خالد بن الوليد – سيف الله المسلول

هو خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي، أبو سليمان، أحد أشراف قريش في الجاهلية وكان إليه القبّة وأعنّة الخيل، أمّا القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدّم على خيول قريش في الحرب.

قصة إسلامه
تعود قصة اسلام خالد إلى ما بعد معاهدة الحديبية، حيث أسلم أخوه الوليد بن الوليد، ودخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء فسأل الوليد عن أخيه خالد، فقال: “أين خالد؟، فقال الوليد: “يأتي به الله”، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما مثله يجهل الاسلام ، ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ، ولقدمناه على غيره”. فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده ، فترك له رسالة قال فيها: “بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الاسلام وعقلك عقلك، ومثل الاسلام يجهله أحد؟، وقد سألني عنك رسول الله، فقال أين خالد وذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه، ثم قال له: فاستدرك يا أخي ما فاتك فيه ، فقد فاتتك مواطن صالحة”. وقد كان خالد رضي اللـه عنه يفكر في الاسلام ، فلما قرأ رسالة أخيه سر بها سرورا كبيرا، وأعجبه مقالة النبي -صلى اللـه عليه وسلم-فيه، فتشجع و أسلـم.

غزوة مؤتة
كانت غزوة مؤتة أول غزوة شارك فيها خالد ، وقد قتل قادتها الثلاثة : زيد بن حارثة ، ثم جعفر بن أبي طالب ، ثم عبدالله بن رواحة -رضي الله عنهم- ، فسارع الى الراية (ثابت بن أقرم) فحملها عاليا وتوجه مسرعا الى خالد قائلا له: خذ اللواء يا أبا سليمان فلم يجد خالد أن من حقه أخذها فاعتذر قائلا: لا، لا آخذ اللواء أنت أحق به ، لك سن وقد شهدت بدرا، فأجابه ثابت: خذه فأنت أدرى بالقتال مني ، ووالله ما أخذته إلا لك، ثم نادى بالمسلمين: أترضون إمرة خالد؟، قالوا: نعم، فأخذ الراية خالد وأنقذ جيش المسلمين، يقول خالد: قد انقطع في يدي يومَ مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة لي يمانية.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر الصحابة بتلك الغزوة: “أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن رواحة فأصيب، وعيناه -صلى الله عليه وسلم- تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم”، فسمي خالد من ذلك اليوم سيف الله.

حروب الردة
شارك في فتح مكة وفي حروب الردة ، فقد مضى فأوقع بأهل الردة من بني تميم وغيرهم بالبُطاح ، وقتل مالك بن نويرة ، ثم أوقع بأهل بُزاخَة – وهي المعركة التي كانت بين خالد وطليحة بن خويلد- ، وحرقهم بالنار ، وذلك أنه بلغه عنهم مقالة سيئة ، شتموا النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وثبتوا على ردّتهم ، ثم مضى الى اليمامة ووضع حداً لمسيلمة الكذاب وأعوانه من بني حنيفة.

معركة اليرموك وبطولاتها
إمرة الجيش: أولى أبوبكر الصديق إمرة جيش المسلمين لخالد بن الوليد ليواجهوا جيش الروم الذي بلغ مائتي ألف مقاتل وأربعين ألفا ، فوقف خالد بجيش المسلمين خاطباً : إن هذا يوم من أيام الله ، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي ، أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم ، وتعالوا نتعاور الإمارة ، فيكون أحدنا اليوم أميراً والآخر غداً ، والآخر بعد غد ، حتى يتأمر كلكم.

تأمين الجيش: وقبل أن يخوض خالد القتال ، كان يشغل باله احتمال أن يهرب بعض أفراد جيشه بالذات من هم حديثي عهد بالإسلام ، من أجل هذا ولأول مرة دعا نساء المسلمين وسلمهن السيوف، وأمرهن بالوقوف خلف صفوف المسلمين وقال لهن: من يولي هاربا، فاقتلنه.

خالد و ماهان الروماني: وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز إليه خالد ، وبرز إليه خالد ، في الفراغ الفاصل بين الجيشين ، وقال (ماهان) قائد الروم: قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم إلا الجهد والجوع فإن شئتم أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاما ، وترجعون إلى بلادكم ، وفي العام القادم أبعث إليكم بمثلها. وأدرك خالد ما في كلمات الرومي من سوء الأدب ورد قائلا: إنه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت ، ولكننا قوم نشرب الدماء ، وقد علمنا أنه لا دم أشهى ولا أطيب من دم الروم ، فجئنا لذلك، وعاد بجواده الى صفوف الجيش ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال: الله أكبر، هبي رياح الجنة.

من البطولات: ودار قتال قوي ، وبدا للروم من المسلمين مالم يكونوا يحتسبون ، ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهمفهاهو خالد غلى رأس مائة من جنده ينقضون على أربعين ألف من الروم ، يصيح بهم: والذي نفسي بيده ما بقي من الروم من الصبر والجلد إلا ما رأيتم ، وإني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم، وبالفعل انتصر المائة على الأربعين ألف.

فضله
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “نِعْمَ عبد الله خالد بن الوليد، سيْفٌ من سيوف الله”.

قال خالد -رضي الله عنه-: ما ليلة يهدي إليّ فيها عروسٌ أنا لها محب، أو أبشّرُ فيها بغلامٍ أحبَّ إلي من ليلة شديدة الجليد في سريّةٍ من المهاجرين أصبِّحُ بها العدو.

وفاة خالد
استقر خالد في حمص -من بلاد الشام- فلما جاءه الموت ، وشعر بدنو أجله ، قال: لقد شهدت مائة معركة أو زهاءها ، وما في جسدي شبر الا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم ، أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير ، ألا فلا نامت أعين الجبناء.

كانت وفاته سنة احدى وعشرين من الهجرة النبوية مات من قال عنه الصحابة: الرجل الذي لا ينام، ولا يترك أحدا ينام. وأوصى بتركته لعمر بن الخطاب والتي كانت مكونة من فرسه وسلاحه.

المصدر
طريق الإيمان

أبو بكر الصديق رضي الله عنه

اسمه عبد الله بن أبي قحافة، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم صديقاً كونه صدّقه فيما كذبه فيه أكثر الناس من خبر الإسراء والمعراج، فضلاً عن كونه أول من آمنَّ به من الرجال، وهو رفيق النبي في هجرته، وصاحبه في الغار، وملازمه في كل حياته، وله فضائل كثيرة عرفها له النبي صلى الله عليه وسلم وسجلها له لتعرف له الأمة قدره، وقد ورد فيه قول الحق سبحانه: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا} [التوبة:40].

روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه حدّثه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم -ونحن في الغار-: لو أن أحدهم ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما» (رواه البخاري ومسلم). فوصف الله أبا بكر بالصحبة الخاصة المقتضية مزيدًا من التشريف، وأشركه مع نبيه في المعية الإلهية المقتضية كمال العناية والحفظ.

ومن الأحاديث الواردة في فضل الصديق تصريحه صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص أن أبا بكر أحب الرجال إليه، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ فقال: «عائشة»، فقلت من الرجال؟ فقال: «أبوها»، قلت: ثم من؟ قال: «عمر بن الخطاب» فعدَّ رجالاً. (رواه البخاري ومسلم).

ومن دلائل فضله ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبًا رأسه بخرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إنه ليس من الناس أحد أمنّ علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذًا من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر» (رواه البخاري ومسلم). وأمره صلى الله عليه وسلم بسد كل -خوخة- أي كل باب يوصِل إلى المسجد إلا باب بيته، وباب بيت أبي بكر إشارة -والله أعلم- إلى استحقاقه تولي الخلافة من بعده حيث كان المسجد في ذلك الزمان قصر الحكم، وساحة القضاء، ومكان تجهيز الجيوش وعقد الرايات.

وقد شهدت له الأمة بالفضل فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدًا ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم” (رواه البخاري). فهذه شهادة من صحابي عرفت الأمة له قدره أن أبا بكر كان المقدّم فيهم، وكان أفضلهم، وشهادة أخرى من الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي حاول البعض إقامة سوق العداوة بينه وبين أبي بكر رضي الله عنه إذ يقول رضي الله عنه: “ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ أبو بكر ، ثم قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد أبي بكر؟ عمر” (رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة).

المصدر
موقع طريق الإسلام

وفاة النبي الخاتم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم

توفي النبي صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة في يوم لم ير في تاريخ الإسلام أظلم منه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد تحدث أنس بن مالك عن ذلك اليوم فقال: بينما هم في صلاة الفجر من يوم الإثنين وأبو بكر يصلي بهم لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، فقال أنس وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم، فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر. (رواه البخاري).

هذا ولم يأت على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة أخرى بل بدأ الاحتضار، فأسندته عائشة إليها وكانت تقول رضي الله عنها: إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عبد الرحمن -ابن أبي بكر- وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك، فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته. (رواه البخاري).

وما أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من السواك حتى رفع يده أو إصبعه وشخص بصره نحو السقف وتحركت شفتاه فأصغت إليه عائشة وهو يقول: مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى. كرر الكلمة الأخيرة ثلاثاً، ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى، إنا لله وإنا إليه راجعون.

وقد اختلف العلماء في تحديد تاريخ اليوم الذي توفي فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ قال ابن حجر: وكانت وفاته يوم الاثنين بلا خلاف من ربيع الأول، وكاد يكون إجماعًا، لكن في حديث ابن مسعود عند البزار في حادي عشر رمضان. ثم عند ابن إسحاق والجمهور أنها في الثاني عشر منه، وعند موسى بن عقبة، والليث، والخوارزمي، وابن زبر، مات لهلال ربيع الأول، وعند أبي مخنف والكلبي في ثانيه، ورجحه السهيلي. (من فتح الباري).

المصدر
إسلام ويب

التعريف بخاتم الأنبياء محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم – الجزء الثاني

أولاده صلى الله عليه وسلم
كل أولاده صلى الله عليه وسلم من ذكر وأنثى من خديجة بنت خويلد، إلا إبراهيم، فإنه من مارية القبطية التي أهداها له المقوقس.

الذكور من ولده
القاسم وبه كان يُكنى، وعاش أياماً يسيرة، والطاهر والطيب.
وقيل: ولدت له عبدالله في الإسلام فلقب بالطاهر والطيب. أما إبراهيم فولد بالمدينة وعاش عامين غير شهرين ومات قبله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر.

بناته صلى الله عليه وسلم
زينب وهي أكبر بناته، وتزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها، ورقية تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفاطمة تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأنجبت له الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأم كلثوم تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد وفاة رقية رضي الله عنهن جميعاً.

مبعثه صلى الله عليه وسلم
بعث صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فنزل عليه الملك بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وكان إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه وتغيّر وجهه وعرق جبينه.
فلما نزل عليه الملك قال له: اقرأ، قال: لست بقارئ، فغطاه الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم قال له: اقرأ، فقال: لست بقارئ ثلاثاً. ثم قال: {اقْرأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذي خَلَقَ، خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5]. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة رضي الله عنها يرتجف، فأخبرها بما حدث له، فثبتته وقالت: أبشر، وكلا والله لا يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحملُّ الكَلَّ، وتعين على نوائب الدهر.
ثم فتر الوحي، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئاً، فاغتم لذلك واشتاق إلى نزول الوحي، ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسيّ، وثبته، وبشره بأنه رسول الله حقاً، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف منه وذهب إلى خديجة وقال: زملوني. دثروني، فأنزل الله عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّر، وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} [المدثر:1-4].
فأمر الله تعالى في هذه الآيات أن ينذر قومه، ويدعوهم إلى الله، فشمَّر صلى الله عليه وسلم عن ساق التكليف، وقام في طاعة الله أتم قيام، يدعو إلى الله تعالى الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة ممن أراد الله تعالى فوزهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فدخلوا في الإسلام على نور وبصيرة، فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة، وصان الله رسوله وحماه بعمه أبي طالب، فقد كان شريفاً مطاعاً فيهم، نبيلاً بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من محبته له.
وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نزل عليه: {فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر} [الحجر:94]. فأعلن الدعاء. فلما نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف (يا صباحاه!) فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد! فاجتمعوا إليه فقال: “أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي”؟ قالوا ما جربنا عليك كذباً. قال: “فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد”. فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام، فنزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبْ} إلى آخر السورة، [متفق عليه].

صبره صلى الله عليه وسلم على الأذى
لقي صلى الله عليه وسلم الشدائد من قومه وهو صابر محتسب، وأمر أصحابه أن يخرجوا إلى أرض الحبشة فرارًا من الظلم والاضطهاد فخرجوا. وكان صلى الله عليه ويلم يصلي، وسلا جزورٍ قريب منه، فأخذه عقبة بن أبي معيط، فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً، حتى جاءت فاطمة فألقنه عن ظهره، فقال حينئذ: “اللهم عليك بالملأ من قريش”.

وفي أفراد البخاري: أن عقبة بن أبي معيط أخذ يوماً بمنكبه صلى الله عليه وسلم ، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟

المصدر
موقع قصة الإسلام

استحداث البريد في زمن الخلفاء الراشدين

البريد اسم للمسافة التي بين كل محطة وأخرى من محطات البريد، وهي أربعة فراسخ، أو اثنا عشر ميلا، ثم أطلق على حامل الرسائل، وتوسعوا فيه الآن، فأطلقوه على أكياس البريد، وأصله من وضع الفرس، ثم استعمل في الإسلام، وأقيم له عامل مخصوص يسمى عامل البريد ينقل أخبار الولاة والبلاد لدار الخلافة والعكس.

والمشهور أن أول من وضعه في الإسلام معاوية بن أبي سفيان، ولعله أول من رتبه على طرق ومناهج مخصوصة رتب له الميل والمحطات وإلا، فالبريد معروف عند من قبله من الخلفاء الراشدين، واشتهر أمره في مدة سيدنا عمر بن الخطاب. ففي سيرة عمر للحافظ ابن الجوزي في الباب الرابع والثلاثين في ذكر عسسه بالمدينة وبعض ما جرى له في ذلك أن عمر لما أبعد نصر بن الحجاج عن المدينة إلى البصرة وكتب عمر إلى عامله كتابا لمكتب الرسول عنده أيا فاتح نادي مناديه ألا إن بريد المسلمين يريد أن يخرج، فمن كانت له حاجة فليكتب، فكتب نصر بن الحجاج كتابا ودسه في المكتب إلى أمير المؤمنين.

كما ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه أن الذي أتى بالعقد هدية من عند امرأة قيصر الروم إلى زوج عمر هو بريد المسلمين.

وفي كتاب الطائر الغريد في وصف البريد للعرب في نظام البريد: أول ما استعمل العرب لنقل البريد الإبل، ثم استبدلوها بالبغال، ثم بالخيل لسرعتها، وكان لكل سفر بريد يتولى قيادة المسافرين وميل العرب للتنقل بالأسفار، وكان أعظم مساعد على أطراد سير البريد الطويل ما بين البلاد الشاسعة بكل ضبط، وهذه الوظيفة كانت عندهم من الوظائف العالية التي لا يوليها إلا الخليفة نفسه ولا يتولاها إلا ذو الأهلية.

وجاء في كتب الإفرنج أن ابتداء ترتيب البريد عند العرب بعد الهجرة النبوية بأمر أول خليفة، وكان يتسع بإتساع فتوحاتهم التي بلغت مسافات شاسعة، وأعظم اتساع ونظام في بريد العرب كان في عهد الخلفاء العباسيين، حيث بلغت محطات البريد نحو ألف محطة، كانت تسمى عندهم بالسكك، ومع هذا الإتساع كانت الأشغال سائرة بكل دقة في مواعيد السفر والوصول والأمنية، فقد كان لكل محطة رئيس لملاحظة سير السعادة والخيالة وحالة المحطات، وكان جميع هؤلاء الرؤساء مضطرين أن يقدموا تقاريرهم عن كل ما يحدث في الخطوط إلى عموم الإدارة في بغداد التي كانت النقطة المركزية.

والرئيس العالي يعرض ذلك على الخليفة نفسه الذي كان يهتم بالبحث عن أحوال البريد، وكان للبريد لائحة عمومية تحتوي على قوانين البريد في سيره وجغرافية الطرق، وكان ينفق على البريد مبالغ وافرة، قيل: إن نفقة فرع اليمن فقط كانت تبلغ نحو أربعة ملايين درهم سنويا، وهي عبارة عن أربعة ملايين ونصف من الفرنكات، ومن ذلك يعلم قدر نفقات باقي الخطوط، وما كان يبذله العرب لتنظيم البريد وقدر أهميته عندهم، واتخذ العرب العلامات لرسل البريد في عهد الخلفاء العباسيين كانت علاماتهم قطعة من الفضة بقدر الكف قد كتب على أحد صفحتها البسملة واسم الخليفة وعلى الصفحة الثانية هذه الآية: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} [الأحزاب 45].

وفي كتاب الخطط للتقي المقريزي أن إبراهيم بن الأغلب لما ولي على إفريقية سنة 261 كانت القوافل والتجار تسير في الطرق وهي آمنة والحصون والمحارس على ساحل البحر حتى كانت توقد النار من مدينة سبتة إلى الإسكندرية فيصل الخبر منها إلى الإسكندرية في ليلة واحدة وبينهما مسيرة أشهر.

المصدر
موقع التاريخ

الشورى في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه – الجزء الرابع

كان للشورى دورٌ كبير في حباة الخليفة الصديق، وكان لمشورة عمر بن الخطاب واقتراحه على الخليفة الصديق أثر في قيام الخليفة بعمل عظيم ألا وهو جمع القرآن. أورد الإمام البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: “أرسل إلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه مقتل أهل اليمامة إن عمر أتاني فقال إن القتل استحر يوم اليمامة بقراء القرآن, واني أخشي إن استمر القتل بالقراء فيذهب كثير من القرآن, وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن, قلت لعمر كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر هذا والله خير, فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبى بكر وعمر رضي الله عنهما”.

فنجد إن الخليفة الصديق اخذ بمشورة عمر بن الخطاب لما رأي أن في ذلك مصلحة عامة وأيضاً لما كانت المصلحة لا تتعارض مع الوحي “الكتاب والسنة”.

وصورة أخرى من الشورى في حياة الخليفة الصديق ذلك أن أبا بكر لما أراد غزو الروم دعا علياً وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبا عبيدة بن الجراح ووجوه الأنصار والمهاجرين من أهل بدر وغيرهم رضي الله عنهم, فدخلوا عليه فقال أبو بكر رضي الله عنه: رأيت أن استنفر المسلمين إلى جهاد الروم بالشام ليؤيد الله المسلمين ويجعل كلمته هي العليا مع أن للمسلمين في ذلك الحظ الأوفر, لان من هلك منهم هلك شهيداً وما عند الله خير للأبرار ومن عاش عاش مدافعاً عن الدين مستوجباً من الله ثواب المجاهدين, وهذا رأيي الذي رأيته فليشر امرؤ على برأيه.

فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال الحمد لله الذي يخص بالخير من شاء من خلقه, والله ما استبقنا إلى شيء من الخير قط إلا سبقتنا إليه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم, والله رأيت لقاءك بهذا الرأي الذي رأيت فما قضى أن يكون حتى ذكرته فقد أصبت أصاب الله بك سبيل الرشاد, سرب إليهم الخيل في اثر الخيل وابعث الرجال بعد الرجال والجنود يتبعها الجنود فان الله ناصر دينه ومعز الإسلام بأهله.

ثم إن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قام فقال: يا خليفة رسول الله إنها الروم وبنو الصفر حد حديد وركن شديد ما أري أن نقتحم عليهم اقتحاماً ولكن نبعث الخيل فتغير في غواصي أراضيهم ثم ترجع إليك وإذا فعلوا ذلك بهم مراراً اضروا بهم وغنموا من أدنى أرضهم فقعدوا بذلك عن عدوهم, ثم نبعث إلى أرضي اليمن وأقاصي ربيعة ومضر ثم تجمعهم جميعا إليك ثم لئن شئت بعد ذلك غزوتهم بنفسك وان شئت أغزيتهم.

فقال أبو بكر: ما ترون؟ فقال عثمان بن عفان أنى أرى انك ناصح لأهل هذا الدين شفيق عليهم, فإذا رأيت رأياً تراه لعامتهم صالحاً فاعزم على إمضائه غير ظنين. فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد وكل من حضر المجلس من الصحابة والمهاجرين رضي الله عنهم, صدق عثمان, ما رأيت من رأي فامضه, وذكروا هذا وأشباهه وعلى رضي الله عنه في القوم لم يتكلم, فقال أبو بكر ما تري يا أبا الحسن, فقال إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم نصرت عليهم إن شاء, فقال بشرك الله بخير, ومن أين علمت ذلك, قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “لا يزال هذا الدين ظاهراً على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون”.

وبعد أن استمع الخليفة إلى آراء كبار الصحابة, وبعد المشاورات والمداولات في هذه القضية الهامة, اصدر الخليفة الصديق القرار الذي توصل إليه الصحابة بعد الشورى، ثم إن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس فذكر الله بما هو أهله وصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس إن الله قد انعم عليكم بالإسلام وأكرمكم بالجهاد وفضلكم بهذا الدين علي كل دين, فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام فإني مؤمر عليكم أمراء وعاقد لكم الولاية فأطيعوا ربكم ولا تخالفوا أمراءكم لتحسن نيتكم وأشربتكم وأطعمتكم.

ولم تقتصر الشورى عند الخليفة الصديق عند قضايا الإدارة والسياسة بل كان يلتزم بالشورى حتى في القضاء لا سيما في المستجدات, أورد ابن القيم عن ميمون بن مهران أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله, فإذا وجد ما يقضى بينهم قضي به, وان لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضى بها, فان أعياه خرج فسأل المسلمين فقال أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضي في ذلك بقضاء, فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاء فيقول أبو بكر الحمد الله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا, فان أعياه أن يجد فيه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم, فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به.

المصدر
موقع التاريخ

الشورى في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه – الجزء الثالث

الشورى في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه – الجزء الثالث
لقد شعر المسلمون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالحاجة إلى رئيس يحفظ كيان الأمة الجديدة ويوجهه حيث ورد أنهم “كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة”. وكما قال أبو بكر مخاطباً المسلمين “لابد لكم من رجلٍ يلي أمركم ويصلي بكم ويقاتل عدوكم”, فكانت الضرورة ملحة لانتخاب خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبأسرع وقت ممكن ليدير شئون الأمة الإسلامية ويجمع كلمتها.

ولابد من أن نشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعهد بالخلافة لأحد من بعده, وخير دليل إلى ذلك إسراع المهاجرين والأنصار إلى انتخاب خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك قول عمر بن الخطاب “فان استخلف فقد استخلف من هو خير منى وان اترك فقد ترك من هو خير منى”.

وقد ورد عن على بن أبى طالب قوله: “لو عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً لأنفذنا عهده, ولو قال لنا قولاً لجادلنا عليه حتى نموت”. فيبدو أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربي أصحابه على مبادئ الشورى ورسخها في نفوسهم فتركهم مؤهلين لاستخلاف من يريدون. لقد انعزل الأنصار بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة إلى سقيفة بني ساعدة, وكان عموم الأوس والخزرج يريدون مبايعة سعد بن عبادة, ولما بلغ المهاجرين مجمع الأنصار المذكور “بلغ أبا بكر وعمر المهاجرون فاتوا مسرعين”، فاحتج المهاجرون بقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم منهم فقالوا “يا معشر الأنصار منا رسول الله فنحن أحق بمقامه”، وقالت الأنصار “منا أمير ومنكم أمير”، فقال أبو بكر: “منا الأمراء وانتم الوزراء, لا نختار دونكم بمشورة ولا نقضى دونكم الأمور”، وقال أيضاً “ولكن قريشاً أولى بمحمد منكم”.

ثم عرض عليهم عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح “فبايعوا أيهما شئتم” فأبيا عليه وقالا: والله ما كنا لنقدمك وأنت صاحب رسول الله وثاني اثنين, فضرب أبو عبيدة على يد أبى بكر وثنى عمر ثم بايع من كان معه من قريش ثم نادى أبو عبيدة “يا معشر الأنصار, لأنكم كنتم أول من نصر فلا تكونوا أول من غير وبدل”، ثم تكلم عبد الرحمن بن عوف فقال “يا معشر الأنصار إنكم وان كنتم على فضل فليس فيكم مثل أبى بكر وعمر وعلى”.

فنهض الأوس والخزرج يبايعون أبا بكر الصديق ولم يتخلف من الأنصار أحد, وكانت هذه البيعة الخاصة, أما البيعة العامة فكانت في المسجد حيث جلس أبو بكر الصديق وأقبل الناس عليه، مهاجرين وأنصار يبايعون.

ونلاحظ في بيعة أبى بكر الصديق رضي الله عنه ما يلي:

• أخذ المسلمين بنظر الاعتبار فضله وسبقه في الإسلام ومكانته عند الرسول صلى الله عليه وسلم حيث انه ثاني اثنين إذ هما في الغار, وهو الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بإمامة المسلمين في الصلاة أيام مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه.

• بلغت أعلى درجات الانتخاب الحر والشورى، فلما تمت البيعة لأبى بكر أقام ثلاثة أيام يقيل الناس ويستقيلهم, يقول قد أقلتكم من بيعتي هل من كاره, هل من مبغض, فيقوم على في أول الناس فيقول والله لا نقيلك ولا نستقيلك أبداً, قد قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوحيد ديننا من ذا الذي يؤخرك لتوحيد دنيانا.

• ويظهر التقليد القبلي في بيعة أبى بكر من قول عمر بن الخطاب: “من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته”، وقول أبى بكر أيضاً “نحن أوسع العرب انساباً, ليس قبيلة من قبائل العرب إلا ولقريش فيها ولادة”.

• وتظهر الشورى جلياً في إسراع الصحابة المهاجرين والأنصار على مبايعة أبى بكر الصديق على الخلافة وعدم تخلف احد منهم حيث رأوه أهلاً للخلافة وأحق بها, ثم جلوس أبي بكر بعد مبايعته ثلاثة أيام “يقيل الناس ويستقيلهم فيقول قد أقلتكم من بيعتي هل من كاره”، ليؤكد الشورى والانتخاب الحر في انتخابه وبيعته, ثم قوله مخاطباً المسلمين بعد بيعته “فإن أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني”، يعكس التزامه بمبدأ الشورى في سياسته.

• ثم ظهور البيعة يعكس بشكل أو بآخر التزام المسلمين بالشورى فكانت البيعة هي العهد على الطاعة, ولم يكن هناك أي نوع من الإكراه في مبايعة أبى بكر الصديق بل بايعه الجميع في رضي وسرور، وسمي أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت مهمته خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به.

مما تقدم يتضح دور الشورى في انتخاب الخليفة الأول أبى بكر الصديق رضي الله عنه, ونجد مظاهر الشورى واضحة في سياسة الخليفة الصديق, بل كان له اقرب من مجلس استشاري يتألف من كبار الصحابة مثل عمر بن الخطاب, على بن ابى طالب, عثمان بن عفان, عبد الرحمن بن عوف, سعد بن أبى وقاص, أبي عبيدة بن الجراح, وبعض الأنصار مثل زيد بن ثابت يعرض عليهم قضايا الدولة الإدارية والسياسية والعسكرية, وكان المسجد النبوي في المدينة هو مكان اجتماعهم

وأحياناً يقتصر الشورى على البعض منهم وربما بادر بعضهم إلى تقديم المشورة والرأي دون طلب من الخليفة. روى ابن سعد “لما ولي أبو بكر رضي الله عنه قال أصحابه اقرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يغنيه عن برديه إذا اخلقهما وضعهما واخذ مثلهما, وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف, فقال أبو بكر رضينا”, وبذلك كان للشورى اثر في إقرار المخصصات المالية وراتب من يتولى الخلافة.

المصدر
موقع التاريخ

الهجرة النبوية دروس وعبر الجزء الثاني

لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة انطلاقة جديدة لبناء دولة الإسلام، وإعزازاً لدين الله تعالى، وفاتحة خير ونصر وبركة على الإسلام والمسلمين. لذا فإن دروس الهجرة الشريفة لا تنتهي ولا ينقطع مداها، ومنها:

دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة
دور المرأة المؤمنة في تحمل أعباء الدعوة كبير وعظيم، فقد كانت خديجة رضي الله عنها الملجأ الدافئ الذي يخفف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينما نزل عليه الوحي في غار حراء وجاءها يرتجف ويقول زملوني زملوني, ولما ذهب عنه الرَّوْع. قال لخديجة: “قد خشيت علي؟”. فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدُق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
ويتجلى دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة من خلال الدور الذي قامت به عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما حيث كانتا نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة؛ فلم يخذلا أباهما أبا بكر مع علمهما بخطر المغامرة، ولم يفشيا سرّ الرحلة لأحد، ولم يتوانيا في تجهيز الراحلة تجهيزاً كاملاً، إلى غير ذلك مما قامتا به.
وهناك نساء أخريات كان لهن دور بارز في التمهيد لهذه الهجرة المباركة, منهن: نسيبة بنت كعب المازنية، وأم منيع أسماء بنت عمرو السلمية.

الصداقة الحقيقية مبادئ ومواقف
كان من فضل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل أفئدة من الناس تهوي إليه، وترى فيه المصحوب المربي والمعلم، والصديق؛ مما جعل سادة قريش يسارعون إلى كلماته ودينه مثل أبو بكر، وطلحة، والزبير، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، متخلين بهذه المسارعة المؤمنة عن كل ما كان يحيطهم به قومهم من مجد وجاه، متقبلين في نفس الوقت حياة تمور مورًا شديدًا بالأعباء والصعاب والصراع.
ولقد توفرت في أبي بكر خصال عظيمة جعلته خير ناقل لأثر الصحبة، كان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر فحسن مجالسته هذا كان سببا في إسلام السابقين فجاء بهم إلى المصحوب الأعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وصلوا. فالصحبة الصالحة لها أثرها البالغ في ثبوت الإيمان في القلوب.
وحينما عاد أبو بكر من رحلة التجارة وأبلغه القوم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه يوحى إليه فأجابهم إن قال فقد صدق فما أن حط عنه عناء السفر، حتى أقبل إلى النبي عليه الصلاة والسلام متأكدا من ذلك، فما أن سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حتى فاضت عيناه وقبل صاحبه الذي ما تردد في النطق بأعظم كلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.
وحينما أذن الله تعالى لرسوله بالهجرة، اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون رفيقه في هجرته، وظلا ثلاثة أيام في غار ثور، وحينما وقف المشركون أمام الغار، حزن أبو بكر وخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلي قدميه، لأبصرنا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما”
وهذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر فرحاً بصحبته صلى الله عليه وسلم.إن هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر كل ماله ليؤثر به الحبيب صلى الله عليه وسلم على أهله ونفسه. عن أنس رضي الله عنه قال رسول صلى اللّه عليه وسلم لحسان بن ثابت: “هل قلت في أبي بكر شيئاً؟”، فقال: نعم. فقال: “قل وأنا أسمع”. فقال:

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ***** طاف العدوّ به إذ صعَّد الجبلا
و كـان حِـبِّ رسـول اللّه قـد عـلـمـوا ***** من البرية لم يعدل به رجلاً

فضحك رسول اللّه حتى بدت نواجذه، ثم قال: “صدقت يا حسان هو كما قلت”. فقد كان الصديق رضي الله عنه مثلًا رائعًا في أن الصداقة مبادئ ومواقف، وليست شعارات وأقوال.

لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة انطلاقة جديدة لبناء دولة الإسلام، وإعزازاً لدين الله تعالى، وفاتحة خير ونصر وبركة على الإسلام والمسلمين.

المصدر
موقع التاريخ

منهاج الاستقطاب عند النبي صلى الله عليه وسلم

كان الداعي إلى الله بإذنه يجتمع بالخلية الدعوية في المقر السري “ابن الأرقم”، يرشد ويعلم على غفلة من زعماء الشرك، ومنذ أن انضم الجندي حمزة بن عبد المطلب وبعض وجهاء قريش، الذين لهم مكانة في المجتمع كعمر بن الخطاب، زادت الحركة قوة ونزل قوله تعالى: ” فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ” فاتسع نطاق الدعوة من المجال الخاص إلى المجال العام، وحققت انتشارا وتغلغلت في كل القبائل تقريبا.

كانت التعددية القبائلية مقدمة مباركة لانتشار الإسلام، وإشارة صريحة لعموم الرسالة وعالميتها، وترجمة صحيحة لطموحاتها الإنسانية، وعامل حماية للدعوة من آفة التعصب القبلي، والانتساب للأرض أو العرق في مقابل الانتساب للدين والأمة. قال العمري: و”لقد انتشر الإسلام في المرحلة المكية في سائر فروع قريش بصورة متوازنة”.

لتنقلب الأخوة الإيمانية على العصبية القبلية ، وتحل الروابط الإيمانية محل الدموية. في إطار سياسة الاستقطاب الدعوي، “عمل النبي ما في وسعه من أجل توسيع نطاق قاعدة الدعوة، لتشمل كل أو معظم الجهات والفئات، ليشكل بذلك النواة الأولى لمشروع الأمة، البديل عن مشروع القبلية”.

وهذه صورة عن التركيبة القبلية الأولى لرجال الدعوة في بداية الاستقطاب: فأبو بكر الصديق قرشي تيمي، وعمر بن الخطاب قرشي عدوي، وعثمان بن عفان قرشي أموي، وعلي بن أبي طالب قرشي هاشمي، والزبير بن العوام قرشي أسدي، وعبد الرحمن بن عوف قرشي زهري، وعثمان بن مظعون قرشي جمحي، وابن أم مكتوم قرشي عامري، وعبد الله بن حذافة قرشي سهمي، والمهاجر بن أبي أمية أخو أم سلمة زوج النبي قرشي مخزومي، والأرقم بن أبي الأرقم بن أسد بن عبد الله بن عمر مخزومي، ومحمد بن أبي حذيفة قرشي عبشمي، ومعمر بن أبي سرح قرشي فهري، ومصعب بن عمير بن هاشم قرشي عبدري.

وعدد من المسلمين في هذه المرحلة لم يكونوا من عشائر قريش، بل كانوا من المستضعفين، أو من الموالي الذين لا منعة لهم ولا قوة. بمعنى أنهم لم يكونوا من العائلات الكبيرة الشريفة، فعبد الله بن مسعود هذلي مضري، من هذيل حليف بني زهرة، وعمار بن ياسر من حلفاء بني مخزوم، وكان من المستضعفين الذين يعذبون بمكة ليرجع عن دينه، ومسعود بن الربيع أعرابي وهو أحد حلفاء بني زهرة.

ومحمد بن مسلمة الأنصاري، حليف لبني الأشهل، وعبد الله بن جحش من حلفاء بني أمية، وصهيب الرومي عربي عراقي نمري من بني النمر بن قاسط، هرب من الروم فأتى مكة فحالف ابن جدعان؛ وكان من متقدمي الإسلام المعذبين في الله، واقد بن عبد الله بن عبد مناف تميمي حليف بني عدي وزيد بن حارثة كلبي، ومولى رسول الله، والطفيل بن عمرو دوسي من قبيلة دوس، وأبو ذر الغفاري، من بني غفار، أسلم قديماً، ويقال كان خامس من دخل في الإسلام، ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم إلى أن قدم المدينة بعد الخندق، وخباب بن الأرت كان أبوه سوادياً من كسكر، فسباه قوم من ربيعة وحملوه إلى مكة فباعوه، سباع بن عبد العزى الخزاعي، حليف بني زهرة، وعامر بن فهيرة مولى الطفيل بن عبد الله الأزدي، وكان الطفيل أخ عائشة لأمها أم رومان، أسلم قديماً قبل دخول رسول الله دار الأرقم، وكان من المستضعفين يعذب في الله، فلم يرجع عن دينه، واشتراه أبو بكر وأعتقه.
ولم يقتصر هذا التنوع على مكة بل تأكد في المدينة حين أشرف مصعب بن عمير على الدعوة، فاخترق بسياسة الاستقطاب كل القبائل تقريباً. وكذلك تم استقطاب العنصر النسوي لأهميته في تبليغ الدعوة للإناث (خاصة) ولغيرهن، فتاريخ الحركات الإصلاحية أثبت كفاءة المرأة في تبليغ الدعوة.

غالبية المنخرطات في التنظيم الدعوي الجديد انضممن عن طريق أزواجهن أو أحد أقاربهن، كما هو حال فاطمة بنت الخطاب، التي دعاها زوجها إلى الخلية فأجابت. وسمية أم عمار التي دعاها عمار ابنها فانخرطت في العمل، وبذلك فهن بالضرورة يمثلن مختلف البطون.
لقد صار هؤلاء الصحابة الأخيار دعاة إلى الله بإذن من رسول الله، كل يدعو حسب طاقته ومنهجه وأسلوبه في التأثير العقلي والوجداني. قال ابن الجوزي “كان أبو بكر يدعو ناحية سرّاً، وكان سعيد بن زيد، مثل ذلك، وكان عثمان مثل ذلك، وكان عمر بن الخطاب يدعو علانية، وحمزة بن عبد المطلب وأبو عبيدة بن الجراح، مما أغضب زعماء قريش وظهر منهم لرسول الله الحسدُ والبغي”.

لقد كان واضحا منذ الوهلة الأولى أن الإسلام ليس خاصا بمكة وقريش، وقد كان منتظراً كذلك أن تخرج الدعوة إلى العلن في يوم ما لتواجه المشركين بشجاعة وحكمة، ولتكسر الطوق وتشق الأصقاع وتصل إلى الناس جميعا، لكن السؤال الملح على كل لبيب يدرك كنه الدعوة، وجاذبيتها المغناطيسية للفقراء والأغنياء.

المصدر
موقع التاريخ

حياء النبي صلى الله عليه وسلم

“فيستحيي منكم”
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر بنا في مسجد بني رفاعة فسمعته يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بجنبات أم سليم دخل عليها فسلم عليها، ثم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عروسًا بزينب، فقالت لي أم سليم: لو أهدينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية. فقلت لها: افعلي، فعمدت إلى تمرٍ وسمن وأقط، فاتخذت حَيْسة في بُرمة فأرسلت بها معي إليه، فانطلقت بها إليه، فقال لي: “ضَعْهَا”. ثم أمرني فقال: “ادْعُ لِي رِجَالاً سَمَّاهُمْ وَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ”، قال: ففعلت الذي أمرني، فرجعت فإذا البيت غاص بأهله، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على تلك الحيسة وتكلم بها ما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه ويقول لهم: “اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ”. قال: حتى تصدعوا كلهم عنها، فخرج منهم من خرج وبقي نفر يتحدثون. قال: وجعلت أغتمُّ ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم نحو الحجرات، وخرجت في إثره فقلت: إنهم قد ذهبوا. فرجع فدخل البيت، وأرخى الستر وإني لفي الحجرة وهو يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}[الأحزاب: 53].

سبحان الله تطهري
عن عائشة أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل قال: “خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ، فَتَطَهَّرِي بِهَا”. قالت: كيف أتطهر؟ قال: “تَطَهَّرِي بِهَا”. قالت: كيف؟ قال: “سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِي”. فاجتبذتها إليَّ، فقلت: تتبعي بها أثر الدم، قال ابن حجر في الفتح: قوله “سبحان الله” زاد في الرواية الآتية”استحيا وأعرض”.

ويستحيي من عثمان
عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي، كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوَّى ثيابه فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسوّيت ثيابك. فقال: “أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ”.

المصدر
موقع قصة الإسلام