسل إليهم وجمعهم وهم على بن أبي طالب, وعثمان بن عفان, وطلحة بن عبد الله, والزبير بن العوام, وسعد بن أبي وقاص, وعبد الرحمن بن عوف”.
ولم يترك عمر أمر الشورى فوضي بل حدده بثلاثة أيام، “فأعزم عليكم بألا تتفرقوا في اليوم الثالث حتى تستخلفوا أحدكم وأوصى أن يحضر جلسة الشورى ابنه عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء, وبعض شيوخ الأنصار والحسن بن على وعبد الله بن عباس وجميعاً ليس لهم من الأمر شيء وأوصي أن يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام, واتخذ عمر بن الخطاب عملاً آخر ليضمن نجاح الشورى حيث أوصي جماعة من المسلمين”
وبعد وفاة الخليفة الثاني اجتمع أصحاب الشورى، ودار عبد الرحمن بن عوف لياليه يلقى أصحاب رسول الله ومن أوفى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس ولا يخلو رجل أو امرأة إلا أمره بعثمان، واستشار عدداً كبيراً من الناس بالمدينة, فخرج يلتقي الناس في أنقاب المدينة مثلما لا يعرفه احد, فما ترك أحداً من المهاجرين والأنصار وغيرهم من ضعفاء الناس ورعاهم إلا سألهم واستشارهم.
أما أهل الرأي فأتاهم مستشاراً وتلقي غيرهم سائلاً من ترى الخليفة بعد عمر, وكان يجمع المعلومات، فقد أمضى الثلاثة أيام يستعلم من الناس ما عندهم، وبعد هذه الخطوة التي استحصل فيها إجماع المسلمين في المدينة على استخلاف عثمان بن عفان, طلب من علي بن أبي طالب أن يعطه عهداً ليعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده, فقال على أرجو أن افعل واعمل بمبلغ علمي وطاقتي. ودعا عثمان وقال له مثل ذلك قال نعم، فكان هذا عاملاً آخر دفع عبد الرحمن بن عوف إلى مبايعة عثمان بن عفان بالخلافة. اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان، وازدحم الناس يبايعون عثمان، فجعل الناس يبايعونه، ورجع علي فشق الناس حتى بايع.
مما يوضح الشورى في بيعة عثمان بن عفان أن طلحة كان غائباً عن المدينة ورجع في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فقيل له بايع عثمان, فقال أكل قريش راضٍ به؟, قالوا نعم. فأتى وقال أكل الناس بايعوك؟, قال نعم, قال: قد رضيت لا أرغب عما أجمعوا عليه, وبايعه”.
المصدر
موقع التاريخ