الأندلس كيف دخلها المسلمون وكيف خرجوا منها؟

كان أول توجه لجيش الفتح الإسلامي نحو الأندلس من أجل غزوها وفتحها سنة 91هـ، تحت قيادة طريف بن زرعة، ثم غزوها في العام التالي 92هـ ، تحت قيادة طارق بن زياد، وكان عدد جيش المسلمين اثني عشر ألفاً، وتم الفتح العظيم، وانتشر المسلمون وجيشهم في قرطبة، وغرناطة، وطليطلة في الشمال، وأصبحت جميع الأرض الأندلسية خاضعة للمسلمين منذ ذلك التاريخ، وتعاقب على حكم الأندلس منذ ذلك الحين ستة عصور، وهي: عصر الولاة (95 – 138هـ) وعصر الدولة الأموية (138 – 422هـ) وعصر ملوك الطوائف (422 – 484هـ) وعصر المرابطين (484 – 540هـ) وعصر الموحدين (541 – 633هـ) وعصر دولة بني الأحمر (636 – 897هـ) .

شاءت حكمة الله تعالى أن ينتشر الإسلام في الأندلس، وتسعد به أجيال كثيرة أراد الله لهم الهداية والخير، وكان السبب في هذا بعد الله تعالى يعود إلى صقر قريش عبدالرحمن الداخل سنة 138هـ الذي ضبط الحكم فيها، وأعاد إليها النظام والوحدة، وأدارها بكل حكمة وقوة، مما أدى إلى استقرار الحكم فيها، لتكون بعد ذلك مدخلاً وسبباً في وصول الثقافة العربية الإسلامية إلى أوربا.

كما هو معلوم فقد تعاقب على حكم الأندلس الكثير من الأمراء والسلاطين، كان بعضهم قوياً، وبعضهم الآخر ضعيفاً، ومن السلاطين الأقوياء عبدالرحمن الناصر (300 – 350ه)، الذي يعرف بأنه الفاتح الثاني للأندلس، حيث استرد ما ضاع منها من الولايات، وبلغت قرطبة أوجها في عهده، ومنهم المنصور بن أبي عامر الذي أعاد فتحها مرة ثالثة، وأخضع القلاع المسيحية والمدن النصرانية لحكم الإسلام، وفتح برشلونة، ثم انفرط العقد من بعده، وقامت إمارات ودويلات، يغلب على معظم أمرائها الضعف والوهن، ويشغلهم اللهو، وبلغ عدد هذه الدويلات حولي (20) إمارة، توزعت على جميع الأندلس، ومنهم: بنو حمود، وبنو عباد، وبنو زيري، وبنو برزال، وبنو يحيى، وبنو جهور، وبنو ذي النون، وبنو هود، إلى غير ذلك، كل منهم استولت على ناحية منها.

اتفقت أهم قوى النصارى في ذلك الوقت وتوحدت دولة قشتالة وأراغون بعد زواج أميريهما فرديناند وإيزابلا، وكان نتيجة هذا الاتحاد أن توحيد القيادة، في الوقت الذي كانت قوة المسلمين في تشرذم، وقيادتهم في انقسام وتشتت، حيث ثار أبو عبدالله بن الأحمر على والده “أبي الحسن”، وتعاون مع المسيحيين على حرب والده، ثم على حرب عمه محمد الثاني المعروف بالزغل بعد موت أبيه، وبلغ به العداء لعمه أنه لما فتح فرديناند وأيزابلا مدينة مالقة الإسلامية أرسل إليهما أبو عبدالله بالتهاني، وأعطاهما عهداً إن هما استوليا على إمارة الزغل أن يسلم لهما غرناطة، فتم لهم ذلك عام 896هـ، وخرج الزغل إلى إفريقية، فطلب فرديناند من أبي عبدالله الوفاء بوعده، فتماطل وحاول الصمود، ولكن جيوش الصليبيين تقدمت إلى غرناطة مصممة على فتح آخر حصن للإسلام والمسلمين في إسبانيا. وتم لهم ذلك، فصالحهم أبو عبدالله، وخرج المسلمون من غرناطة في سنة 1492م في ذلة ومهانة. حيث بدأت محاكم التفتيش في التعذيب والقتل والنفي، وبدأت معاناة أهل الأندلس من المسلمين ومن اليهود، وكانوا يجبرونهم على التنصر أو الموت، وقد تمسك أهل الأندلس بالإسلام ورفضوا الاندماج مع المجتمع النصراني. ،وبقي المسلمون رغم هذا متمسكين بإسلامهم، يدافعون عنه بكل قوة.

ويمكن إجمال أهم تلك الأسباب في عدة نقاط منها: ما تمثل في ضعف العقيدة الإسلامية عند معظم السلاطين وأهل القرار، أو أصحاب المال والجاه فيهم، وانحرافهم عن منهج الإسلام الحق، ومولاتهم للنصارى، والتحالف معهم؛ فيمكن أن نقول – وبكل أسف – أن تاريخ العرب والمسلمين في الأندلس مليء بمثل هذه التحالفات المهينة، مخالفين في ذلك قول الله تعالى: (لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ في شَيْءٍ) [آل عمران: 28]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَوثَقُ عُرَا الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحبُّ في الله، والبغض في الله) ومن الأمثلة على تلك التحالفات ما فعله المعتمد بن عباد وغيره الذين كانوا يطلبون المساعدة من ملك قشتالة في حربه ضد أقاربه من أمراء الطوائف من أجل استئصالهم، بدل أن يتحد معهم ضد النصارى من أجل تحقيق مصلحة المسلمين وأهدافهم التي باتت مهددة في الأندلس.

ومن تلك الأسباب المهمة أيضاً الانغماس في الشهوات، والركون إلى الترف، وعدم توجيه طاقات الأمة نحو معالي الأمور والجهاد بأنواعه، في الوقت الذي كانوا يرون فيه العدو وهو يجمع طاقاته ويوحد صفوفه لحربهم والتخلص منهم، ويرى بعض المؤرخين أن الأندلسيين خاصة الشباب منهم ألقوا بأنفسهم في أحضان الترف والمجون، حتى ذهبت أخلاقهم، وماتت فيهم حمية الإسلام ومظاهر العزة والكرامة، واهتمت نساؤهم بمظاهر الزينة والتربج، ويكفي للوقوف على مقدار هذا الترف ما فعله المُعْتَمِد في القصة المشهورة مع إحدى زوجاته، التي اشتهت أن تمشي في الطين فأمر أن يخلط الطين بالمسك والزعفران، لتخوض فيه وتحقق شهوتها.

ومن تلك الأسباب إلغاء الخلافة الأموية وإعلان بداية قيام عهد الطوائف، الذين كان غالبهم ليس مؤهلا لقيادة الأمة الإسلامية والنهوض بها وإعادتها إلى ما كانت عليه فيما مضى، مما أدى إلى ضعف المسلمين ووصولهم إلى تلك الحالة من المهانة.

ومن تلك الأسباب وجود الفرقة والاختلاف بأنواعه بين المسلمين، حتى أصبح سمة من سمات عصر الطوائف، حتى كان بعضهم يضطر إلى عقد العهود مع النصارى ضد إخوانه وأقاربه من أجل السلطة، ولما سقطت طُلَيْطِلَة وقف بعض ملوك الطوائف صامتين عن نجدتها، وكأن الأمر لا يعنيهم، وتغافلوا عن أن ملك النصارى ألفونسو لا يفرِّق بين طليطلة وبين غيرها.

ومن الأسباب المهمة كذلك تخلي بعض علماء المسلمين أو معظمهم عن القيام بواجباتهم، ذلك أن الواجب الديني لا يقوم به إلا العلماء الربانيين، وكلَّما ابتعد العلماء عن الربَّانية تثاقلت نفوسهم، وازداد اهتامهم بمصالحهم الشخصية, وعدم الاهتمام بمصالح الأمة الحقيقية، كما هو الحال في أيامنا هذه، وهو ما يؤدي إلى ضعف الأمة، وتقهرقها، ثم هناك أمر آخر وهو عدم سماع ملوك الطوائف لنصائح العلماء الصادقين في ذلك الوقت، بل ومحاولة التضييق عليهم، كما هو حالنا هذه الأيام، فكانت نصائح العلماء لا تصادف أسماع السلاطين، حتى حلَّت بهم المصيبة، وهي سقوط طليطلة، وما بعدها.

ومن الأسباب التي أدت إلى ذهاب دولة المسلمين في الأندلس أن النصارى استطاعوا أن يتفقوا ويوحدوا كلمتهم ويضعوا البرامج والمخططات التي تقوم على الغدر والخيانة، بالتعاون مع بعض الخونة، من أجل القضاء على ملوك الطوائف ببث الفتنة بينهم، فهم كما قال الله تعالى: (لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة: 14] حيث مارسوا كل الأساليب الممنوعة من أجل تحقيق أهدافهم كما هو معلوم في محاكم التفتيش. وكان من أكثر ملوك النصارى نشاطاً واهتماماً بهذا الأمر فرناندو ملك قشتالة.

المصدر
موقع التاريخ

الشورى ومكانتها في الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم – الجزء الثاني

أحيانا يتوجه النبي صلى الله عليه وسلم بطلب الشورى والتعرف على آراء المسلمين الحاضرين معه, نجد ذلك واضحا في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الذين خرجوا معه قبل معركة بدر.

يروى ابن هشام ذلك بقوله “وأتاه الخبر عن قريش بمسيرتهم يمنعون غيرهم, فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش , فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن, ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن , ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أشيروا على أيها الناس” وإنما يريد الأنصار وذلك لأنهم مدد الناس وإنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا “يا رسول الله إنا براء من زمامك حتى يصل من ديارنا, فإذا أنت وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك من ما نمنع منه أبناءنا ونساءنا”, فكان رسول الله يتخوف ألا تكون الأنصار تري عليها نصرة إلا من دهمه من المدينة من عدوه, وأن ليس لهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم, فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد بن معاذ “والله لكأنك تريدنا يا رسول الله, قال أجل, قال آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة, فامض يا رسول الله كما أردت نحن معك, فوالله الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد, وما نكره أن تلقي بنا عدونا إنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك, فسر بنا على بركة الله“, فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك, ثم قال “سيروا وابشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين, والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم“.

فكان لالتزام القائد بمبدأ الشورى وتعرفه على آراء جنده أثر في التخطيط الناجح للمعركة ورفع معنويات الجنود, فكانت الشورى عاملا مهما في تحقيق النصر.

وبعد معركة بدر استشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة في كيفية معاملة أسري بدر, فأشار عليه عمر بن الخطاب بقتلهم لأن هؤلاء الأسري كانوا صناديد المشركين وقاداتهم وأئمتهم, وأما أبو بكر فقد أشار على الرسول صلى الله عليه وسلم بأخذ الفدية لأنهم بنو العم والعشيرة والإخوان, كما أن أموال الفدية ستساعد على تقوية المسلمين, وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي الفداء لما رأي جمهور أصحابه يريدون ذلك. ثم نزلت الآيات القرآنية: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * َلوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنفال:67إلى 69]، وفي الآية عتاب واضح لرسول الله وأصحابه لأخذهم بخلاف الأولى وقبولهم بالفداء, فالموقف كان يتطلب القوة والحزم والشدة مع المشركين, ثم أجاز الله عملهم وأخذهم الفداء لعدم ورود نص مسبق ينهي عن ذلك, وفي ذلك إشارة إلى الجواز في الأمور التي لم يرد فيها نص.

وربما اقتصرت الشورى على البعض دون الكل, وأحياناً مشاورة الناس عن طريق ممثليهم أو زعمائهم أو أهل الخبرة فيهم, ففي بيعة العقبة الثانية طلب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن يخرجوا له اثني عشر نقيباً, تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس, وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى المدينة المنورة فقد اختار أربعة عشر رجلاً وكان يرجع إليهم في الرأي.

بل كان للنبي صلى الله عليه وسلم أقرب إلى هيئة استشارية يستشيرهم في القضايا العامة تضم كبار الصحابة , منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب, أورد الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر: “إن الناس ليزيدهم حرصاً على الإسلام أن يروا عليك زياً حسناً”, قال “وايم والله لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً”، وفي رواية “ولو أنكما تتفقان في مشورة ما خالفتكما”.

وربما كانت المشاورة لأصحاب الشأن وأهل الخبرة دون غيرهم, فمثلاً أثناء حصار الأحزاب للمدينة سنة 5هـ فلما اشتد البلاء بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري قائد غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابا إلى ذلك, فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فقالا: “يا رسول الله شيء تحب أن تصنعه أم شيء أمرك الله به أو شيء تصنعه لنا؟”، فقال: “بل لكم, رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم”، قال سعد بن معاذ “قد كنا نحن وهم على الشرك ولا يطمعون أن يأكلوا منا إلا قري أو بيعاً, فحين أكرمنا الله بالإسلام نعطيهم أموالنا؟ ما نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم”. فترك ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا يوضح فهم الصحابة للشورى ومجالاتها المسموح بها, وتخصيص النبي بالمشورة لهذين الصحابيين دون غيرهما لارتباط الأمر بهما وبقومهما, فهما زعماء الأوس والخزرج.

المصدر
موقع التاريخ

ثقافة مجتمع المدينة المنورة

نمت الحياة الدينية وازدهرت في المجتمع المدني حتى غدت ثقافة هذا المجتمع هي النموذج المعتمد في التنظيم الاجتماعي للأقاليم وتوابع الدولة الإسلامية فيما بعد. وكانت الخطوات الأولى التي قام بها النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام هي:

• تغيير اسم يثرب إلى اسم (طيبة).
• بناء مسجد المدينة.
• إيجاد الأخوة الإسلامية.

فكانت عملية ذوبان المهاجرين والأنصار في نظام المجتمع الجديد.

وعندما وضع الرسول عليه الصلاة والسلام أولى خطواته على أرض المدينة المنورة بدأ بإنشاء أول مؤسسة إسلامية ضمت الكثير من المؤسسات الفرعية الأخرى تمثلت في المسجد وقد اشترك في بناء هذا المسجد جميع المسلمين حتى رسول الله بنفسه المباركة، وبعدها تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي وقت قياسي أن يجعل من المدينة قاعدة اجتماعية نظامية ودينية محكمة، وكان المقصود من ذلك هو استمرار نظام سياسي قوي قائم على أساس الإسلام في شبه الجزيرة، لينطلق بعد إلى العالم.

وتضم مؤسسة المسجد الجامع عدة مؤسسات في مفهومنا الحالي منها: المؤسسات القضائية حيث تجري جميع الشؤون القضائية من أحكام وجزاء ومقاضاة داخل هذه المؤسسة، إضافة إلى قضايا الزواج والطلاق المؤسسة المالية المسؤولة عن إدارة أمور من قبيل الزكاة والخمس والجباية وموارد صرفها وقد أنشئ في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام مركز اقتصادي اسمه (بيت المال) تجمع فيه الوجوه الشرعية من الزكوات وغيرها وتصرف في مصالح المسلمين، إضافة إلى ذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد عين مسؤولين متخصصين في خمس الغنائم يتولون ضبط الغنائم وكتابتها والحفاظ عليها بدقة كاملة ، أما بالنسبة للسجن فإنه لم يكن هنالك مكان يسمى بهذا الاسم بل غالباً ما كان يؤخذ المتهمون إلى المسجد أو إلى غرفة معينة ليكونوا تحت النظر.

وقيل: كان النبي عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة إلى المدينة قد عين للأنصار نقيباً ليتحدث عنهم، كما عين عليه الصلاة والسلام لكل اثنتي عشرة قبيلة رئيساً، كما جعل العريف وهو الممثل لمجموعة قوامها عشرة أفراد تحت إشراف وتصرف النقيب، وكان النقيب ممثلاً لكل القبيلة وكانت بعهدته مسؤولية الحرب والصلح ونحوها، فإذا لم يستطع النقيب حل نزاع في مجموعته، أو إن طرفي الدعوة مرتبط بقبيلة أخرى، يكون الحل النهائي لهذا النزاع هو ردّه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.

الشرطة والحرس

في التشريع الإسلامي يقال لكل من يضبط المخالفين (الشرطي) أو (الحرس). وقد أنشئت (مؤسسة الشرطة والحرس) هذه قبل قدوم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة لأنه كان يتوقع أن يلحق به الضرر من قبل قريش، ومهمة هذه المؤسسة هي الحراسة وحماية الناس من اللصوص وغيرهم في مسعى من الرسول عليه الصلاة والسلام لإشاعة الأمن الاجتماعي لأهل المدينة، ومع هذا فقد كانت مهمة هذه المؤسسة محدودة جداً، لأن النظام الإسلامي رسخ عملية (التسيير الذاتي) التي ضمنت سير العملية الاجتماعية بشكل مثالي رغم وجود المعارضة المتمثلة باليهود والتي احتفظت بحقوقها في ظل الدولة الجديدة.

وقد وفر جو الحرية هذا بطلان أي قيد غير شرعي، الأمر الذي تعمل به القوانين الوضعية في الأزمنة المتأخرة. ويبين الإمام الشيرازي هذه الإشكالية بأن هناك فرقاً بين (الإسلام) وبين (القوانين الوضعية) في هذا الأمر ، فالأصل في الإنسان الحرية فإنها المستفادة من قاعدة (الناس مسلطون على أنفسهم وأموالهم)، ولذا فلكل إنسان أن ينضم إلى الآخرين، لبناء الحياة وتقدمها ولا يحد هذه الحرية، إلا ما يوجب الضرر على الآخرين أو على النفس (بما لا يجوز تحمله شرعاً) فليس للدولة – في نظر الإسلام – التدخل في شؤون الجماعات أو وضع الدساتير والقوانين لها وتقييدها بقيود إطلاقاً.

نعم، إذا أخطأ فرد ما، أو أية جماعة، فمن حق الدولة إيقافها على المقرر الشرعي؛ وذلك أن الفرد حيث إنه حر لا يقيد ، وإذا ثبت خطأه أوقف عند حده – حسب المقرر شرعاً – بينما القوانين الوضعية تقيد الجماعة بقيود كلها منافية للحرية؛ ولذا كانت تلك القيود باطلة في نظر الإسلام.

المصدر
موقع التاريخ

ملامح المجتمع المدني في حكومة الرسول صلى الله عليه وسلم

أول خطوة بدأ بها الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام هي لمّ شتات قبائل العرب وتلوناتها في إطار وحدة اجتماعية متماسكة، “فالمسلم أخو المسلم” وعملية المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين في المدينة المنورة تعد عملية مثالية لم يعرف لها التاريخ صنواً، فكيف لأعرابي يرى كل من لا ينتمي لقبيلته أجنبياً، أن يتخذ له أخاً من قبيلة أخرى بعيدة، بل إن بعض الأنصار طلق بعض زوجاته، لتزويجها من أحد المهاجرين القادمين من صحراء مكة، وهنا كان للمؤسسة الاجتماعية التي شيدها الرسول عليه الصلاة والسلام الدور الأول في إرساء قواعد هذا التشكيل المجتمعي الجديد فكان المسجد الجامع أول مؤسسة (قانونية) شرعية تمثل رمز الدولة الإسلامية الحديثة بموازاة المؤسسة غير الشرعية التي أراد تأسيسها آخرون، كما هو المشهور في حادثة (مسجد الضرار).

بينما كان الحث على حضور المسجد الجامع أمراً واجباً، وبدأ الشكل المؤسساتي يتبلور داخل هذه المؤسسة الصغيرة، وتتبين معالم الدولة المدنية من تعليمات هذه المؤسسة التي جمعت بين القداسة في المفهوم الديني والشعبية في العرف الاجتماعي، حتى أن التجمعات (الحزبية) بدأت من أروقة هذا المسجد في دلالة واضحة على مدنية الدولة وتحضرها، خصوصاً وأنها نبعت من مجتمع أبعد ما يكون عن الأشكال الحضارية.

كما كان لشخصية الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام وجو الحرية الذي أشاعه بين أفراد هذا المجتمع الجديد الدور الأول في تسريع عملية الإنماء الاجتماعي الحضري للدولة الإسلامية، فيأتي الأعرابي من أقاصي الجزيرة ويمسك بالنبي (قائد الدولة) ويقول (أعدل يا محمد) وحينما يحاول بعض الصحابة معاقبته على هذا الفعل، يرفض الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ذلك ويجزل العطاء لهذا الأعرابي.

هكذا كانت البداية، فعظم المسؤولية يكون في الجسر الموصل إلى رعاية المجتمع وتلبية مطالبه الأساسية. وقد تظافرت عدة جهود في إنماء المجتمع المدني في المدينة المنورة، أهمها شخصية قائد الدولة، ثم الفطرة البدوية التي تختزن العوامل الأخلاقية في أفراد الجزيرة وبالذات سكنة المدينة المنورة والتي تعد أحد أسباب اختيار النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام لها كمركز لإقامة دولته.

وظل الهدف الأسمى لهذه الدولة هو الإنسان في حريته وضمان أمنه الاقتصادي والاجتماعي، واتضح مظهر التفاعل الاجتماعي مع السلطة الدينية بحيث اتخذ أشكالاً مثالية؛ فالطاعة الجماهيرية المنقطعة النظير جاءت كنتيجة لعدالة هذه الدولة ورغبتها في خدمة المجتمع ولم يكن القائد أو من يعينه هو المسؤول الوحيد في الدولة والمجتمع بل إن الفرد أي فرد هو مسؤول بنص الحديث الشريف: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.

والغاية الأخلاقية للدولة لم تكن مستمدة من قانون ارتآه النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام – شخصياً – بل هو تعليم سماوي في قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى} [النجم: 3]، وقوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إنّ الله عزيزٌ حكيمٌ} [التوبة: 71].

المصدر
موقع التاريخ