تبوك آخر الغزوات وأول الفتوحات – الجزء الثالث

الحوار أكثر من القتال
ولعل الصلح مع دومة الجندل يؤشر إلى ما توخاه الرسول من غزوته التي بدا أنها ترمي إلى تحقيق مصالحات مماثلة، تؤمن له الاستقطاب، عبر الحوار أكثر من القتال، لعدد من القبائل، فإن لم تنخرط في دعوته، اكتنهت بعض قيمها، آخذًا في الاعتبار ما يجمعها من جذور مشتركة مع المسلمين. وفي ضوء ذلك كانت تبوك نقطة انطلاق إلى رؤساء القبائل العربية من حولها، حيث وجّه كتبه الداعية إلى نبذ عبادة الأصنام والانضواء في عقيدة قومهم. كما كان لنزوله في تبوك صدى لدى التجمعات القبلية القريبة منها، فما لبث أن قدم إليه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة (على ساحل بحر القلزم)، فصالحه الرسول على أن يؤدي الجزية، وذلك مقابل عهد «بألا يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقًا يريدونه..» حسب رواية الواقدي.

وعلى نحو ما نهج عليه الرسول في دومة وأيلة، عقد صلحًا مع تيماء (على ثماني مراحل من المدينة)، وجرباء وأذرح (قريتان في الشام)، ومقنا (قرب أيلة)، وفاق عهد بالأمان على أنفسهم وتجاراتهم، مقابل الجزية، استنادًا إلى رواية الواقدي الذي توسع في تفاصيل هذه العهود، مضيفًا في هذا السياق أن «نفرًا من بني سعد قدموا على الرسول (في مقره)، وكانوا يعانون شح بئرهم وقد اشتد عليهم القيظ، فطلبوا أن يدعو لهم في بئرهم».

ولعل ما يمكن استخلاصه من ذلك، أحد أمرين: إما أن بني سعد كانوا على عقيدة الإسلام، وإما أنهم تأثروا بالأفكار التي تداعت إليهم خلال مقام الرسول في تبوك، وتواصله الحواري مع القبائل المنتشرة حول الأخيرة، مما يرجح بأن ثمة تغيرًا بدأ يسود المنطقة، أو على الأقل بدأت ترهص به، من خلال احتكاكها بالسرايا السالفة، حيث راكمت حضورًا ما للإسلام. فجاءت غزوة تبوك تعمق هذا الحضور لدى القبائل التخومية، المبهورة حينذاك بشخصية الرسول، وقد رأت فيه من سمو الخلق وارتقاء السلوك القيمي، ما لم تعهد مثلهما من قبل.

ولعل ما يمكن استنتاجه من هذه المعاهدات، أن الرسول بعد فتح مكة، أصبح في موقع المبادر الذي يُمسك بزمام التوقيت، فضلاً عن تعزيز قوته العسكرية، مقارنةً بما كانت عليه إبان سرية مؤتة، التي ظلت في هواجسه، وما برحت تستثيره ذكرياتها، لاسيما المتصلة بالشهداء الثلاثة الكبار الذين سقطوا على أرضها. ومن هذا المنظور كانت تبوك في صميم سياساته الشامية، التي عبّرت عنها سرية مؤتة بصورة غير مألوفة في السرايا ذات الأهداف المحدودة في هذا الاتجاه. وإذا كان الرسول قد تجنب الاقتراب من المنطقة التي انتهت إليها السرية السالفة، حيث احتشدت القبائل المعادية في البلقاء، فإن مؤتة لم تغب عن باله وهو في آخر أيامه، عندما جهّز «بعث أسامة» في السنة الحادية عشرة للهجرة، وأوصى الأخير، كما في مروية ابن سعد قائلا: «سر إلى موضع مقتل أبيك (زيد بن حارثة)، فأوطئهم الخيل، فقد ولّيتك هذا الجيش».

غزوة التحديات
والسؤال الآن، هل كانت تبوك ردة فعل على مؤتة، أو مجرد ثأر لشهدائها، كما يبدو في الوصية السالفة؟ وإن صح ذلك، فلا يتعدى جزءًا من الحقيقة وليس كلها، كما أن بعث أسامة لن يكون دقيقًا تقويمه، إلا في سياق المشروع السياسي التوسعي في اتجاه الشام. وما جاء في الوصية إنما يندرج في التحريض على المستوى الشخصي، بما يشكل دفعًا لهذا المشروع واستمرارًا له، كذلك رسالة لمن بعده، بإعطاء الأولوية للشام في سياسات خلفائه.

وهكذا، في غمرة التحولات على جبهة الحجاز وكانت غزوة تبوك استجابة لتحديات ما انفك الرسول منذ العام الهجري السادس، يخوض مواجهة معها. ولم يكن حينئذ ليغامر بذلك العدد الكبير من المسلمين، من دون رصد الأحوال في الشام، مختارًا الوقت والمكان المناسبين. ولذلك سلك طريقًا لا تأخذ به إلى صدام مسلح مع القبائل، أو مع البيزنطيين في تمركزهم البعيد، إذ قرأ جيدًا أبعاد المهمة التي كانت واضحة الهدف، وضوح النتائج التي انتهت إليها. وقد تكون القبائل، حتى المرابطة في البلقاء، تجنبت بدورها الصدام مع الغزوة، بعدما تصادى في وعيها شيء من فكر الإسلام، القادم من بيئة عربية، وربما وجدت فيها ذاتها المصادرة في ظل الحكم البيزنطي.

وقد لا نبتعد عن الحقيقة في قراءتنا لغزوة تبوك بأنها الإطلاقة الأولى لحركة الفتوح الشامية، إذ كانت الهالة التي أحطيت بها، وما أسفرت عنه من تداعيات إيجابية لدى بعض القبائل العربية، قد أرست تراثًا استلهمه الخليفة الأول وأصحابه، ممن شاركوا في الغزوة، متابعين المسيرة دون تهيّب وغير عابئين بمعادلة توازن القوى التي طالما اخترقوها في حروبهم الحجازية. ولا نجافي أيضًا الحقيقة، بأن هذه الغزوة، على الرغم من عدم احتكاكها بالبيزنطيين، فإنها أحدثت ثغرة في نظامهم على ساحة الشام، وعرقلت مشروع هرقل الجديد لغرض السيطرة المباشرة على الأخيرة، بعد اختراقها بجرأة الجبهة القبلية التي كان مطمئنًا إلى انخرطها في نفوذه.

ويبقى أن الإمبراطورية البيزنطية، وهي الأساس امتداد شرقي لإمبراطورية الرومان المتهاوية في الغرب، قد بدأ ينال منها الهرم، نتيجة الصراعات المتفاقمة على السلطة، ولم تنقذها هزيمة هرقل للفرس. وفي هذا الوقت كان الإسلام تترسخ جذوره «دولة» فتية، وقضية مضيئة في عقول المسلمين، وخيار النصر أو الشهادة يتبلور إيمانًا ويقينًا في نفوسهم. فلم يجدوا صعوبة في مطالع العهد الراشدي، في دحر البيزنطيين من الشام، بعد معارك مظفرة، سرعان ما ضوت إليها القبائل العربية، سواء المتعاهدة مع الرسول في تبوك، أو تلك المنتشرة في البلقاء والتي كانت هدفًا مباشرًا لبعث أسامة، وحالت وفاة الرسول دون تحقيق المهمة المعقودة عليها.

المصدر
موقع التاريخ

تبوك آخر الغزوات وأول الفتوحات – الجزء الثاني

سرية مؤتة
لعل نكبة المسلمين في ذات أطلاح، حدت بالرسول إلى تعديل خطته في هذا السياق، بتعزيز عديد السرايا الموجهة إلى أرض الشام. وهذا ما يتأكد في سرية مؤتة (السنة الثامنة) التي حشد لها ثلاثة آلاف مقاتل، وعلى رأسهم زيد بن حارثة قائدًا، ومعه جعفر بن أبي طالب، يحل مكانه إذا قُتل، وعبدالله بن رواحة، تئول إليه القيادة إذا ما قتل الثاني. وكان فيها أيضًا قائد أبلى لاحقًا في حروب الردة والفتوح وهو خالد بن الوليد. هذه السرية كان لها صدى واسع في أدبيات المسلمين، إذ هي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد غزوة تبوك.

ولكن بقدر ما كانت أهداف الأخيرة واضحة، كان اللبس، أو كثير منه، يحيط بالأولى، سواء في أهدافها أو تداعياتها، وربما طغى عليها برق القادة الثلاثة الذين استشهدوا في معركة مبهمة. وعلى الرغم من إنقاذ خالد بن الوليد السرية من هزيمة محققة، مُنسحبًا مع المقاتلين في الوقت المناسب، فقد رأى فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم) انتصارًا، على الأقل، في ما حققته من اختراق لمنطقة بعيدة من أرض الشام. وبات لشدة منافحته عن هذه السرية، وكأنه من شهودها، مستبرًا أبعادًا وأهمية نتائجها، حتى إن بعض الإخباريين أدرجوها بين الغزوات التي اصطلح أن تكون بقيادته. وقد تبنى هذا التقييم ابن كثير في وصفه لسرية مؤتة، بأن «هذه الغزوة كانت إرهاصًا لما بعدها من غزو الروم وإرهابًا لأعداء رسول الله».

ومن هذا المنظور نكتنه المغزى البعيد لسرية مؤتة، في أنها لم تنعكس إحباطًا على المدينة أو تعثرًا لمشروع الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وإنما كانت الحافز للاستمرار في النهج، عندما انطلقت مباشرة بعدها حملة ذات السلاسل (على مسافة عشرة أيام من المدينة). ويلتبس الأمر إذا كانت هذه غزوة أو سرية، حيث ترد الأولى في «مغازي» الواقدي، والثانية في «غزوات» ابن سعد، ولكن الراجح، بل المؤكد ما جاء في الأخيرة، بدليل أن الواقدي نفسه روى عن وصول أنبار للرسول، بأن جمعًا من بلي وقضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عمرو بن العاص وبعثه في سراة المهاجرين والأنصار.

ولعل دوافع اختياره له، ارتباطه بصلة قربى مع بلي، مما يعزز الرأي بأن الرسول كان لايزال يجد في قبائل التخوم مدخلاً إلى الشام، دابئًا على محاولة استئلافهم» – كما ورد في سيرة ابن هشام – أو على الأقل استثارة عصبيتهم العربية على حساب ولائهم البيزنطي.

في السنة الثامنة للهجرة، كانت سيادة المدينة تترسخ في الحجاز وعلى تخومه، فارضة نفسها قوة رئيسة في شبه جزيرة العرب، التي أخذت قبائلها، تدريجيًا، تتحلل من ارتباطاتها بقريش التي عانت عزلة بعد صلح الحديبية، ولم تعد تملك ما يكفي من مقومات الصمود. كذلك مكة لم تعد بحاجة إلى عملية عسكرية لتأكيد سقوطها، فقد تم اتفاق حينئذ بين كبير تجارها أبي سفيان، وبين المدينة من خلال الدور الذي تولاه في هذا الصدد، العباس عم الرسول، وكان قد أعلن إسلامه قبيل ذلك، ممهدًا للدخول السلمي إليها، فكانت الحملة التي قادها الرسول أشبه بتظاهرة للإسلام المنتصر على الوثنية. واختصّت مكة بمصطلح جديد هو «الفتح» أو «الفتح المبين» في السياق القرآني، بما يعنيه ذلك من حسم لمصلحة الإسلام في الحجاز.

ولكن مكة لم «تسقط»، حيث انبثقت منها الدعوة، وإليها ينتمي الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمهاجرون، وفيها الكعبة، حيث أقام صرحها النبي إبراهيم، مبشرًا بعقيدته التوحيدية (الحنفية) التي انطلق من جذورها الإسلام، وإنما قريش الوثنية المعادية للرسول ودعوته، سقطت وزال نفوذها، إلا أن الرسول كان متسامحًا معها، واتخذ حاضرتها المركز الروحي للإسلام، فيما المدينة التي آزرته في الشدائد، كانت أكثر مواءمة لتكون المركز السياسي والإداري لدولته الصاعدة.

الحرب الأخيرة
وبفتح مكة دخل الإسلام في منعطف جديد، وكان توحيد القبائل العربية في إطاره ما شغل حينئذ الرسول (صلى الله عليه وسلم)، لاسيما تلك المقيمة في الشام، من دون أن يكون ذلك منفصلاً عن موقفه من البيزنطيين أسياد المنطقة. ولعل في مغازي الواقدي ما يشي بهذه الهواجس، إذ ورد في إحدى مروياته: «كانت أخبار الشام عند المسلمين كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط، فقدمت قادمة، فذكروا أن الروم جمعت جموعًا كبيرة بالشام، وأن «هرقل» قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وعاملة، وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص».

ولعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المقابل لم يكن في ذهنه إعلان الحرب على البيزنطيين، وإن كان هؤلاء في صميم مشروعه، ولكن عندما تكتمل الشروط لفتح هذه الجبهة الصعبة، مع العلم بأنه في الأدبيات المنسوبة له، كان واضحًا فيها أن الهدف المحوري، ليس فقط تحرير القبائل العربية من الهيمنة البيزنطية، وإنما تحرير الشام من هذه الأخيرة، وذلك بما يمهد لانتشار الإسلام، تعبيرًا عن طبيعة الدعوة في نطاقها العالمي. وإذا كان أحد لا يدرك حينئذ ما دار في خلد الرسول، فإن المرويات التاريخية ليست دائمًا مما يحسم مثل هذه المسألة، خصوصًا أنها تواترت شفاهًا لوقت طويل بعد غزوة تبوك، والمؤرخ من خلال شكوكه المشروعة، لا يرى حرجًا في النقد، مستندًا إلى مرجعية يتآزح فيها العقل مع الرواية في مقاربة الحقيقة التاريخية.
لعل البيزنطيين كعادتهم، استخدموا القبائل العربية لصد أي محاولة لاختراق مواقعهم في الشام، إلا أن الرسول وقد اتخذ قراره بصدد ما عرف بغزوة تبوك، بعد فترة تأمل دامت بضعة شهور، لم يتنه عنه ما تناهى إليه عن حشود للقبائل، أو حتى للبيزنطيين. خلافًا لذلك دعا إلى التعبئة العامة في المدينة، كما «بعث إلى قبائل العرب يستنفرهم» حسب رواية ابن سعد، مراعيًا التوقيت المناسب وذلك «في زمان من عسرة الناس وشدة الحر وجدب من البلاد»، وفقًا لما ورد في سيرة ابن هشام.

أما عن عديد الغزوة، فقد توافقت الروايات على أنه بلغ ثلاثين ألفًا وعشرة آلاف فرس، وفي ذلك دلالة على أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ربما كان متحسبًا لصدام مع البيزنطيين، وليس فقط لحشود القبائل في البلقاء. ولكن الأرقام لا تخلو عادة من مبالغات، متسائلين إذا كان في وسع المدينة تجنيد مثل هذه القوة الكبيرة، أو تملك القدرة على مواجهة القبائل والبيزنطيين معًا. بيد أنه من المؤكد أن الغزوة ضمت حشدًا كبيرًا من المسلمين، لا يُقاس عددًا بما حوته الحملات السابقة. وكان ذلك يحتاج إلى تمويل تصدى له عدد من الصحابة، ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة بن عبيدالله من المهاجرين، وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة من الأنصار.
وليس ثمة شك أن التعبئة الواسعة للجهاد، قد أشاعت مناخًا استثار مواجد المسلمين واستفز حماستهم للتضحية، ليس بالمال فحسب، بل بالأنفس التواقة إلى الشهادة في موكب الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فهي غزوة عنوانها الجهاد بما للكلمة من خصوصية في الإسلام. فكان نداء الرسول: «قدّموا القرآن» يتصادى في الآذان، مؤكدًا على المنحى الرسالي للغزوة التي يمكن اعتبارها من هذا المنظور أول «الفتوح» في الإسلام.

والواقع أن الروايات لم تُشر إلى تفاصيل دقيقة عن مسيرة الحملة الكبيرة، سوى ما كان من توسع لدى الواقدي في أحداث أقرب إلى القصص التاريخي، كما لم تأت على ذكر أي تصد لها قبل بلوغ تبوك. وإذا كان من تفسير لذلك، فهذا يعني أنها لم تقترب من مواقع الخطر، وربما استهدفت مواقع قبائل غير متورطة مباشرة في الموقف البيزنطي، وهو ما سيتبين لاحقًا في المعاهدات التي أسفرت الغزوة عنها. ولعل المرويات افتقدت تفاصيل كافية عن مسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى تبوك، إذ كان التركيز على ما بعد نزوله في الأخيرة، كما لم تحدد – شأن السرايا والغزوات السالفة – توقيت وصوله، أو مجال حركته في المنطقة، سوى أنه أقام عشرين ليلة فيها، ما انفك خلالها، موجهًا ومرشدًا، وخطيبًا يتصادى كلامه مع اللحظة التاريخية: «إن أصدق الحديث كتاب الله وأوثق القول كلمة التقوى، وأشرف القتل قتل الشهادة..»، إلى آخر ما ورد في الخطاب – الوصية، متضمنًا أفكارًا قيمية عن المغزى الذي تمثله الحملة في بنيان حركة الإسلام. إلى ذلك، فقد أرسى نواة مسجد أقام الصلاة فيه، وقيل إن آيات من القرآن نزلت عليه في تبوك، وهي تحمل إشارات إلى التحريض على الجهاد والتحذير من المنافقين، ووضع المسلمين بين خياري الغنيمة (بمعنى النصر) والشهادة.

وكان الرسول أثناء مقامه في تبوك قد وجه خالد بن الوليد في أربعمائة فارس إلى دومة الجندل التي سبق لعبدالرحمن بن عوف أن قاد سرية إليها قبل سنوات ثلاث، إلا أن موقف ملكها المسالم حينذاك، أصبح مغايرًا أمام خالد، وما لبث أن خرج مقاتلاً من حصنه، ومعه أخ له يدعى حسان. ولكن لم يطل الوقت حتى استسلم، فيما قُتل أخوه بعد إصراره على الحرب.

وانتهى الأمر – حسب رواية ابن سعد – إلا أن خالدًا أجار الملك (أكيدر) «من القتل حتى يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن يفتح له دومة الجندل ففعل ذلك وصالحه».

وعلى الرغم من خضوع «الملك» وما قدمه من ضريبة باهظة للمسلمين، فإن ذلك لم يكن فتحًا حقيقيًا للحصن، ربما لأن الرسول لم يكن في خطته القيام بعمليات توسعية، في وقت كانت تنتشر من حوله تجمعات القبائل المعادية، فيما هرقل لايزال مرابطًا في حمص.

المصدر
موقع التاريخ

غزوة بدر الكبرى (يوم الفرقان) الجزء الثاني

اندلاع غزوة بدر
كان أول وقود المعركة (غزوة بدر) الأسود بن عبد الأسد المخزومي التي وردت بعض الآثار أنه أول من يأخذ كتابه بشماله يوم القيامة وكان رجلاً شرسًا سيئ الخلق أراد أن يشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم فقتله حمزة بن عبد المطلب قبل أن يشرب منه، ثم خرج ثلاثة من فرسان قريش هم عتبة وولده الوليد وأخوه شيبة وطلبوا المبارزة، فخرج ثلاثة من الأنصار فرفضوهم، وطلبوا مبارزة ثلاثة من المهاجرين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث و حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وكانوا أقرب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم واستطاع المسلمون قتل الكافرين.

استشاط الكافرون غضبًا لمقتل فرسانهم وقادتهم فهجموا على المسلمين هجمة رجل واحد ودارت رحى حرب طاحنة في أول صدام بين الحق والباطل وبين جند الرحمن بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجند الشيطان بقيادة فرعون الأمة أبو جهل، والرسول صلى الله عليه وسلم قائم يناشد ربه ويتضرع ويدعو ويبتهل، وقال: “اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم”،وبالغ الاجتهاد والتضرع حتى سقط رداؤه عن منكبيه.

أغفى رسول الله إغفاءة واحدة ثم رفع رأسه، فقال: “أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع”، فلقد جاء المدد الإلهي ألف من الملائكة يقودهم جبريل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول: “سيهزم الجمع ويولون الدبر”، ثم أخذ حفنة من الحصى فاستقبل بها قريشً، وقال: “شاهت الوجوه!”، ورمى بها في وجوههم فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه.

مواقف خالدة
قام الرسول صلى الله عليه وسلم يحرض المسلمين على القتال، فقال لهم: “والذي نفسي بيده لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض”، فقال عمير بن الحمام : “لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة”، فرمى بما كان معهمن التمر ثم قاتلهم حتى قُتل رحمه الله.

سأل عوف بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده؟”، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “غمسه يده في العدو حاسرًا”،فنزع عوف درعًا كانت عليه، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل.

جاء غلامان صغيران هما معاذ بن عمرو ومعوذ بن عفراء، وظلا طوال القتال يبحثان عن أبي جهل لأنهما أقسما أن يقتلاه؛ لأنه سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالفعل وصلا إليه حتى قتلاه، وقام ابن مسعود بحز رأسه وحملها للنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عندما رآها: “الله أكبر والحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، هذا فرعون هذه الأمة”.
ضرب لصحابة أروع الأمثلة في الاستعلاء بإيمانهم وعقيدتهم، وبينوا لنا كيف تكون عقيدة الولاء والبراء، فلقد قتل أبو عبيدة بن الجراح أباه وقتل عمر بن الخطاب خاله وهمَّ أبو بكر أن يقتل ولده عبد الرحمن، وأخذ أبو عزيز أسيرًا في المعركة، فأمر أخوه مصعب بن عمير بشد وثاقه وطلب فدية عظيمة فيه.

نهاية غزوة بدر
استمرت المعركة الهائلة والملائكة تقتل وتأسر من المشركين، والمسلمون يضربون أروع الأمثلة في الجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينهم ورسولهم حتى انتهت المعركة بفوز ساحق للمسلمين بسبعين قتيلاً وسبعين أسيرًا، ومصرع قادة الكفر من قريش، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بطرح جيف المشركين في قليب خبيث في بدر، ثم أخذ يكلمهم: “بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس”، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قلب بدر.

ونزل خبر هزيمة المشركين في غزوة بدر كالصاعقة على أهل مكة، حتى إنهم منعوا النياحة على القتلى؛ لئلا يشمت بهم المسلمون، فحين جاءت البشرى لأهل المدينة فعمتها البهجة والسرور، واهتزت أرجاؤها تهليلاً وتكبيرًا، وكان فتحًا مبينًا ويومًا فرق الله به بين الحق والباطل.

المصدر
موقع التاريخ

غزوة بدر الكبرى (يوم الفرقان) الجزء الأول

عندما هاجر الرسول والمسلمون إلى المدينة شرعوا في تكوين دولتهم الوليدة وسط مخاطر كثيرة وتهديدات متواصلة من قوى الكفر والطغيان في قريش التي ألبت العرب كلهم على المسلمين في المدينة، وفي هذه الظروف الخطيرة أنزل الله تعالى الإذن بالقتال للمسلمين لإزاحة الباطل وإقامة شعائر الإسلام.

واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم سياسة حكيمة في القتال تقوم أساسًا على إضعاف القوة الاقتصادية لقريش بالإغارة على القوافل التجارية المتجهة للشام، وبالفعل انطلقت شرارة السرايا بسرية سيف البحر في رمضان 1هـ بقيادة حمزة بن عبد المطلب وتوالت السرايا والتي اشترك في بعضها الرسول بنفسه، مثل: الأبواء وبواط، حتى كانت غزوة ذي العشيرة عندما جاءت الأخبار للرسول بأن عيرًا لقريش يقودها أبو سفيان بن حرب قد خرجت إلى الشام فخرج يطلبها ففاتته إلى الشام فرجع المدينة وهو ينتظر عودتها من الشام ليأخذها.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتمد على سياسة بث العيون وسلاح الاستخبارات لنقل الأخبار بحركة القوافل التجارية وقد نقلت له العيون بأن القافلة راجعة من الشام محملة بثروات هائلة تقدر بألف بعير فندب الرسول الناس للخروج لأخذ هذه القافلة فتكون ضربة قاصمة لقريش ولم يعزم على أحد فاجتمع عنده ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً معظمهم من الأنصار،ويقال: إن هذا العدد هو عدد جند طالوت الذين عبروا معه النهر ولم يشربوا منها لمذكورة قصتهم في سورة البقرة، ولم يكن سوى فارسين الزبير والمقداد والباقي مشا هو كل ثلاثة يتعاقبون على بعير واحد وخرجوا وهم يظنون أنهم لا يلقون حربًا كبيرة وأرسل الرسول رجلين من الصحابة يتجسسان له أخبار القافلة.

الخبر يصل إلى قريش
كان أبو سفيان قائد القافلة في غاية الذكاء والحيطة والحذر وكان يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان حتى عرف بخروج الرسول والصحابة لأخذ القافلة فاستأجر رجلاً اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري وكلفه بالذهاب إلى قريش ليستنفرها لنجدتهم، وفي هذا الوقت كانت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي قد رأت رؤيا بهذا المعنى وانتشر خبرها في قريش وسخر منها الناس، على رأسهم أبو جهل لعنه الله، ولكن سرعان ما بان تأويل الرؤيا وعرفت قريش بحقيقة الخبر فثاروا جميعًا وأسرعوا للإعداد لحرب المسلمين،وخرج من كل قبائل العرب رجال سوى قبيلة بني عدي حتى بلغ الجيش المكي ألف وثلاثمائة ومعهم مائة فارس وستمائة درع، ولما أجمعوا على المسير خافوا من غدر قبائل بني بكر وكانت بينهما عداوة وحرب، فتبدى لهم إبليس لعنه الله في صورة سراقة بن مالك سيد بني كنانة وقال لهم: “أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه”.

العير تفلت
استخدم أبو سفيان ذكائه وحذره الشديد حتى استطاع أن يعرف موقع جيش المسلمين بـ بدر ويحول هو خط سير القافلة نحو الساحل غربًا تاركًا الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار،وبهذا نجا بالقافلة وأرسل رسالة للجيش المكي بهذا المعنى، فهمّ الجيش بالرجوع ولكن فرعون هذه الأمة أبو جهل صدهم عن ذلك، ولكن قبيلة بني زهرة بقيادة الأخنس بن شريق عصوه ورجعوا ولم يشهدوا غزوة بدر.

المجلس الاستشاري
لم يكن يظن المسلمون أن سير الحرب سيتحول من إغارة على قافلة بحراسة صغيرة إلى صدام مع جيش كبير مسلح يقدر بثلاثة أضعاف جيشهم، فعقد الرسول صلى الله عليه وسلم مجلسًا استشاريًّا مع أصحابه ليعرف استعدادهم لمواصلة الحرب المقبلة، وعرض عليهم مستجدات الأمر، وشاورهم في القضية، فقام أبو بكر وعمر والمقداد فتكلموا وأحسنوا، وبينوا أنهم لا يتخلفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدًا، ولا يعصون له أمرًا، فأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر، وقال: “أشيرواعليّ أيها الناس”.

وكان يريد بذلك الأنصار ليتعرف استعدادهم لذلك، فقال سعد بن معاذ: “والله لكأنك تريدنا يا رسول الله!” قال: “أجل”،قال: “فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة؛ فامض يا رسول الله لما أردت؛ فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوًّا غدًا، وإنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعل الله يريك مناما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله”، فسُرّ الرسول صلى الله عليه وسلم بما قاله المهاجرين والأنصار، وقال: “سيرواوأبشروا؛ فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين”.

قبل غزوة بدر
تحرك الرسول صلى الله عليه وسلم واختار مكانًا للقتال أشار الحباب بن المنذر بتعديله ليسهل على المسلمين التحكم في مصدر المياه، وإن كانت هذه الرواية ضعيفة إلا إنها منتشرة بأسانيد كثيرة في كتب السيرة والتاريخ.

الصحابة يأسرون غلامين من جيش قريش، والرسول صلى الله عليه وسلم يستجوبهما ليعرف عدد الجيش ومن على رأسه فيتضح أن الجيش قرابة الألف، على رأسه سادة قريش وكبرائها.
عندما نزل المسلمون في مقرهم اقترح سعد بن معاذ بناء مقر لقيادة النبي صلى الله عليه وسلم استعدادًا للطوارئ؛ فبنى المسلمون عريشًا للنبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه في العريش لحراسته أبو بكر الصديق لذلك كان علي بن أبي طالب يقول: “أبو بكر أشجع الناس على الإطلاق بعد النبي صلى الله عليه وسلم”، وأقام سعد بن معاذ كتيبة لحراسة العريش مقر القيادة.

قضى الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة في الصلاة والدعاء والتبتل والتضرع لله وقد عبأ جيشه ومشى في أرض المعركة وهو يقول: “هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله غدًا”، وقد استبشر الناس بالنصر.

أما الجيش المكي فقد وقع في صفهم انشقاق بدأ عندما طلبوا من عمير بن وهب الجمحي أن يدور دورة حول المعسكر الإسلامي ليقدر تعداده، فدار دورة واسعة أبعد فيها ليتأكد من عدم وجود كمائن للجيش الإسلامي، ثم عاد فقال لهم: “عددهم ثلاثمائة رجل، ولكني رأيت يا معشر قريش المطايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم؛ فوالله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم”.

وهنا دبَّ الرعب في قلوب الكافرين وقامت حركة معارضة بقيادة حكيم بن حزام الذي أقنع عتبة بن ربيعة أن يتحمل دية عمرو بن الحضرمي المقتول في سرية نخلة رجب 2هـ، ولكن فرعون الأمة الذي كان يسعى لحتفه بظلفه أفسد هذه المعارضة، وأثار حفائظ عامر بن الحضرمي، فقال: “هذا حليفك، أي عتبة، يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك”، فقام عامر وكشف عن استه، وصرخ قائلاً:”واعمراه واعمراه”، فحمي الناس وصعب أمرهم واستوثقوا على ما هم عليه من الشر”.

المصدر
موقع التاريخ

الولايات الإسلامية في العهد النبوي

في العام السادس من الهجرة قَبِل رسول الله معاهدة صلح الحديبية، رغم المعارضة الشديدة من بعض أصحابه، واستثمرها بنودها بنجاح، فائق ظهر أثره واضحا بعد فترة وجيزة.

فقد كان من أهم بنود صلح الحديبية وأعظمها أثرا على مستقبل الدعوة والدولة، ذلك البند الذي نص على هدنة أو فترة سلام بين الفريقين مدتها عشرة أعوام؛ ذلك أنه ما إن استقر في المدينة بعد عودته من الحديبية حتى شرع في تنفيذ خطة واسعة النطاق لتبليغ الدعوة إلى جميع مناطق شبه الجزيرة العربية وإلى الدول الأجنبية المجاورة، ففي شهر المحرم من العام السابع الهجري أرسل عليه الصلاة والسلام ستة سفراء دفعة واحدة، إلى كسرى فارس، وهرقل إمبراطور الروم، والمقوقس في مصر، ونجاشي الحبشة، وأمير غسان بالشام، وزعيم بني حنيفة في اليمامة.

اليمن أول إقليم عربي يدخل تحت سيادة الدولة الإسلامية
حمل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه رسالة النبي عليه السلام إلى كسرى أبرويز بن هرمز، ولما أوصل إليه الرسالة، وقرئت عليه استبد به الغضب والغرور، وقال: يكتب إليَّ وهو عبدي -يقصد النبي عليه السلام ، وطرد عبد الله بن حذافة مبعوث النبي عليه السلام من المدائن، ثم أرسل كتابا إلى باذان -عامله على اليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين، فليأتياني به.

فامتثل باذان لأمر سيده، وأرسل قائدين من قواده هما خرخسرو وبابويه ومعهما عدد من الجنود، وقال لبابويه: ائت بلد هذا الرجل وكلمه وائتني بخبره فخرجا حتى قدما على رسول الله عليه السلام ، فكلمه بابويه، فقال: “إن شاهنشاه -ملك الملوك كسرى- قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد بعثني إليك لتنطلق معي، فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك ينفعك ويكفه عنك، وإن أبيت، فهو مَن قد علمت، فهو مهلك، ومهلك قومك، ومخرب بلادك”.

فقال لهما رسول الله عليه السلام : “ارجعا حتى تأتياني غدا”، وأتى رسول الله الخبر من السماء، وأن الله سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله، فدعاهما فأخبرهما، فقالا له: هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا، أفنكتب هذا عنك ونخبر الملك؟ قال: “نعم، أخبراه ذلك عني، وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى، وقولا له: إن أسلمت أعطيت ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء”.

أوصل رسولا باذان رسالة النبي عليه السلام إليه ثم جاءته الأخبار من فارس تصدق ما أخبر به النبي عليه السلام ، فلم يلبث باذان أن أراد الله به خيرا وشرح صدره للإسلام، وأرسل إلى النبي عليه السلام وفدا برئاسة فيروز الديلمي بإعلان إسلامه وإسلام الأبناء من أهل اليمن.
وأقره النبي صل عليه السلام على حكم المناطق التي كان يتولاها تحت الإدارة الفارسية، والتي يبدو أنها كانت قاصرة على منطقة صنعاء وما حولها؛ لأن النبي عليه السلام ولى ولاة آخرين على بقية مناطق اليمن التي تتابع دخولها في الإسلام، وكانت سياسة النبي عليه السلام أن يولي على كل قوم زعيما منهم.

وكيفما كان الأمر، فإن باذان كان أول ملوك العجم الذين أسلموا وولاه النبي عليه السلام الحكم باسم الإسلام، وهذا أبلغ دليل على عالمية الإسلام وسماحته وارتفاعه فوق القوميات والعصبيات فرجل أعجمي وأجنبي عن البلاد يسلم فلا مانع إطلاقا من أن يحكم تحت راية الإسلام.

ومن ولاة اليمن معاذ بن جبل ، وأبو موسى الأشعري، وعلي بن أبي طالب ، وعمرو بن حزم الأنصاري رضي الله عنهم، ومر تنظيم حكم اليمن وتقسيم مناطقه بمراحل حيث أصبح بعد حجة الوداع على النحو التالي:

• مخلاف صنعاء وعليه شهر بن باذان.
• مخلاف حضر موت وعليه زياد بن لبيد البياضي.
• مخلاف تهامة وعليه الطاهر بن أبي هالة.
• مخلاف الجند -عاصمة حمير- وعليه معاذ بن جبل رضي الله عنه، وكان له الإشراف على بقية المخاليف، وتجمع عنده الأموال ليرسلها إلى الرسول عليه السلام في المدينة.

رأينا كيف وصلت الدعوة الإسلامية إلى اليمن، وأصبحت جزآ من الدولة الإسلامية، يحكمها ولاة من قبل النبي عليه السلام لم وتوافد عليها الصحابة قضاة ومعلمين.

ولاية مكة في العهد النبوي
وفي العام الثامن الهجري وفي شهر رمضان توجه النبي عليه السلام إلى مكة ففتحها، وترك فيها أبا بكر رضي الله عنه ليدبر الأوضاع بعد الفتح ويعلم الناس.

ثم تولى ولاية مكة عتاب بن أسيد وظل واليا عليها حتى وفاة الرسول عليه السلام، وفرض الرسول صلى الله عليه وسلم لعتاب درهما واحدا في اليوم كراتب، وكان عتاب بن أسيد، يقول: “أجاع الله كبد من جاع على درهم فقد رزقني رسول الله درهما كل يوم فليست لي حاجة إلى أحد”، وهذا الراتب من أول ما وضع من الرواتب للعمال.

وهكذا أسلمت مكة -بعد مقاومتها العتيدة للإسلام- وأصبحت ولاية إسلامية، وقد عيَّن النبي صلى الله عليه وسلم سعيد بن العاص رضي الله عنه لمراقبة سوق مكة بعد الفتح.

ولاية الطائف في العهد النبوي
في شهر رمضان من العام التاسع الهجري قدوم ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من تبوك، وذلك بعد ما يقرب من عام من حصار الطائف وفكه عنها، وأعلنوا إسلامهم، فلما أسلموا كتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا، وأمّر عليهم عثمان بن أبي العاص، بعد أن شاور فيه أبا بكر رضي الله عنه، فقال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “إني قد رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن”.

ولاية البحرين في العهد النبوي
بعد فتح مكة أرسل النبي عليه السلام العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه إلى المنذر بن ساوي أمير البحرين وكتب إليه كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام، فأسلم ورد على رسول الله عليه السلام بكتاب، جاء فيه: “أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه ومنهم من كرهه، وفي أرضي مجوس ويهود فأحدث إلى في ذلك أمرك”.

فرد عليه النبي عليه السلام بكتاب، جاء فيه: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: فإني أذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، فإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرا، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية”.

بهذا الشكل دخل أهل البحرين الإسلام، وأبقى الرسول صلى الله عليه وسلم أميرهم المنذر بن ساوي يحكمهم نيابة عنه، وبقي العلاء بن الحضرمي معه قاضيا ومعلما وجامعا للصدقات.

ولاية عمان في العهد النبوي
ثم أرسل رسول الله عليه الصلاة والسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى جيفر وعبد -أو عباد- ابني الجلندي ملكي عمان ، يدعوهما للإسلام، وأرسل إليهما معه كتابا، هذا نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعباد ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام، فإن ملككما زائل عنكما، وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما“.

أوصل عمرو بن العاص رضي الله عنه كتاب النبي عليه السلام إليهما وبعد مناقشات طويلة استطاع إقناعهما فأسلما وأسلم قومهما بإسلامهما، وبقيا يحكمان بلدهما وبقي عمرو بن العاص رضي الله عنه ليجمع الصدقات ويحكم، ويقضي بين الناس، وقال عنهما: “وصدقا النبي عليه السلام وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا عونا لي على من خالفني”.

وهكذا في فترة وجيزة بعد صلح الحديبية، انتشرت الدعوة الإسلامية، وامتد نفوذ الدولة من اليمن إلى عمان والبحرين بالإضافة إلى مكة والطائف وأصبح على كل هذه المناطق ولاة من قبل الرسول عليه السلام وإلى جانبهم قضاة ومعلمون وجباة.

وبعد عودة رسول الله عليه السلام من غزوة تبوك في رمضان من السنة التاسعة للهجرة أقبلت عليه الوفود من سائر أنحاء الجزيرة العربية معلنة إسلامها وبيعتها، وقبولها الدخول تحت سيادة الدولة، وكان الرسول عليه السلام يعين عليهم الأمراء والقضاء وجامعي الصدقات.

إن الجزيرة العربية بأسرها انتظمتها وحدة دينية وسياسية تحت زعامة النبي عليه السلام لأول مرة في تاريخها.

المصدر
موقع التاريخ

الشورى في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه – الجزء الرابع

كان للشورى دورٌ كبير في حباة الخليفة الصديق، وكان لمشورة عمر بن الخطاب واقتراحه على الخليفة الصديق أثر في قيام الخليفة بعمل عظيم ألا وهو جمع القرآن. أورد الإمام البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: “أرسل إلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه مقتل أهل اليمامة إن عمر أتاني فقال إن القتل استحر يوم اليمامة بقراء القرآن, واني أخشي إن استمر القتل بالقراء فيذهب كثير من القرآن, وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن, قلت لعمر كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر هذا والله خير, فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبى بكر وعمر رضي الله عنهما”.

فنجد إن الخليفة الصديق اخذ بمشورة عمر بن الخطاب لما رأي أن في ذلك مصلحة عامة وأيضاً لما كانت المصلحة لا تتعارض مع الوحي “الكتاب والسنة”.

وصورة أخرى من الشورى في حياة الخليفة الصديق ذلك أن أبا بكر لما أراد غزو الروم دعا علياً وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبا عبيدة بن الجراح ووجوه الأنصار والمهاجرين من أهل بدر وغيرهم رضي الله عنهم, فدخلوا عليه فقال أبو بكر رضي الله عنه: رأيت أن استنفر المسلمين إلى جهاد الروم بالشام ليؤيد الله المسلمين ويجعل كلمته هي العليا مع أن للمسلمين في ذلك الحظ الأوفر, لان من هلك منهم هلك شهيداً وما عند الله خير للأبرار ومن عاش عاش مدافعاً عن الدين مستوجباً من الله ثواب المجاهدين, وهذا رأيي الذي رأيته فليشر امرؤ على برأيه.

فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال الحمد لله الذي يخص بالخير من شاء من خلقه, والله ما استبقنا إلى شيء من الخير قط إلا سبقتنا إليه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم, والله رأيت لقاءك بهذا الرأي الذي رأيت فما قضى أن يكون حتى ذكرته فقد أصبت أصاب الله بك سبيل الرشاد, سرب إليهم الخيل في اثر الخيل وابعث الرجال بعد الرجال والجنود يتبعها الجنود فان الله ناصر دينه ومعز الإسلام بأهله.

ثم إن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قام فقال: يا خليفة رسول الله إنها الروم وبنو الصفر حد حديد وركن شديد ما أري أن نقتحم عليهم اقتحاماً ولكن نبعث الخيل فتغير في غواصي أراضيهم ثم ترجع إليك وإذا فعلوا ذلك بهم مراراً اضروا بهم وغنموا من أدنى أرضهم فقعدوا بذلك عن عدوهم, ثم نبعث إلى أرضي اليمن وأقاصي ربيعة ومضر ثم تجمعهم جميعا إليك ثم لئن شئت بعد ذلك غزوتهم بنفسك وان شئت أغزيتهم.

فقال أبو بكر: ما ترون؟ فقال عثمان بن عفان أنى أرى انك ناصح لأهل هذا الدين شفيق عليهم, فإذا رأيت رأياً تراه لعامتهم صالحاً فاعزم على إمضائه غير ظنين. فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد وكل من حضر المجلس من الصحابة والمهاجرين رضي الله عنهم, صدق عثمان, ما رأيت من رأي فامضه, وذكروا هذا وأشباهه وعلى رضي الله عنه في القوم لم يتكلم, فقال أبو بكر ما تري يا أبا الحسن, فقال إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم نصرت عليهم إن شاء, فقال بشرك الله بخير, ومن أين علمت ذلك, قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “لا يزال هذا الدين ظاهراً على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون”.

وبعد أن استمع الخليفة إلى آراء كبار الصحابة, وبعد المشاورات والمداولات في هذه القضية الهامة, اصدر الخليفة الصديق القرار الذي توصل إليه الصحابة بعد الشورى، ثم إن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس فذكر الله بما هو أهله وصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس إن الله قد انعم عليكم بالإسلام وأكرمكم بالجهاد وفضلكم بهذا الدين علي كل دين, فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام فإني مؤمر عليكم أمراء وعاقد لكم الولاية فأطيعوا ربكم ولا تخالفوا أمراءكم لتحسن نيتكم وأشربتكم وأطعمتكم.

ولم تقتصر الشورى عند الخليفة الصديق عند قضايا الإدارة والسياسة بل كان يلتزم بالشورى حتى في القضاء لا سيما في المستجدات, أورد ابن القيم عن ميمون بن مهران أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله, فإذا وجد ما يقضى بينهم قضي به, وان لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضى بها, فان أعياه خرج فسأل المسلمين فقال أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضي في ذلك بقضاء, فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاء فيقول أبو بكر الحمد الله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا, فان أعياه أن يجد فيه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم, فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به.

المصدر
موقع التاريخ

الشورى في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه – الجزء الثالث

الشورى في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه – الجزء الثالث
لقد شعر المسلمون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالحاجة إلى رئيس يحفظ كيان الأمة الجديدة ويوجهه حيث ورد أنهم “كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة”. وكما قال أبو بكر مخاطباً المسلمين “لابد لكم من رجلٍ يلي أمركم ويصلي بكم ويقاتل عدوكم”, فكانت الضرورة ملحة لانتخاب خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبأسرع وقت ممكن ليدير شئون الأمة الإسلامية ويجمع كلمتها.

ولابد من أن نشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعهد بالخلافة لأحد من بعده, وخير دليل إلى ذلك إسراع المهاجرين والأنصار إلى انتخاب خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك قول عمر بن الخطاب “فان استخلف فقد استخلف من هو خير منى وان اترك فقد ترك من هو خير منى”.

وقد ورد عن على بن أبى طالب قوله: “لو عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً لأنفذنا عهده, ولو قال لنا قولاً لجادلنا عليه حتى نموت”. فيبدو أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربي أصحابه على مبادئ الشورى ورسخها في نفوسهم فتركهم مؤهلين لاستخلاف من يريدون. لقد انعزل الأنصار بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة إلى سقيفة بني ساعدة, وكان عموم الأوس والخزرج يريدون مبايعة سعد بن عبادة, ولما بلغ المهاجرين مجمع الأنصار المذكور “بلغ أبا بكر وعمر المهاجرون فاتوا مسرعين”، فاحتج المهاجرون بقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم منهم فقالوا “يا معشر الأنصار منا رسول الله فنحن أحق بمقامه”، وقالت الأنصار “منا أمير ومنكم أمير”، فقال أبو بكر: “منا الأمراء وانتم الوزراء, لا نختار دونكم بمشورة ولا نقضى دونكم الأمور”، وقال أيضاً “ولكن قريشاً أولى بمحمد منكم”.

ثم عرض عليهم عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح “فبايعوا أيهما شئتم” فأبيا عليه وقالا: والله ما كنا لنقدمك وأنت صاحب رسول الله وثاني اثنين, فضرب أبو عبيدة على يد أبى بكر وثنى عمر ثم بايع من كان معه من قريش ثم نادى أبو عبيدة “يا معشر الأنصار, لأنكم كنتم أول من نصر فلا تكونوا أول من غير وبدل”، ثم تكلم عبد الرحمن بن عوف فقال “يا معشر الأنصار إنكم وان كنتم على فضل فليس فيكم مثل أبى بكر وعمر وعلى”.

فنهض الأوس والخزرج يبايعون أبا بكر الصديق ولم يتخلف من الأنصار أحد, وكانت هذه البيعة الخاصة, أما البيعة العامة فكانت في المسجد حيث جلس أبو بكر الصديق وأقبل الناس عليه، مهاجرين وأنصار يبايعون.

ونلاحظ في بيعة أبى بكر الصديق رضي الله عنه ما يلي:

• أخذ المسلمين بنظر الاعتبار فضله وسبقه في الإسلام ومكانته عند الرسول صلى الله عليه وسلم حيث انه ثاني اثنين إذ هما في الغار, وهو الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بإمامة المسلمين في الصلاة أيام مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه.

• بلغت أعلى درجات الانتخاب الحر والشورى، فلما تمت البيعة لأبى بكر أقام ثلاثة أيام يقيل الناس ويستقيلهم, يقول قد أقلتكم من بيعتي هل من كاره, هل من مبغض, فيقوم على في أول الناس فيقول والله لا نقيلك ولا نستقيلك أبداً, قد قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوحيد ديننا من ذا الذي يؤخرك لتوحيد دنيانا.

• ويظهر التقليد القبلي في بيعة أبى بكر من قول عمر بن الخطاب: “من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته”، وقول أبى بكر أيضاً “نحن أوسع العرب انساباً, ليس قبيلة من قبائل العرب إلا ولقريش فيها ولادة”.

• وتظهر الشورى جلياً في إسراع الصحابة المهاجرين والأنصار على مبايعة أبى بكر الصديق على الخلافة وعدم تخلف احد منهم حيث رأوه أهلاً للخلافة وأحق بها, ثم جلوس أبي بكر بعد مبايعته ثلاثة أيام “يقيل الناس ويستقيلهم فيقول قد أقلتكم من بيعتي هل من كاره”، ليؤكد الشورى والانتخاب الحر في انتخابه وبيعته, ثم قوله مخاطباً المسلمين بعد بيعته “فإن أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني”، يعكس التزامه بمبدأ الشورى في سياسته.

• ثم ظهور البيعة يعكس بشكل أو بآخر التزام المسلمين بالشورى فكانت البيعة هي العهد على الطاعة, ولم يكن هناك أي نوع من الإكراه في مبايعة أبى بكر الصديق بل بايعه الجميع في رضي وسرور، وسمي أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت مهمته خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به.

مما تقدم يتضح دور الشورى في انتخاب الخليفة الأول أبى بكر الصديق رضي الله عنه, ونجد مظاهر الشورى واضحة في سياسة الخليفة الصديق, بل كان له اقرب من مجلس استشاري يتألف من كبار الصحابة مثل عمر بن الخطاب, على بن ابى طالب, عثمان بن عفان, عبد الرحمن بن عوف, سعد بن أبى وقاص, أبي عبيدة بن الجراح, وبعض الأنصار مثل زيد بن ثابت يعرض عليهم قضايا الدولة الإدارية والسياسية والعسكرية, وكان المسجد النبوي في المدينة هو مكان اجتماعهم

وأحياناً يقتصر الشورى على البعض منهم وربما بادر بعضهم إلى تقديم المشورة والرأي دون طلب من الخليفة. روى ابن سعد “لما ولي أبو بكر رضي الله عنه قال أصحابه اقرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يغنيه عن برديه إذا اخلقهما وضعهما واخذ مثلهما, وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف, فقال أبو بكر رضينا”, وبذلك كان للشورى اثر في إقرار المخصصات المالية وراتب من يتولى الخلافة.

المصدر
موقع التاريخ

الشورى ومكانتها في الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم – الجزء الثاني

أحيانا يتوجه النبي صلى الله عليه وسلم بطلب الشورى والتعرف على آراء المسلمين الحاضرين معه, نجد ذلك واضحا في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الذين خرجوا معه قبل معركة بدر.

يروى ابن هشام ذلك بقوله “وأتاه الخبر عن قريش بمسيرتهم يمنعون غيرهم, فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش , فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن, ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن , ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أشيروا على أيها الناس” وإنما يريد الأنصار وذلك لأنهم مدد الناس وإنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا “يا رسول الله إنا براء من زمامك حتى يصل من ديارنا, فإذا أنت وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك من ما نمنع منه أبناءنا ونساءنا”, فكان رسول الله يتخوف ألا تكون الأنصار تري عليها نصرة إلا من دهمه من المدينة من عدوه, وأن ليس لهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم, فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد بن معاذ “والله لكأنك تريدنا يا رسول الله, قال أجل, قال آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة, فامض يا رسول الله كما أردت نحن معك, فوالله الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد, وما نكره أن تلقي بنا عدونا إنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك, فسر بنا على بركة الله“, فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك, ثم قال “سيروا وابشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين, والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم“.

فكان لالتزام القائد بمبدأ الشورى وتعرفه على آراء جنده أثر في التخطيط الناجح للمعركة ورفع معنويات الجنود, فكانت الشورى عاملا مهما في تحقيق النصر.

وبعد معركة بدر استشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة في كيفية معاملة أسري بدر, فأشار عليه عمر بن الخطاب بقتلهم لأن هؤلاء الأسري كانوا صناديد المشركين وقاداتهم وأئمتهم, وأما أبو بكر فقد أشار على الرسول صلى الله عليه وسلم بأخذ الفدية لأنهم بنو العم والعشيرة والإخوان, كما أن أموال الفدية ستساعد على تقوية المسلمين, وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي الفداء لما رأي جمهور أصحابه يريدون ذلك. ثم نزلت الآيات القرآنية: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * َلوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنفال:67إلى 69]، وفي الآية عتاب واضح لرسول الله وأصحابه لأخذهم بخلاف الأولى وقبولهم بالفداء, فالموقف كان يتطلب القوة والحزم والشدة مع المشركين, ثم أجاز الله عملهم وأخذهم الفداء لعدم ورود نص مسبق ينهي عن ذلك, وفي ذلك إشارة إلى الجواز في الأمور التي لم يرد فيها نص.

وربما اقتصرت الشورى على البعض دون الكل, وأحياناً مشاورة الناس عن طريق ممثليهم أو زعمائهم أو أهل الخبرة فيهم, ففي بيعة العقبة الثانية طلب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن يخرجوا له اثني عشر نقيباً, تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس, وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى المدينة المنورة فقد اختار أربعة عشر رجلاً وكان يرجع إليهم في الرأي.

بل كان للنبي صلى الله عليه وسلم أقرب إلى هيئة استشارية يستشيرهم في القضايا العامة تضم كبار الصحابة , منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب, أورد الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر: “إن الناس ليزيدهم حرصاً على الإسلام أن يروا عليك زياً حسناً”, قال “وايم والله لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً”، وفي رواية “ولو أنكما تتفقان في مشورة ما خالفتكما”.

وربما كانت المشاورة لأصحاب الشأن وأهل الخبرة دون غيرهم, فمثلاً أثناء حصار الأحزاب للمدينة سنة 5هـ فلما اشتد البلاء بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري قائد غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابا إلى ذلك, فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فقالا: “يا رسول الله شيء تحب أن تصنعه أم شيء أمرك الله به أو شيء تصنعه لنا؟”، فقال: “بل لكم, رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم”، قال سعد بن معاذ “قد كنا نحن وهم على الشرك ولا يطمعون أن يأكلوا منا إلا قري أو بيعاً, فحين أكرمنا الله بالإسلام نعطيهم أموالنا؟ ما نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم”. فترك ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا يوضح فهم الصحابة للشورى ومجالاتها المسموح بها, وتخصيص النبي بالمشورة لهذين الصحابيين دون غيرهما لارتباط الأمر بهما وبقومهما, فهما زعماء الأوس والخزرج.

المصدر
موقع التاريخ

الشورى ومكانتها في الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم – الجزء الأول

ترسخت الشورى أكثر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت آيات قرآنية تدعو المسلمين إلى التشاور وتؤكد على المشورة, بل سميت سورة قرآنية كاملة بسورة الشورى تأكيداً لهذا المبدأ وضرورته في حياة المسلمين, قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]. وأيضاً قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأمرهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الشورى:38].

وورد في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤكد الشورى, منها “ما ندم من استشار وما خاب من استخار”، و “ما هلك امرؤ من مشورة قط”، و “ما تشاور قوم إلا هدوا إلى أرشد أمرهم”، و “المستشار مؤتمن”. وروى سعيد بن المسيب عن على رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن ولم تمضى فيه منك سنة, قال “أجمعوا له العالمين أو قال العابدين من المؤمنين فافعلوا شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأي واحد”.

وورد أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من أراد أمراً فشاور فيه امرؤاً مسلماً وفقه الله لأرشد أموره”، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير من باطنها, وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظاهرها”.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمارس الشورى بنفسه, فقد ورد عن أبى هريرة أنه قال “ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم”، فقد كانت سياسة النبي صلى الله عليه وسلم قائمة على أساس الشورى في القضايا التي ليس فيها وحى, ولم تكن هناك طريقة ثابتة للشورى بل كانت تطبيقاتها متنوعة بحسب الحادثة وأهميتها والظروف المحيطة بها, ونذكر صوراً من النهج النبوي في الشورى:

الأخذ برأي ومشورة من شخص واحد وربما شخصين أو أكثر ما دام الأمر لا يتعارض مع نص يوافق عليه الجميع ويحقق مصلحة عامة, وأمثلة ذلك كثيرة, فقبل معركة بدر اختار الرسول صلى الله عليه وسلم موقعاً ليكون للحرب مع المشركين ولكن حباب بن المنذر بن الجموح اعترض على هذا الاختيار بقوله “يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه, أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟”، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بل هو الحرب والمكيدة”, فقال “يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل, فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لقد أشرت بالرأي”, فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت”.

بفضل الشورى والتزام النبي صلى الله عليه وسلم بها أصبح العامل الجغرافي لصالح المسلمين فكانت حركة المسلمين أثناء القتال أسهل وشئونهم الإدارية أفضل مما أدى إلى رفع معنوياتهم وساعد ذلك إلى إحراز النصر.

وأيضاً قبيل معركة بدر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمشورة سعد بن معاذ حينما أشار قائلاً “يا نبي الله ألا نبني عريشاً لتكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقي عدونا, فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا, وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا, فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حباً منهم, ولو ظنوا أنك تلقي حرباً ما تخلفوا عنك, يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك”، فأثني رسول الله خيراً ودعا له بخير, ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً وهو شبه خيمة يستظل بها ويراقب المعركة ويتخذها مقراً لقيادة المسلمين في القتال.

وحينما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم تحزب الأحزاب وخروجهم لقتال المسلمين في السنة الخامسة للهجرة استشار أصحابه فيما يفعل, فأشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بالخندق وقال “يا رسول الله إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا”, فأعجبهم ذلك وأحبوا الثبات في المدينة, وأمرهم رسول الله بالجد ووعدهم بالنصر إذا هم صبروا واتقوا وأمرهم بالطاعة.

وهكذا باتباع سياسة الشورى استطاع المسلمون الدفاع عن دولتهم والانتفاع من خبرات وتجارب الأمم الأخرى.

ونجد الشورى أيضاً بعد صلح الحديبية سنة 6هـ, إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنحر والحلق والتحلل من الإحرام فلم يجبه رجل إلى ذلك إذ كانوا يرجون دخول مكة وزيارة البيت الحرام فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل إلى أم سلمة مغضباً شديد الغضب, لكن أم سلمة أشارت عليه ألا يكتفي بالقول بل الأفضل أن يباشر هذا بنحر هديه أمامهم وعند ذلك سيقتدون به لأنهم سيوقنون أن قراره نهائي لا رجعة فيه, فقبل مشورة أم سلمة وقام بنحر هديه فسارع المسلمون إلى الاقتداء به وطاعته.

وهكذا نجد الشورى أنقذت المسلمين من الهلاك والفرقة والاختلاف, والأخذ بها من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعد المسلمين على طاعة أوامر رسول الله.

المصدر
موقع التاريخ

ثقافة مجتمع المدينة المنورة

نمت الحياة الدينية وازدهرت في المجتمع المدني حتى غدت ثقافة هذا المجتمع هي النموذج المعتمد في التنظيم الاجتماعي للأقاليم وتوابع الدولة الإسلامية فيما بعد. وكانت الخطوات الأولى التي قام بها النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام هي:

• تغيير اسم يثرب إلى اسم (طيبة).
• بناء مسجد المدينة.
• إيجاد الأخوة الإسلامية.

فكانت عملية ذوبان المهاجرين والأنصار في نظام المجتمع الجديد.

وعندما وضع الرسول عليه الصلاة والسلام أولى خطواته على أرض المدينة المنورة بدأ بإنشاء أول مؤسسة إسلامية ضمت الكثير من المؤسسات الفرعية الأخرى تمثلت في المسجد وقد اشترك في بناء هذا المسجد جميع المسلمين حتى رسول الله بنفسه المباركة، وبعدها تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي وقت قياسي أن يجعل من المدينة قاعدة اجتماعية نظامية ودينية محكمة، وكان المقصود من ذلك هو استمرار نظام سياسي قوي قائم على أساس الإسلام في شبه الجزيرة، لينطلق بعد إلى العالم.

وتضم مؤسسة المسجد الجامع عدة مؤسسات في مفهومنا الحالي منها: المؤسسات القضائية حيث تجري جميع الشؤون القضائية من أحكام وجزاء ومقاضاة داخل هذه المؤسسة، إضافة إلى قضايا الزواج والطلاق المؤسسة المالية المسؤولة عن إدارة أمور من قبيل الزكاة والخمس والجباية وموارد صرفها وقد أنشئ في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام مركز اقتصادي اسمه (بيت المال) تجمع فيه الوجوه الشرعية من الزكوات وغيرها وتصرف في مصالح المسلمين، إضافة إلى ذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد عين مسؤولين متخصصين في خمس الغنائم يتولون ضبط الغنائم وكتابتها والحفاظ عليها بدقة كاملة ، أما بالنسبة للسجن فإنه لم يكن هنالك مكان يسمى بهذا الاسم بل غالباً ما كان يؤخذ المتهمون إلى المسجد أو إلى غرفة معينة ليكونوا تحت النظر.

وقيل: كان النبي عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة إلى المدينة قد عين للأنصار نقيباً ليتحدث عنهم، كما عين عليه الصلاة والسلام لكل اثنتي عشرة قبيلة رئيساً، كما جعل العريف وهو الممثل لمجموعة قوامها عشرة أفراد تحت إشراف وتصرف النقيب، وكان النقيب ممثلاً لكل القبيلة وكانت بعهدته مسؤولية الحرب والصلح ونحوها، فإذا لم يستطع النقيب حل نزاع في مجموعته، أو إن طرفي الدعوة مرتبط بقبيلة أخرى، يكون الحل النهائي لهذا النزاع هو ردّه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.

الشرطة والحرس

في التشريع الإسلامي يقال لكل من يضبط المخالفين (الشرطي) أو (الحرس). وقد أنشئت (مؤسسة الشرطة والحرس) هذه قبل قدوم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة لأنه كان يتوقع أن يلحق به الضرر من قبل قريش، ومهمة هذه المؤسسة هي الحراسة وحماية الناس من اللصوص وغيرهم في مسعى من الرسول عليه الصلاة والسلام لإشاعة الأمن الاجتماعي لأهل المدينة، ومع هذا فقد كانت مهمة هذه المؤسسة محدودة جداً، لأن النظام الإسلامي رسخ عملية (التسيير الذاتي) التي ضمنت سير العملية الاجتماعية بشكل مثالي رغم وجود المعارضة المتمثلة باليهود والتي احتفظت بحقوقها في ظل الدولة الجديدة.

وقد وفر جو الحرية هذا بطلان أي قيد غير شرعي، الأمر الذي تعمل به القوانين الوضعية في الأزمنة المتأخرة. ويبين الإمام الشيرازي هذه الإشكالية بأن هناك فرقاً بين (الإسلام) وبين (القوانين الوضعية) في هذا الأمر ، فالأصل في الإنسان الحرية فإنها المستفادة من قاعدة (الناس مسلطون على أنفسهم وأموالهم)، ولذا فلكل إنسان أن ينضم إلى الآخرين، لبناء الحياة وتقدمها ولا يحد هذه الحرية، إلا ما يوجب الضرر على الآخرين أو على النفس (بما لا يجوز تحمله شرعاً) فليس للدولة – في نظر الإسلام – التدخل في شؤون الجماعات أو وضع الدساتير والقوانين لها وتقييدها بقيود إطلاقاً.

نعم، إذا أخطأ فرد ما، أو أية جماعة، فمن حق الدولة إيقافها على المقرر الشرعي؛ وذلك أن الفرد حيث إنه حر لا يقيد ، وإذا ثبت خطأه أوقف عند حده – حسب المقرر شرعاً – بينما القوانين الوضعية تقيد الجماعة بقيود كلها منافية للحرية؛ ولذا كانت تلك القيود باطلة في نظر الإسلام.

المصدر
موقع التاريخ