العلاّمة محمد بن صالح العثيمين

نسبه ومولده
هو صاحب الفضيلة الشيخ العالم المحقق, الفقيه المفسّر, الورع الزاهد، محمد ابن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن آل عثيمين من الوهبة من بني تميم.
ولد في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1347هـ في عنيزة – إحدى مدن القصيم – في المملكة العربية السعودية.

نشأته العلمية
ألحقه والده – رحمه الله تعالى – ليتعلم القرآن الكريم عند جدّه من جهة أمه المعلِّم عبد الرحمن بن سليمان الدامغ – رحمه الله -, ثمَّ تعلَّم الكتابة, وشيئًا من الحساب, والنصوص الأدبية في مدرسة الأستاذ عبدالعزيز بن صالح الدامغ – حفظه الله -, وذلك قبل أن يلتحق بمدرسة المعلِّم علي بن عبد الله الشحيتان – رحمه الله – حيث حفظ القرآن الكريم عنده عن ظهر قلب ولمّا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره بعد.

وبتوجيه من والده – رحمه الله – أقبل على طلب العلم الشرعي، وكان فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – يدرِّس العلوم الشرعية والعربية في الجامع الكبير بعنيزة, وقد رتَّب اثنين من طلبته الكبار؛ لتدريس المبتدئين من الطلبة, فانضم الشيخ إلى حلقة الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع ـ رحمه الله ـ حتى أدرك من العلم في التوحيد, والفقه, والنحو ما أدرك.

ولقد انتفع – خلال السنتين اللّتين انتظم فيهما في معهد الرياض العلمي – بالعلماء الذين كانوا يدرِّسون فيه حينذاك ومنهم: العلامة المفسِّر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي, والشيخ الفقيه عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد, والشيخ المحدِّث عبد الرحمن الإفريقي – رحمهم الله تعالى-.
وفي أثناء ذلك اتصل بسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله -, فقرأ عليه في المسجد من صحيح البخاري ومن رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية, وانتفع به في علم الحديث والنظر في آراء فقهاء المذاهب والمقارنة بينها, ويُعدُّ سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – هو شيخه الثاني في التحصيل والتأثُّر به.

ثم عاد إلى عنيزة عام 1374هـ وصار يَدرُسُ على شيخه العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي, ويتابع دراسته انتسابًا في كلية الشريعة, التي أصبحت جزءًا من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة, حتى نال الشهادة العالية.

تدريسه
توسَّم فيه شيخه النّجابة وسرعة التحصيل العلمي فشجّعه على التدريس وهو ما زال طالبًا في حلقته, فبدأ التدريس عام 1370هـ في الجامع الكبير بعنيزة. ولمّا تخرَّج من المعهد العلمي في الرياض عُيِّن مدرِّسًا في المعهد العلمي بعنيزة عام 1374هـ.

ولما كثر الطلبة, وصارت المكتبة لا تكفيهم؛ بدأ فضيلة الشيخ – رحمه الله – يدرِّس في المسجد الجامع نفسه, واجتمع إليه الطلاب وتوافدوا من المملكة وغيرها حتى كانوا يبلغون المئات في بعض الدروس, وهؤلاء يدرسون دراسة تحصيل جاد, لا لمجرد الاستماع, وبقي على ذلك, إمامًا وخطيبًا ومدرسًا, حتى وفاته – رحمه الله تعالى -.

بقي الشيخ مدرِّسًا في المعهد العلمي من عام 1374هـ إلى عام 1398هـ عندما انتقل إلى التدريس في كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, وظل أستاذًا فيها حتى وفاته- رحمه الله تعالى -.

وكان يدرِّس في المسجد الحرام والمسجد النبوي في مواسم الحج ورمضان والإجازات الصيفية منذ عام 1402هـ , حتى وفاته – رحمه الله تعالى-.

وللشيخ – رحمه الله – أسلوب تعليمي فريد في جودته ونجاحه, فهو يناقش طلابه ويتقبل أسئلتهم, ويُلقي الدروس والمحاضرات بهمَّة عالية ونفسٍ مطمئنة واثقة, مبتهجًا بنشره للعلم وتقريبه إلى الناس.

آثاره العلمية
ظهرت جهوده العظيمة – رحمه الله تعالى – خلال أكثر من خمسين عامًا من العطاء والبذل في نشر العلم والتدريس والوعظ والإرشاد والتوجيه وإلقاء المحاضرات والدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى -. ولقد اهتم بالتأليف وتحرير الفتاوى والأجوبة التي تميَّزت بالتأصيل العلمي الرصين, وصدرت له العشرات من الكتب والرسائل والمحاضرات والفتاوى والخطب واللقاءات والمقالات, كما صدر له آلاف الساعات الصوتية التي سجلت محاضراته وخطبه ولقاءاته وبرامجه الإذاعية ودروسه العلمية في تفسير القرآن الكريم والشروحات المتميزة للحديث الشريف والسيرة النبوية والمتون والمنظومات في العلوم الشرعية والنحوية.

وللشيخ – رحمه الله – أعمال عديدة في ميادين الخير وأبواب البرّ ومجالات الإحسان إلى الناس, والسعي في حوائجهم وكتابة الوثائق والعقود بينهم, وإسداء النصيحة لهم بصدق وإخلاص.
وفاتـه

تُوفي – رحمه الله – في مدينة جدّة قبيل مغرب يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال عام 1421هـ, وصُلِّي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة عصر يوم الخميس, ثم شيّعته تلك الآلاف من المصلّين والحشود العظيمة في مشاهد مؤثرة, ودفن في مكة المكرمة.
وبعد صلاة الجمعة من اليوم التالي صُلِّي عليه صلاة الغائب في جميع مدن المملكة العربية السعودية.

رحم الله شيخنا رحمة الأبرار, وأسكنه فسيح جناته, ومَنَّ عليه بمغفرته ورضوانه, وجزاه عما قدّم للإسلام والمسلمين خيرًا.

المصدر
موقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين

عمرو بن العاص – رضي الله عنه

كان عمـرو بن العاص أحد ثلاثة في قريش أتعبوا الرسـول -صلى الله عليه وسلم- بعنف مقاومتهم وإيذائهم لأصحابه، وراح الرسول يدعو عليهم ويبتهل لينزل العقاب بهم فنزل الوحي بقوله تعالى: ” لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ مِنْ شيء أوْ يتوبَ عليهم أو يُعَذِّبهم فإنهم ظالمون ” وكـف الرسول الكريم عن الدعاء عليهم وترك أمرهـم الى الله، واختار اللـه لعمرو بن العاص طريق التوبة والرحمة، فأسلم وأصبح مسلم مناضل وقائد فذ.

إسلامه
أسلم عمرو بن العاص -رضي الله عنه- مع (خالد بن الوليد) قُبيل فتح مكة بقليل {شهر صفر سنة ثمان للهجرة} وبدأ إسلامه على يد النجاشي بالحبشة ففي زيارته الأخيرة للحبشة جاء ذكر النبي الجديد ودعوته وما يدعو له من مكارم الأخلاق، وسأل النجاشي عمرا كيف لم يؤمن به ويتبعه وهو رسول الله حقاً، فسأل عمرو النجاشي: {أهو كذلك ؟}، وأجابه النجاشي: {نعم، فأطِعْني يا عمرو واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، ولَيَظْهرنّ على من خالفه}.
وركب عمرو من فوره عائدا لبلاده ومتجها الى المدينة ليسلم لله رب العالمين، وفي طريق المدينة التقى {خالد بن الوليد} الساعي الى الرسول ليعلن إسلامه أيضا، وما كاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يراهم حتى تهلل وجهه و قال لأصحابه: {لقد رَمَتْكم مكة بفَلَذات أكبادها}.

وتقدم خالد فبايع، وتقدم عمرو فقال: {إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي}. فأجابه الرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم-: {يا عمرو بايع. فإن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله}. وبايع عمرو ووضع كل ما يملك في خدمة الدين الجديد.

مُحَرِّر مِصْر
كانت مصر من أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية، وقد استغل الروم ثرواتها وحرموا منها السكان واستباحوا أهلها حتى أصبح الناس في ضيق لأن الروم فرضوا عليهم مذهبهم الديني قسرا، فلما بلغ المصريون أنباء الفتوحات الإسلامية وعدالة المسلمين وسماحتهم تطلعت أنظارهم إليهم لتخليصهم مما هم فيه،واتجه عمرو بن العاص سنة (18 هجري) على رأس جيش من أربعة آلاف مقاتل متجها الى مصر، وأمام شدة المقاومة طلب عمرو المدد من أمير المؤمنين فأرسل إليه أربعة آلاف جندي وتقدّم المسلمون وحاصروا حصن بابليون لمدة سبعة أشهر وتمكنوا من فتحه.
ثم اتجهوا الى الإسكندرية فوجدوا مقاومة من حاميتها فامتد حصارها الى أربعة أشهر وأخيرا فتحت الإسكندرية وعقدت معاهدة الإسكندرية، ولقد كان -رضي الله عنه- حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة، ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان.

حُبِّ الإمارة
مما امتاز به عمرو بن العاص حُبّه للإمارة، فشكله الخارجي ومشيته وحديثه كلها تدل على أنه خُلِق للإمارة، حتى أن في أحد الأيام رآه أمير المؤمنين عمر وهو مقبل فابتسم لِمَشْيَته وقال: {ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا}.

والحق أن عمرو لم يُبْخِس نفسه هذا الحق، فمع كل الأحداث الخطرة التي اجتاحت المسلمين، كان عمرو يتعامل معها بأسلوب أمير معه من الذكاء والدهاء ما يجعله واثقا بنفسه مُعْتَزا بتفوقه، وقد أولاه عمر بن الخطاب ولاية فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين، وعندما علم ابن الخطاب أن عمراً قد اجتاز حد الرخاء في معيشته أرسل إليه (محمد بن مَسْلمة) وأمره أن يقاسم عمراً جميع أمواله وأشيائه، فيبقى له نصفها ويحمل معه الى بيت مال المسلمين بالمدينة النصف الآخر، ولو علم أمير المؤمنين عمر أن حب عمرو للإمارة سيحمله على التفريط في مسئولياته لما أبقاه في الولاية لحظة واحدة.

وفاته
في السنة الثالثة والأربعين من الهجرة، أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر حيث كان واليا عليها، وراح يستعرض في لحظات الرحيل حياته فقال: {كنت أول أمري كافرا، وكنت أشد الناس على رسول الله، فلو مِتّ يومئذ لوجَبَت لي النار، ثم بايعت رسول الله، فما كان في الناس أحد أحبّ إلي منه، ولا أجلّ في عيني منه، ولو سُئِلْتُ أن أنْعَتَه ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له، فلو مِتّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم بُليت بعد ذلك بالسلطان، وبأشياء لا أدري أهي لي أم عليّ}.

المصدر
موقع شبكة منهاج السنة

عمر بن عبد العزيز – خامس الخلفاء الراشدين

هو عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي إمام عادل وخليفة باذل حكم فعدل وقدر فما جهل؛ جمع الله له بين العلم والعمل والزهد، ولد في سنة إحدى وستين وأمه هي ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. دخل وهو غلام صغير اصطبل أبيه فضربه فرس فشج جبهته! فجعل أبوه يمسح عنه الدم ويقول: “إن كنت أشج بني أمية إنك إذن لسعيد”.

وقد جاء عن عمر بن الخطاب قوله: “إن من ولدي رجلاً بوجهه شتر يملأ الأرض عدلاً”، وقال ابن عمر: “ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً”.

كانت أول ولاية لعمر بن عبدالعزيز على دير سمعان من أعمال حلب وعمره وقتئذ عشرون، ثم ولي إمرة المدينة ثم ضم إليه ولاية الطائف ومكة فاصبح أميرًا على الحجاز ففرح الناس بولايته فرحًا شديدًا وكان له عشرة فقهاء من أهل مشورته.

أقدمه عبدالملك بن مروان عليه في دمشق وزوجه بابنته فاطمة ولي الخلافة بعد سليمان بن عبدالملك بمشورة من رجاء بن حيوة في قصة لولا الإطالة لسقتها، بدأ أمره بحادثة تدل على زهده فبعد وفاة سليمان وقراءة عهده لعمر بن عبدالعزيز قام فصلى عليه فلما فرغ من دفنه أتي بمراكب الخلافة فقال: “دابتي أرفق بي”؛ فركب بغلته ثم توجهوا به إلى فسطاط الخلافة فقال: “هذا فيه عيال سليمان وفي فسطاطي كفاية” قال الليث: “بدأ عمر بن عبدالعزيز بأهل بيته فأخذ ما بأيديهم وسمى أموالهم مظالم”.

وقد كان الظلم والجور قد ضرب بعطن حتى كان عمر يقول: “عبدالملك بالشام والحجاج في العراق ومحمد بن يوسف باليمن وعثمان بن حيان بالحجاز ومرة بن شريك بمصر ملئت الأرض ظلمًا وجورًا”. وقال الذهبي عنه: “كان ناطقا بالحق مع قلة المعين عليه وكثرة الأمراء الظلمة الذين كرهوا محاققته وأخذه كثيرا ممافي أيديهم مما أخذوه بغير حق”.

ومع ذلك نحسبه صدق الله في إصلاحه فعلم الله منه صدق النية فأعانه بعونه وتوفيقه وليست الأفعال كالدعاوى. وقد أثمر هذا العمل بركة وسعة للمسلمين وقد كان الرجل يطوف بزكاته مما فرضه الله عليه في سكك الخلافة مترامية الأطراف من سفوح جيان في إسبانيا غربًا إلى كاشغر الصين شرقًا ومن سيبيريا من أرض الترك شمالاً إلى عدن في اليمن جنوباً فما يجد من يقبل الزكاة منه.

فزوج من أراد الزواج ذكراناً وإناثاً وفك أسرى المسلمين ووضعت المكوس عن الناس وخفف عن أهل الذمة الجزية بل وسدد دينهم بعد سداد ديون المسلمين وأطلق المساجين من السجون بعد أن ضجت بها جنباتها ظلمًا وعدواناً وكان رحمه الله لايسجن فوق ثلاث فإما أن يقيم عليه الحكم أو يطلقه.

قال عمر بن أسيد: “والله ما مات عمر بن عبدالعزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله؛ قد أغنى عمر الناس”.

أرسل له بعض عماله: “إن أهل الذمة قد أسرعوا في الإسلام خشية الجزية! فرد عليه: إن الله تعالى بعث محمداً داعياً ولم يبعثه جابياً؛ فإذا وصلك كتابي فأقبل ثم عزله”.

ومع أنه أغنى الناس إلا أنه عاش كفافًا قال لامرإته يومًا: “أعندك درهم أشتري به عنباً؟” قالت: “لا”. ثم قالت: “أنت أمير المؤمنين ولاتقدر على درهم” قال: “هذا أهون من معالجة الأغلال في جهنم”، ودخلت عليه زوجته فاطمة يوما وهو في مصلاه يبكي فقالت: “يا أمير المؤمنين ألشيء حدث؟” قال: “يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري المجهود والمظلوم المقهور والغريب المأسور وذي العيال في أقطار الأرض فعلمت أن ربي سيسألني عنهم وأن خصمي دونهم محمد فخشيت ألا تثبت لي حجة عند الخصومة فرحمت نفسي فبكيت” هكذا فلتكن المحاسبة لامن تسيد أمر الأمة فتوسد المال والجاه ونام عن شكاتها.

قال الذهبي عنه: “كان إمامًا فقيهًا مجتهدًا عارفاً بالسنن حافظًا قانتًا لله أواهاً منيبًا يعد في حسن السيرة والقيام مع جده لأمه عمر بن الخطاب”.

مرت أيامه رحمه الله كطيف الوسنان وغفوة النعسان كأنها لم تكن حيث ناشته يد الغدر كحال العظماء الذين لايقدر عليهم إلا الداني من البشر خسة وضعة حيث سقاه أحد غلمانه سمًا فلما استقر في أحشائه وعلم به وبمن سقاه دعى الغلام فقال له: “ويحك ما حملك على هذا؟” قال: “ألف دينًا وأن أعتق” فقال له عمر: “هاتها”، فجاء بها، فألقاها عمر في بيت المال وقال للغلام: “اذهب حيث لايراك أحد” رحمه الله، رحم حتى قاتله أن يقتل به لأجل العتق.

ولما غشيه الموت قال: “أجلسوني فأجلسوه” فقال: “رباه أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن لا إله إلا الله” ثم أحد النظر فقال: “إني أرى حضرة ما هم بإنس ولاجن” فأمر من عنده فانصرفوا فسمع وراء الباب يقرأ {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] ففاضت روحه الطاهرة إلى رب كريم قد أقام العدل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورفع عنهم الظلم والجور وأقام الحجة على من يلي بعده شأن الخلافة فضلاً عما دونها.

ورحم الله الإمام الذهبي إذ يقول عن عمر بن عبدالعزيز: “وأجد قلبي منشرحًا للشهادة لعمر بن عبدالعزيز أنه من أهل الجنة”.

المصدر
موقع طريق الإسلام

وفاة النبي الخاتم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم

توفي النبي صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة في يوم لم ير في تاريخ الإسلام أظلم منه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد تحدث أنس بن مالك عن ذلك اليوم فقال: بينما هم في صلاة الفجر من يوم الإثنين وأبو بكر يصلي بهم لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، فقال أنس وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم، فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر. (رواه البخاري).

هذا ولم يأت على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة أخرى بل بدأ الاحتضار، فأسندته عائشة إليها وكانت تقول رضي الله عنها: إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عبد الرحمن -ابن أبي بكر- وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك، فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته. (رواه البخاري).

وما أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من السواك حتى رفع يده أو إصبعه وشخص بصره نحو السقف وتحركت شفتاه فأصغت إليه عائشة وهو يقول: مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى. كرر الكلمة الأخيرة ثلاثاً، ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى، إنا لله وإنا إليه راجعون.

وقد اختلف العلماء في تحديد تاريخ اليوم الذي توفي فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ قال ابن حجر: وكانت وفاته يوم الاثنين بلا خلاف من ربيع الأول، وكاد يكون إجماعًا، لكن في حديث ابن مسعود عند البزار في حادي عشر رمضان. ثم عند ابن إسحاق والجمهور أنها في الثاني عشر منه، وعند موسى بن عقبة، والليث، والخوارزمي، وابن زبر، مات لهلال ربيع الأول، وعند أبي مخنف والكلبي في ثانيه، ورجحه السهيلي. (من فتح الباري).

المصدر
إسلام ويب

التعريف بخاتم الأنبياء محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم – الجزء الرابع

فضله صلى الله عليه وسلم
قال صلى الله عليه وسلم: “أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس كافة” [متفق عليه]. وعند مسلم: “أنا أول الناس يشفع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة”. وفي رواية: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشقُّ عنه القبر، وأول شافع وأول مُشفع”.

عبادته ومعيشته صلى الله عليه وسلم
قالت عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه، فقيل له في ذلك، فقال: “أفلا أكون عبداً شكوراً” [متفق عليه]، وقالت: وكان مضجعه الذي ينام عليه في الليل من أَدَمَ محشوّاً ليفاً!! وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظلُّ اليوم يَلتَوي ما يجد دِقْلاً يملأ بطنه – والدقل ردئ التمر-!! ما ضره من الدنيا ما فات وهو سيد الأحياء والأموات، فالحمد لله الذي جعلنا من أمته، ووفقنا الله لطاعته، وحشرنا على كتابه وسنته آمين، آمين.

من أهم الأحداث
• الإسراء والمعراج: وكان قبل الهجرة بثلاث سنين وفيه فرضت الصلاة.
• السنة الأولى: الهجرة – بناء المسجد – الانطلاق نحو تأسيس الدولة – فرض الزكاة.
• السنة الثانية: غزوة بدر الكبرى وفيها أعز الله المؤمنين ونصرهم على عدوهم.
• السنة الثالثة: غزوة أحد وفيها حدثت الهزيمة بسبب مخالفة تعليمات النبي صلى الله عليه وسلم ونظر الجنود إلى الغنائم.
• السنة الرابعة: غزوة بني النضير وفيها أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير عن المدينة لأنهم نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين.
• السنة الخامسة: غزوة بني المصطلق وغزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة.
• السنة السادسة: صلح الحديبية، وفي هذه السنة حُرّمت الخمر تحريماً قاطعاً.
• السنة السابعة: غزوة خيبر، وفي هذه السنة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مكة واعتمروا، وفيها أيضاً تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حُيَيّ.
• السنة الثامنة: غزوة مؤتة بين المسلمين والروم، وفتح مكة وغزوة حُنين ضد قبائل هوازن وثقيف.
• السنة التاسعة: غزوة تبوك وهي آخر غزواته صلى الله عليه وسلم ، وفي هذه السنة قدمت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وسمي هذا العام عام الوفود.
• السنة العاشرة: حجة الوداع، و حج فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة ألف مسلم.
• السنة الحادية عشرة: وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول مع اختلاف في تحديد هذا اليوم من الشهر. وتوفي صلى الله عليه وسلم وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون سنة قبل النبوة، وثلاث وعشرون سنة نبياً رسولاً، منها ثلاث عشرة سنة في مكة، وعشر سنين بالمدينة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

المصدر
موقع قصة الإسلام

التعريف بخاتم الأنبياء محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم – الجزء الثالث

رحمته صلى الله عليه وسلم بقومه
لما اشتد الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام، فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى، ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، فقرر صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى مكة. فلما وصل قرن الثعالب، رفع رأسه فإذا سحابة فيها جبريل عليه السلام، فناداه فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداه ملك الجبال، قائلاً: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال صلى الله عليه وسلم: “بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً”.
وكان صلى الله عليه وسلم يخرج كل موسم، فيعرض نفسه على القبائل ويقول: من يؤويني؟ من ينصرني؟ فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي!”.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر فدعاهم فأسلموا، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم، حتى فشا الإسلام فيهم، ثم كانت بيعة العقبة الأولى والثانية، وكانت سراً، فلما تمت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا.

هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر إلى المدينة فتوجه إلى غار ثور، فأقاما فيه ثلاثاً، وعني أمرهم على قريش، ثم دخل المدينة فتلقاه أهلها بالرحب والسعة، فبنى فيها مسجده ومنزله.

غزواته صلى الله عليه وسلم
يقول ابن عباس رضي الله عنه: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون، لَيهَلِكُنَّ، فأنزل الله عز وجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج:39]. وهي أول آية نزلت في القتال. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً وعشرين غزاة، قاتل منها في تسع: بدر، وأحد، والريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وبعثَ ستاً وخمسين سرية.

حج النبي صلى الله عليه وسلم واعتماره
لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع. فالأولى عمرة الحديبية التي صدّه المشركون عنها. والثانية عمرة القضاء، والثالثة عمرة الجعرانة، والرابعة عمرته مع حجته.

أخلاقه صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعاً، وأكرمهم عشرة، قال تعالى: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ} [القلم:4].
وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأعف الناس وأكثرهم تواضعاً، وكان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، يقبل الهدية ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، ولا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه، وكان صلى الله عليه وسلم يأكل ما وجد، ولا يدُّ ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضره، وكان لا يأكل متكئاً ولا على خوان، وكان يمر به الهلال ثم الهلال ثم الهلال، وما يوقد في أبياته صلى الله عليه وسلم نار، وكان صلى الله عليه وسلم يجالس الفقراء والمساكين ويعود المرضى ويمشي في الجنائز.
وكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، ويضحك من غير قهقهة، وكان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، وما زال صلى الله عليه وسلم يلطف بالخلق ويريهم المعجزات، فانشق له القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وحنَّ إليه الجذع، وشكا إليه الجمل، وأخبر بالغيوب فكانت كما قال.

المصدر
موقع قصة الإسلام

التعريف بخاتم الأنبياء محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم – الجزء الثاني

أولاده صلى الله عليه وسلم
كل أولاده صلى الله عليه وسلم من ذكر وأنثى من خديجة بنت خويلد، إلا إبراهيم، فإنه من مارية القبطية التي أهداها له المقوقس.

الذكور من ولده
القاسم وبه كان يُكنى، وعاش أياماً يسيرة، والطاهر والطيب.
وقيل: ولدت له عبدالله في الإسلام فلقب بالطاهر والطيب. أما إبراهيم فولد بالمدينة وعاش عامين غير شهرين ومات قبله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر.

بناته صلى الله عليه وسلم
زينب وهي أكبر بناته، وتزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها، ورقية تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفاطمة تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأنجبت له الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأم كلثوم تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد وفاة رقية رضي الله عنهن جميعاً.

مبعثه صلى الله عليه وسلم
بعث صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فنزل عليه الملك بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وكان إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه وتغيّر وجهه وعرق جبينه.
فلما نزل عليه الملك قال له: اقرأ، قال: لست بقارئ، فغطاه الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم قال له: اقرأ، فقال: لست بقارئ ثلاثاً. ثم قال: {اقْرأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذي خَلَقَ، خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5]. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة رضي الله عنها يرتجف، فأخبرها بما حدث له، فثبتته وقالت: أبشر، وكلا والله لا يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحملُّ الكَلَّ، وتعين على نوائب الدهر.
ثم فتر الوحي، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئاً، فاغتم لذلك واشتاق إلى نزول الوحي، ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسيّ، وثبته، وبشره بأنه رسول الله حقاً، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف منه وذهب إلى خديجة وقال: زملوني. دثروني، فأنزل الله عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّر، وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} [المدثر:1-4].
فأمر الله تعالى في هذه الآيات أن ينذر قومه، ويدعوهم إلى الله، فشمَّر صلى الله عليه وسلم عن ساق التكليف، وقام في طاعة الله أتم قيام، يدعو إلى الله تعالى الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة ممن أراد الله تعالى فوزهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فدخلوا في الإسلام على نور وبصيرة، فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة، وصان الله رسوله وحماه بعمه أبي طالب، فقد كان شريفاً مطاعاً فيهم، نبيلاً بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من محبته له.
وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نزل عليه: {فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر} [الحجر:94]. فأعلن الدعاء. فلما نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف (يا صباحاه!) فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد! فاجتمعوا إليه فقال: “أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي”؟ قالوا ما جربنا عليك كذباً. قال: “فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد”. فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام، فنزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبْ} إلى آخر السورة، [متفق عليه].

صبره صلى الله عليه وسلم على الأذى
لقي صلى الله عليه وسلم الشدائد من قومه وهو صابر محتسب، وأمر أصحابه أن يخرجوا إلى أرض الحبشة فرارًا من الظلم والاضطهاد فخرجوا. وكان صلى الله عليه ويلم يصلي، وسلا جزورٍ قريب منه، فأخذه عقبة بن أبي معيط، فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً، حتى جاءت فاطمة فألقنه عن ظهره، فقال حينئذ: “اللهم عليك بالملأ من قريش”.

وفي أفراد البخاري: أن عقبة بن أبي معيط أخذ يوماً بمنكبه صلى الله عليه وسلم ، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟

المصدر
موقع قصة الإسلام

التعريف بخاتم الأنبياء محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم – الجزء الأول

نسبه صلى الله عليه وسلم
هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وعدنان من ولد إسماعيل عليه السلام.

أسماؤه صلى الله عليه وسلم
محمد، أحمد، الماحي الذي يمحو الله به الكفر، الحاشر الذي يحشر الناس على قدميه، العاقب الذي ليس بعده أحد، المقفي، نبي التوبة، نبي الرحمة.

طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم
ولد صلى الله عليه وسلم من نكاح صحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم”، وحينما سأل هرقل أبا سفيان عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “هو فينا ذو نسب، فقال هرقل: كذلك الرسل تبعث في نسب قومها”.

ولادته صلى الله عليه وسلم
ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، قيل في الثاني منه، وقيل في الثامن، وقيل في العاشر، وقيل في الثاني عشر. قال ابن كثير: والصحيح أنه ولد عام الفيل، وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري وغيره.
وتوفي أبوه صلى الله عليه وسلم وهو حَمْل في بطن أمه، وقيل بعد ولادته بأشهر وقيل بسنة، والمشهور الأول.

رضاعه صلى الله عليه وسلم
أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أياماً، ثم حليمة السعدية، وأقام عندها في بني سعد نحواً من أربع سنين، وشُقَّ عن فؤاده هناك، واستخرج منه حظُّ النفس والشيطان، فردته حليمة إلى أمه إثر ذلك.
ماتت أمه بالأبواء وهو ابن ست سنين، وحضنته أم أيمن وهي مولاته ورثها من أبيه، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر ثماني سنين توفي جده، وأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره وآزره حين بعثه الله أعزّ نصر وأتم مؤازرة مع أنه كان مستمراً على شركه إلى أن مات، فخفف الله بذلك من عذابه.

صيانة الله تعالى له من دنس الجاهلية
لقد صانه الله وحماه منذ صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلقٍ جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، ولما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود، فانتظرو أول من يمر عليهم، فكان هو صلى الله عليه وسلم، فقالوا: جاء الأمين، فأمر بثوبٍ، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع من أحد جوانب الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه صلى الله عليه وسلم.

صفته صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون أي: أبيض بياضاً مشرباً بحمرة، أشعر، أدعج العينين، أي: شديد سوادهما، أجرد أي: لا يغطي الشعر صدره وبطنه، ذو مَسرُبه، أي: له شعر يكون في وسط الصدر والبطن.

زواجه صلى الله عليه وسلم
تزوجته خديجة وله خمس وعشرون سنة، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت، ثم تزوج سودة بنت زمعة، ثم عائشة، ولم يتزوج بكراً غيرها، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب، ثم زينب بنت خزيمة، ثم أم سلمة، ثم زينب بنت جحش، ثم جويرية بنت الحارث، ثم أم حبيبة، ثم صفية بنت حييّ بن أخطب، ثم ميمونة بنت الحارث.

المصدر
موقع قصة الإسلام

غدر اليهود ونقضهم العهود مع الرسول

لما انتصر المسلمون في غزوة بدر، اغتاظ اليهود في المدينة بشدّة، فكان يهود بني قينقاع يسخرون من المسلمين، ويقللون من شأن انتصارهم يوم بدر، وقام شاعرهم كعب بن الأشرف بحملة عدائية ضد المسلمين، وأخذ يبكي بشعره قتلى بدر من المشركين، ويحرض قريشًا على الأخذ بثأرها، ومحو عار هزيمتها.

وتمادى يهود بنو قينقاع في شرهم، فاعتدوا على امرأة مسلمة، دخلت سوقهم لتبيع مصاغًا لها، فأحاط بها عدد من اليهود وآذوها، وطلبوا منها أن تكشف عن وجهها، فأبت، فعقد الصائغ ثوبها إلى ظهرها وهي لا تشعر، فلما قامت تكشفت فضحكوا عليها، فصاحت واستغاثت.

فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، فتجمع اليهود على المسلم فقتلوه، فلم يجد رسول الله عليه الصلاة والسلام بدًّا من غزو هؤلاء الخائنين، وقد نقضوا العهد الذي بينه وبينهم بهذه الفعلة النكراء، فحاصرهم خمس عشرة ليلة، ثم فكّ الحصار عنهم وأجلاهم عن المدينة بعد أن أخذ أسلحتهم، فارتحلوا مخذولين إلى حدود بلاد الشام.

ولم يتعظ من بقي من قبائل اليهود بما حدث لإخوانهم من بني قينقاع، وراحوا يمارسون هوايتهم وطبعهم في المكر ونسج المؤامرات، وازدادت جرأتهم بعد غزوة أحد، حتى وصل بهم الأمر أن خططوا لمؤامرة تهدف إلى التخلص من النبي عليه الصلاة والسلام.

وذلك عندما خرج إليهم النبي عليه الصلاة والسلام يطلب من يهود بني النضير مساعدته في دفع دية رجلين قتلهما أحد المسلمين خطأً، وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة التي بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام ، فتظاهروا بالموافقة، لكنهم بيّتوا الشر، وطلبوا من النبي عليه الصلاة والسلام أن يجلس بجوار جدار أحد بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا، وخلا بعضهم إلى بعض، واتفقوا على أن يلقى أحدهم صخرة كبيرة على النبي عليه الصلاة والسلام من فوق ذلك البيت فتقتله.

فنزل جبريل-عليه السلام- من عند رب العالمين، وأخبره بما هَمَّ به أولئك الخبثاء من غدر، فقام النبي عليه الصلاة والسلام مسرعًا، وتوجه نحو المدينة، ولحقه من كان معه من أصحابه، وعندما تأكد للنبي عليه الصلاة والسلام إصرار هؤلاء اليهود على الغدر، وتآمرهم وحقدهم على الإسلام، اتخذ قراره بإجلائهم عن المدينة.

ولقد شن اليهود على رسول الله عليه الصلاة والسلام قديمًا وحديثًا حملات إعلامية لتشويه صورته، وتنفير الناس منه ومن دينه ودعوته؛ لشعورهم بخطورة هذا الدين على مصالحهم، وعلى عقيدتهم المنحرفة القائمة على الاستعلاء واحتقار الناس عدا الجنس اليهودي.

فقد جاء رسول الله عليه الصلاة والسلام ينادي بعقيدة التوحيد وهم يقولون: عزير ابن الله، وجاء ينادي بالمساواة وهم يرون أنهم شعب الله المختار، ومن ثَمّ كثرت مواقفهم ومؤامراتهم الخبيثة؛ لمحاولة قتل النبي عليه الصلاة والسلام ، والقضاء على الإسلام في مهده الأول في المدينة المنورة.

هذه المؤامرات تتكرر بين الحين والحين، وتتغير أشكالها بتغير الزمان والمكان، لكنها لا تتوقف، ولن تتوقف، فقد أوضح الله تعالى للمسلمين أن عداوة اليهود لهم أبدية، لا تقبل التغيير، ولا تتحول إلى المسالمة والمحبة إلا إذا ارتد المسلمون عن دينهم، فقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

هكذا شأن اليهود، فالعداوة للحق متأصلة فيهم يتوارثونها كابرًا عن كابر، فهم قتلة الأنبياء وأعداء الرسل وأعداء أتباعهم في كل عصر وفي كل مِصر.

إن مواقف اليهود الخبيثة والحاقدة على الإسلام وعلى رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة كثيرة، وليس هذا حصرًا لها بقدر ما هو إشارة إلى بعض منها؛ للاستفادة منها في واقعنا.. فعلى المسلمين أن يتنبهوا لمؤامرات اليهود وغيرهم، وأن يقفوا يدًا واحدة أمام أطماعهم ومؤامراتهم.

المصدر
موقع التاريخ

اليهود ومؤامراتهم في المدينة

إن عداوة اليهود للنبي عليه الصلاة والسلام لا عجب فيها، فحالهم مع أنبيائهم، فريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون، ومن ثَمّ لا غرابة أن يكذبوا ويعادوا ويتطاولوا على رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل ويحاولوا قتله.

أما مواقفهم ومؤامراتهم على النبي عليه الصلاة والسلام وعلى المسلمين في المدينة فكثيرة، نشير إلى بعضها للاستفادة منها في واقعنا.

إساءة الأدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام
كان اليهود يسيئون الأدب مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في حضرته وأثناء خطابه، فكانوا يحيونه بتحية، في باطنها الأذى والحقد عليه عليه الصلاة والسلام ؛ مما يدل على خبثهم وسوء أخلاقهم وبغضهم الشديد لرسول الله عليه الصلاة والسلام .

عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: (جاء ناس من اليهود إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالوا: السَّامُ (الموت) عليك يا أبا القاسم. فقلت: السام عليكم، وفعل الله بكم. فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : «مه يا عائشة؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش».

فقلت: يا رسول الله، ترى ما يقولون؟ فقال: «ألست تريني أرد عليهم ما يقولون وأقول: وعليكم» (رواه البخاري). قالت: فنزلت هذه الآية في ذلك، وهي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة: 8].

تفكيك الجبهة الداخلية للمسلمين
ولقد حاول اليهود-كعادتهم- تصديع وتفكيك الجبهة الداخلية للمسلمين، فهذه إحدى وسائلهم الخبيثة-قديمًا وحديثًا- في حرب الإسلام، وذلك بإثارة الفتن الداخلية، والشعارات الجاهلية، والدعوات القومية والقبلية، والسعي بالدسيسة للوقيعة بين المسلمين.

روى الطبري في تفسيره: أن شاس بن قيس اليهودي، كان عظيم الكفر شديد العداوة للمسلمين، مرّ يومًا على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس يتحدثون، فغاظه ذلك حيث تآلفوا واجتمعوا بعد العداوة، فأمر شابًّا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكّرهم يوم بُعاث، وينشدهم ما قيل فيه من الأشعار، وكان يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس، ففعل، فتشاجر القوم وتنازعوا، وقالوا: السلاح السلاح!

فبلغ النبي عليه الصلاة والسلام ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار، فقال: «أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، وألف بينكم».

فعرف القوم أنه نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فما كان يوم أقبح أولاً وأحسن آخرًا من ذلك اليوم، وأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 99].
ومن خلال هذا الموقف نرى قدرة النبي عليه الصلاة والسلام على إفشال مخطط اليهود الهادف لتفتيت وحدة الصف، وكذلك اهتمامه عليه الصلاة والسلام بأمور المسلمين وإشفاقه عليهم، وفزعه مما يصيبهم من الفتن والمصائب، فقد أسرع إلى الأنصار وذكّرهم بالله، وبيّن لهم أن ما أقدموا عليه من أمر الجاهلية.

وذكّرهم بالإسلام وما أكرمهم الله به من القضاء على الخلاف، وتطهير النفوس من الضغائن، وتأليف القلوب بالإيمان، فمسحت كلماته عليه الصلاة والسلام كل أثر لأمر الجاهلية-بفضل الله تعالى-، فأدركوا أن ما وقعوا فيه كان من وساوس الشيطان وكيد عدوهم من اليهود، فبكوا ندمًا على ما وقعوا فيه وتعانقوا؛ تعبيرًا على وحدتهم ومحبتهم الإيمانية لبعضهم.

المصدر
موقع التاريخ