عمرو بن العاص – رضي الله عنه

كان عمـرو بن العاص أحد ثلاثة في قريش أتعبوا الرسـول -صلى الله عليه وسلم- بعنف مقاومتهم وإيذائهم لأصحابه، وراح الرسول يدعو عليهم ويبتهل لينزل العقاب بهم فنزل الوحي بقوله تعالى: ” لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ مِنْ شيء أوْ يتوبَ عليهم أو يُعَذِّبهم فإنهم ظالمون ” وكـف الرسول الكريم عن الدعاء عليهم وترك أمرهـم الى الله، واختار اللـه لعمرو بن العاص طريق التوبة والرحمة، فأسلم وأصبح مسلم مناضل وقائد فذ.

إسلامه
أسلم عمرو بن العاص -رضي الله عنه- مع (خالد بن الوليد) قُبيل فتح مكة بقليل {شهر صفر سنة ثمان للهجرة} وبدأ إسلامه على يد النجاشي بالحبشة ففي زيارته الأخيرة للحبشة جاء ذكر النبي الجديد ودعوته وما يدعو له من مكارم الأخلاق، وسأل النجاشي عمرا كيف لم يؤمن به ويتبعه وهو رسول الله حقاً، فسأل عمرو النجاشي: {أهو كذلك ؟}، وأجابه النجاشي: {نعم، فأطِعْني يا عمرو واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، ولَيَظْهرنّ على من خالفه}.
وركب عمرو من فوره عائدا لبلاده ومتجها الى المدينة ليسلم لله رب العالمين، وفي طريق المدينة التقى {خالد بن الوليد} الساعي الى الرسول ليعلن إسلامه أيضا، وما كاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يراهم حتى تهلل وجهه و قال لأصحابه: {لقد رَمَتْكم مكة بفَلَذات أكبادها}.

وتقدم خالد فبايع، وتقدم عمرو فقال: {إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي}. فأجابه الرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم-: {يا عمرو بايع. فإن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله}. وبايع عمرو ووضع كل ما يملك في خدمة الدين الجديد.

مُحَرِّر مِصْر
كانت مصر من أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية، وقد استغل الروم ثرواتها وحرموا منها السكان واستباحوا أهلها حتى أصبح الناس في ضيق لأن الروم فرضوا عليهم مذهبهم الديني قسرا، فلما بلغ المصريون أنباء الفتوحات الإسلامية وعدالة المسلمين وسماحتهم تطلعت أنظارهم إليهم لتخليصهم مما هم فيه،واتجه عمرو بن العاص سنة (18 هجري) على رأس جيش من أربعة آلاف مقاتل متجها الى مصر، وأمام شدة المقاومة طلب عمرو المدد من أمير المؤمنين فأرسل إليه أربعة آلاف جندي وتقدّم المسلمون وحاصروا حصن بابليون لمدة سبعة أشهر وتمكنوا من فتحه.
ثم اتجهوا الى الإسكندرية فوجدوا مقاومة من حاميتها فامتد حصارها الى أربعة أشهر وأخيرا فتحت الإسكندرية وعقدت معاهدة الإسكندرية، ولقد كان -رضي الله عنه- حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة، ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان.

حُبِّ الإمارة
مما امتاز به عمرو بن العاص حُبّه للإمارة، فشكله الخارجي ومشيته وحديثه كلها تدل على أنه خُلِق للإمارة، حتى أن في أحد الأيام رآه أمير المؤمنين عمر وهو مقبل فابتسم لِمَشْيَته وقال: {ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا}.

والحق أن عمرو لم يُبْخِس نفسه هذا الحق، فمع كل الأحداث الخطرة التي اجتاحت المسلمين، كان عمرو يتعامل معها بأسلوب أمير معه من الذكاء والدهاء ما يجعله واثقا بنفسه مُعْتَزا بتفوقه، وقد أولاه عمر بن الخطاب ولاية فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين، وعندما علم ابن الخطاب أن عمراً قد اجتاز حد الرخاء في معيشته أرسل إليه (محمد بن مَسْلمة) وأمره أن يقاسم عمراً جميع أمواله وأشيائه، فيبقى له نصفها ويحمل معه الى بيت مال المسلمين بالمدينة النصف الآخر، ولو علم أمير المؤمنين عمر أن حب عمرو للإمارة سيحمله على التفريط في مسئولياته لما أبقاه في الولاية لحظة واحدة.

وفاته
في السنة الثالثة والأربعين من الهجرة، أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر حيث كان واليا عليها، وراح يستعرض في لحظات الرحيل حياته فقال: {كنت أول أمري كافرا، وكنت أشد الناس على رسول الله، فلو مِتّ يومئذ لوجَبَت لي النار، ثم بايعت رسول الله، فما كان في الناس أحد أحبّ إلي منه، ولا أجلّ في عيني منه، ولو سُئِلْتُ أن أنْعَتَه ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له، فلو مِتّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم بُليت بعد ذلك بالسلطان، وبأشياء لا أدري أهي لي أم عليّ}.

المصدر
موقع شبكة منهاج السنة

عمر بن الخطاب رضي الله عنه

وهو من أوائل من أسلم، وكان إسلامه -كما وصفه عبدالله بن مسعود- فتحًا، وخلافته رحمة. وفرح المسلمون بإسلامه فرحًا عظيمًا، فصلوا في الكعبة وكانوا لا يصلون قبل ذلك إلا في بيوتهم، وسار عمر في مسيرة الإسلام سيرة الرجال العظماء فدافع عنه ودافع عن نبيه صلى الله عليه وسلم وهاجر مع من هاجر من المسلمين إلى المدينة، وكان نعم الصاحب لرسول الله الملازم له المتعلم منه، وكان من نوابغ الإسلام، ومن وزراء النبي صلى الله عليه وسلم وخاصته، ولا يقدم عليه في الفضل إلا أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

وقد وردت فضائله في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًا قط إلا سلك فجًا غير فجك» (رواه البخاري ومسلم). وذلك لقوة دينه فلا سبيل للشيطان عليه.

ومن فضائله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدَّثون فإن يكُ في أمتي أحد فإنه عمر» (رواه البخاري ومسلم). ومعنى محدثون أي: ملهمون يلهمون الصواب وهي فضيلة عظيمة لعمر إذ اشتهر بآرائه التي ينزل القرآن الكريم بتأييدها.

ومن فضائله قوة دينه التي شهد بها النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا أنا نائم رأيت الناس عُرضوا علي وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعُرض علي عمر وعليه قميص اجتره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين» (رواه البخاري ومسلم).

ومن فضائله شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه من الشهداء، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أُحُدًا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله، وقال: «اثبت أُحُد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان» (صحيح البخاري) ومعلوم من هو النبي والصديق وبقي الشهيدان وهما عمر وعثمان فهما اللذان ماتا مقتولين بيد أعداء الأمة ومنافقيها.

ومن فضائله شهادة النبي له بأنه من أهل الجنة فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط -بستان- من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «افتح له، وبشره بالجنة»، ففتحت له، فإذا أبو بكر فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «افتح له وبشره بالجنة»، ففتحت له فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم استفتح رجل، فقال لي: «افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه»، فإذا عثمان فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم قال: الله المستعان. (رواه البخاري ومسلم).

وشهد الصحابة الكرام بفضله كما في أثر ابن عمر السابق. وكما روى ابن عباس رضي الله عنه قال: وُضِع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع، وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي فإذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقي الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت إني كنت كثيرًا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر» (رواه البخاري ومسلم).

المصدر
موقع طريق الإسلام

غدر اليهود ونقضهم العهود مع الرسول

لما انتصر المسلمون في غزوة بدر، اغتاظ اليهود في المدينة بشدّة، فكان يهود بني قينقاع يسخرون من المسلمين، ويقللون من شأن انتصارهم يوم بدر، وقام شاعرهم كعب بن الأشرف بحملة عدائية ضد المسلمين، وأخذ يبكي بشعره قتلى بدر من المشركين، ويحرض قريشًا على الأخذ بثأرها، ومحو عار هزيمتها.

وتمادى يهود بنو قينقاع في شرهم، فاعتدوا على امرأة مسلمة، دخلت سوقهم لتبيع مصاغًا لها، فأحاط بها عدد من اليهود وآذوها، وطلبوا منها أن تكشف عن وجهها، فأبت، فعقد الصائغ ثوبها إلى ظهرها وهي لا تشعر، فلما قامت تكشفت فضحكوا عليها، فصاحت واستغاثت.

فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، فتجمع اليهود على المسلم فقتلوه، فلم يجد رسول الله عليه الصلاة والسلام بدًّا من غزو هؤلاء الخائنين، وقد نقضوا العهد الذي بينه وبينهم بهذه الفعلة النكراء، فحاصرهم خمس عشرة ليلة، ثم فكّ الحصار عنهم وأجلاهم عن المدينة بعد أن أخذ أسلحتهم، فارتحلوا مخذولين إلى حدود بلاد الشام.

ولم يتعظ من بقي من قبائل اليهود بما حدث لإخوانهم من بني قينقاع، وراحوا يمارسون هوايتهم وطبعهم في المكر ونسج المؤامرات، وازدادت جرأتهم بعد غزوة أحد، حتى وصل بهم الأمر أن خططوا لمؤامرة تهدف إلى التخلص من النبي عليه الصلاة والسلام.

وذلك عندما خرج إليهم النبي عليه الصلاة والسلام يطلب من يهود بني النضير مساعدته في دفع دية رجلين قتلهما أحد المسلمين خطأً، وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة التي بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام ، فتظاهروا بالموافقة، لكنهم بيّتوا الشر، وطلبوا من النبي عليه الصلاة والسلام أن يجلس بجوار جدار أحد بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا، وخلا بعضهم إلى بعض، واتفقوا على أن يلقى أحدهم صخرة كبيرة على النبي عليه الصلاة والسلام من فوق ذلك البيت فتقتله.

فنزل جبريل-عليه السلام- من عند رب العالمين، وأخبره بما هَمَّ به أولئك الخبثاء من غدر، فقام النبي عليه الصلاة والسلام مسرعًا، وتوجه نحو المدينة، ولحقه من كان معه من أصحابه، وعندما تأكد للنبي عليه الصلاة والسلام إصرار هؤلاء اليهود على الغدر، وتآمرهم وحقدهم على الإسلام، اتخذ قراره بإجلائهم عن المدينة.

ولقد شن اليهود على رسول الله عليه الصلاة والسلام قديمًا وحديثًا حملات إعلامية لتشويه صورته، وتنفير الناس منه ومن دينه ودعوته؛ لشعورهم بخطورة هذا الدين على مصالحهم، وعلى عقيدتهم المنحرفة القائمة على الاستعلاء واحتقار الناس عدا الجنس اليهودي.

فقد جاء رسول الله عليه الصلاة والسلام ينادي بعقيدة التوحيد وهم يقولون: عزير ابن الله، وجاء ينادي بالمساواة وهم يرون أنهم شعب الله المختار، ومن ثَمّ كثرت مواقفهم ومؤامراتهم الخبيثة؛ لمحاولة قتل النبي عليه الصلاة والسلام ، والقضاء على الإسلام في مهده الأول في المدينة المنورة.

هذه المؤامرات تتكرر بين الحين والحين، وتتغير أشكالها بتغير الزمان والمكان، لكنها لا تتوقف، ولن تتوقف، فقد أوضح الله تعالى للمسلمين أن عداوة اليهود لهم أبدية، لا تقبل التغيير، ولا تتحول إلى المسالمة والمحبة إلا إذا ارتد المسلمون عن دينهم، فقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

هكذا شأن اليهود، فالعداوة للحق متأصلة فيهم يتوارثونها كابرًا عن كابر، فهم قتلة الأنبياء وأعداء الرسل وأعداء أتباعهم في كل عصر وفي كل مِصر.

إن مواقف اليهود الخبيثة والحاقدة على الإسلام وعلى رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة كثيرة، وليس هذا حصرًا لها بقدر ما هو إشارة إلى بعض منها؛ للاستفادة منها في واقعنا.. فعلى المسلمين أن يتنبهوا لمؤامرات اليهود وغيرهم، وأن يقفوا يدًا واحدة أمام أطماعهم ومؤامراتهم.

المصدر
موقع التاريخ

اليهود ومؤامراتهم في المدينة

إن عداوة اليهود للنبي عليه الصلاة والسلام لا عجب فيها، فحالهم مع أنبيائهم، فريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون، ومن ثَمّ لا غرابة أن يكذبوا ويعادوا ويتطاولوا على رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل ويحاولوا قتله.

أما مواقفهم ومؤامراتهم على النبي عليه الصلاة والسلام وعلى المسلمين في المدينة فكثيرة، نشير إلى بعضها للاستفادة منها في واقعنا.

إساءة الأدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام
كان اليهود يسيئون الأدب مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في حضرته وأثناء خطابه، فكانوا يحيونه بتحية، في باطنها الأذى والحقد عليه عليه الصلاة والسلام ؛ مما يدل على خبثهم وسوء أخلاقهم وبغضهم الشديد لرسول الله عليه الصلاة والسلام .

عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: (جاء ناس من اليهود إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالوا: السَّامُ (الموت) عليك يا أبا القاسم. فقلت: السام عليكم، وفعل الله بكم. فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : «مه يا عائشة؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش».

فقلت: يا رسول الله، ترى ما يقولون؟ فقال: «ألست تريني أرد عليهم ما يقولون وأقول: وعليكم» (رواه البخاري). قالت: فنزلت هذه الآية في ذلك، وهي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة: 8].

تفكيك الجبهة الداخلية للمسلمين
ولقد حاول اليهود-كعادتهم- تصديع وتفكيك الجبهة الداخلية للمسلمين، فهذه إحدى وسائلهم الخبيثة-قديمًا وحديثًا- في حرب الإسلام، وذلك بإثارة الفتن الداخلية، والشعارات الجاهلية، والدعوات القومية والقبلية، والسعي بالدسيسة للوقيعة بين المسلمين.

روى الطبري في تفسيره: أن شاس بن قيس اليهودي، كان عظيم الكفر شديد العداوة للمسلمين، مرّ يومًا على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس يتحدثون، فغاظه ذلك حيث تآلفوا واجتمعوا بعد العداوة، فأمر شابًّا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكّرهم يوم بُعاث، وينشدهم ما قيل فيه من الأشعار، وكان يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس، ففعل، فتشاجر القوم وتنازعوا، وقالوا: السلاح السلاح!

فبلغ النبي عليه الصلاة والسلام ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار، فقال: «أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، وألف بينكم».

فعرف القوم أنه نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فما كان يوم أقبح أولاً وأحسن آخرًا من ذلك اليوم، وأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 99].
ومن خلال هذا الموقف نرى قدرة النبي عليه الصلاة والسلام على إفشال مخطط اليهود الهادف لتفتيت وحدة الصف، وكذلك اهتمامه عليه الصلاة والسلام بأمور المسلمين وإشفاقه عليهم، وفزعه مما يصيبهم من الفتن والمصائب، فقد أسرع إلى الأنصار وذكّرهم بالله، وبيّن لهم أن ما أقدموا عليه من أمر الجاهلية.

وذكّرهم بالإسلام وما أكرمهم الله به من القضاء على الخلاف، وتطهير النفوس من الضغائن، وتأليف القلوب بالإيمان، فمسحت كلماته عليه الصلاة والسلام كل أثر لأمر الجاهلية-بفضل الله تعالى-، فأدركوا أن ما وقعوا فيه كان من وساوس الشيطان وكيد عدوهم من اليهود، فبكوا ندمًا على ما وقعوا فيه وتعانقوا؛ تعبيرًا على وحدتهم ومحبتهم الإيمانية لبعضهم.

المصدر
موقع التاريخ

تبوك آخر الغزوات وأول الفتوحات – الجزء الثالث

الحوار أكثر من القتال
ولعل الصلح مع دومة الجندل يؤشر إلى ما توخاه الرسول من غزوته التي بدا أنها ترمي إلى تحقيق مصالحات مماثلة، تؤمن له الاستقطاب، عبر الحوار أكثر من القتال، لعدد من القبائل، فإن لم تنخرط في دعوته، اكتنهت بعض قيمها، آخذًا في الاعتبار ما يجمعها من جذور مشتركة مع المسلمين. وفي ضوء ذلك كانت تبوك نقطة انطلاق إلى رؤساء القبائل العربية من حولها، حيث وجّه كتبه الداعية إلى نبذ عبادة الأصنام والانضواء في عقيدة قومهم. كما كان لنزوله في تبوك صدى لدى التجمعات القبلية القريبة منها، فما لبث أن قدم إليه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة (على ساحل بحر القلزم)، فصالحه الرسول على أن يؤدي الجزية، وذلك مقابل عهد «بألا يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقًا يريدونه..» حسب رواية الواقدي.

وعلى نحو ما نهج عليه الرسول في دومة وأيلة، عقد صلحًا مع تيماء (على ثماني مراحل من المدينة)، وجرباء وأذرح (قريتان في الشام)، ومقنا (قرب أيلة)، وفاق عهد بالأمان على أنفسهم وتجاراتهم، مقابل الجزية، استنادًا إلى رواية الواقدي الذي توسع في تفاصيل هذه العهود، مضيفًا في هذا السياق أن «نفرًا من بني سعد قدموا على الرسول (في مقره)، وكانوا يعانون شح بئرهم وقد اشتد عليهم القيظ، فطلبوا أن يدعو لهم في بئرهم».

ولعل ما يمكن استخلاصه من ذلك، أحد أمرين: إما أن بني سعد كانوا على عقيدة الإسلام، وإما أنهم تأثروا بالأفكار التي تداعت إليهم خلال مقام الرسول في تبوك، وتواصله الحواري مع القبائل المنتشرة حول الأخيرة، مما يرجح بأن ثمة تغيرًا بدأ يسود المنطقة، أو على الأقل بدأت ترهص به، من خلال احتكاكها بالسرايا السالفة، حيث راكمت حضورًا ما للإسلام. فجاءت غزوة تبوك تعمق هذا الحضور لدى القبائل التخومية، المبهورة حينذاك بشخصية الرسول، وقد رأت فيه من سمو الخلق وارتقاء السلوك القيمي، ما لم تعهد مثلهما من قبل.

ولعل ما يمكن استنتاجه من هذه المعاهدات، أن الرسول بعد فتح مكة، أصبح في موقع المبادر الذي يُمسك بزمام التوقيت، فضلاً عن تعزيز قوته العسكرية، مقارنةً بما كانت عليه إبان سرية مؤتة، التي ظلت في هواجسه، وما برحت تستثيره ذكرياتها، لاسيما المتصلة بالشهداء الثلاثة الكبار الذين سقطوا على أرضها. ومن هذا المنظور كانت تبوك في صميم سياساته الشامية، التي عبّرت عنها سرية مؤتة بصورة غير مألوفة في السرايا ذات الأهداف المحدودة في هذا الاتجاه. وإذا كان الرسول قد تجنب الاقتراب من المنطقة التي انتهت إليها السرية السالفة، حيث احتشدت القبائل المعادية في البلقاء، فإن مؤتة لم تغب عن باله وهو في آخر أيامه، عندما جهّز «بعث أسامة» في السنة الحادية عشرة للهجرة، وأوصى الأخير، كما في مروية ابن سعد قائلا: «سر إلى موضع مقتل أبيك (زيد بن حارثة)، فأوطئهم الخيل، فقد ولّيتك هذا الجيش».

غزوة التحديات
والسؤال الآن، هل كانت تبوك ردة فعل على مؤتة، أو مجرد ثأر لشهدائها، كما يبدو في الوصية السالفة؟ وإن صح ذلك، فلا يتعدى جزءًا من الحقيقة وليس كلها، كما أن بعث أسامة لن يكون دقيقًا تقويمه، إلا في سياق المشروع السياسي التوسعي في اتجاه الشام. وما جاء في الوصية إنما يندرج في التحريض على المستوى الشخصي، بما يشكل دفعًا لهذا المشروع واستمرارًا له، كذلك رسالة لمن بعده، بإعطاء الأولوية للشام في سياسات خلفائه.

وهكذا، في غمرة التحولات على جبهة الحجاز وكانت غزوة تبوك استجابة لتحديات ما انفك الرسول منذ العام الهجري السادس، يخوض مواجهة معها. ولم يكن حينئذ ليغامر بذلك العدد الكبير من المسلمين، من دون رصد الأحوال في الشام، مختارًا الوقت والمكان المناسبين. ولذلك سلك طريقًا لا تأخذ به إلى صدام مسلح مع القبائل، أو مع البيزنطيين في تمركزهم البعيد، إذ قرأ جيدًا أبعاد المهمة التي كانت واضحة الهدف، وضوح النتائج التي انتهت إليها. وقد تكون القبائل، حتى المرابطة في البلقاء، تجنبت بدورها الصدام مع الغزوة، بعدما تصادى في وعيها شيء من فكر الإسلام، القادم من بيئة عربية، وربما وجدت فيها ذاتها المصادرة في ظل الحكم البيزنطي.

وقد لا نبتعد عن الحقيقة في قراءتنا لغزوة تبوك بأنها الإطلاقة الأولى لحركة الفتوح الشامية، إذ كانت الهالة التي أحطيت بها، وما أسفرت عنه من تداعيات إيجابية لدى بعض القبائل العربية، قد أرست تراثًا استلهمه الخليفة الأول وأصحابه، ممن شاركوا في الغزوة، متابعين المسيرة دون تهيّب وغير عابئين بمعادلة توازن القوى التي طالما اخترقوها في حروبهم الحجازية. ولا نجافي أيضًا الحقيقة، بأن هذه الغزوة، على الرغم من عدم احتكاكها بالبيزنطيين، فإنها أحدثت ثغرة في نظامهم على ساحة الشام، وعرقلت مشروع هرقل الجديد لغرض السيطرة المباشرة على الأخيرة، بعد اختراقها بجرأة الجبهة القبلية التي كان مطمئنًا إلى انخرطها في نفوذه.

ويبقى أن الإمبراطورية البيزنطية، وهي الأساس امتداد شرقي لإمبراطورية الرومان المتهاوية في الغرب، قد بدأ ينال منها الهرم، نتيجة الصراعات المتفاقمة على السلطة، ولم تنقذها هزيمة هرقل للفرس. وفي هذا الوقت كان الإسلام تترسخ جذوره «دولة» فتية، وقضية مضيئة في عقول المسلمين، وخيار النصر أو الشهادة يتبلور إيمانًا ويقينًا في نفوسهم. فلم يجدوا صعوبة في مطالع العهد الراشدي، في دحر البيزنطيين من الشام، بعد معارك مظفرة، سرعان ما ضوت إليها القبائل العربية، سواء المتعاهدة مع الرسول في تبوك، أو تلك المنتشرة في البلقاء والتي كانت هدفًا مباشرًا لبعث أسامة، وحالت وفاة الرسول دون تحقيق المهمة المعقودة عليها.

المصدر
موقع التاريخ

تبوك آخر الغزوات وأول الفتوحات – الجزء الثاني

سرية مؤتة
لعل نكبة المسلمين في ذات أطلاح، حدت بالرسول إلى تعديل خطته في هذا السياق، بتعزيز عديد السرايا الموجهة إلى أرض الشام. وهذا ما يتأكد في سرية مؤتة (السنة الثامنة) التي حشد لها ثلاثة آلاف مقاتل، وعلى رأسهم زيد بن حارثة قائدًا، ومعه جعفر بن أبي طالب، يحل مكانه إذا قُتل، وعبدالله بن رواحة، تئول إليه القيادة إذا ما قتل الثاني. وكان فيها أيضًا قائد أبلى لاحقًا في حروب الردة والفتوح وهو خالد بن الوليد. هذه السرية كان لها صدى واسع في أدبيات المسلمين، إذ هي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد غزوة تبوك.

ولكن بقدر ما كانت أهداف الأخيرة واضحة، كان اللبس، أو كثير منه، يحيط بالأولى، سواء في أهدافها أو تداعياتها، وربما طغى عليها برق القادة الثلاثة الذين استشهدوا في معركة مبهمة. وعلى الرغم من إنقاذ خالد بن الوليد السرية من هزيمة محققة، مُنسحبًا مع المقاتلين في الوقت المناسب، فقد رأى فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم) انتصارًا، على الأقل، في ما حققته من اختراق لمنطقة بعيدة من أرض الشام. وبات لشدة منافحته عن هذه السرية، وكأنه من شهودها، مستبرًا أبعادًا وأهمية نتائجها، حتى إن بعض الإخباريين أدرجوها بين الغزوات التي اصطلح أن تكون بقيادته. وقد تبنى هذا التقييم ابن كثير في وصفه لسرية مؤتة، بأن «هذه الغزوة كانت إرهاصًا لما بعدها من غزو الروم وإرهابًا لأعداء رسول الله».

ومن هذا المنظور نكتنه المغزى البعيد لسرية مؤتة، في أنها لم تنعكس إحباطًا على المدينة أو تعثرًا لمشروع الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وإنما كانت الحافز للاستمرار في النهج، عندما انطلقت مباشرة بعدها حملة ذات السلاسل (على مسافة عشرة أيام من المدينة). ويلتبس الأمر إذا كانت هذه غزوة أو سرية، حيث ترد الأولى في «مغازي» الواقدي، والثانية في «غزوات» ابن سعد، ولكن الراجح، بل المؤكد ما جاء في الأخيرة، بدليل أن الواقدي نفسه روى عن وصول أنبار للرسول، بأن جمعًا من بلي وقضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عمرو بن العاص وبعثه في سراة المهاجرين والأنصار.

ولعل دوافع اختياره له، ارتباطه بصلة قربى مع بلي، مما يعزز الرأي بأن الرسول كان لايزال يجد في قبائل التخوم مدخلاً إلى الشام، دابئًا على محاولة استئلافهم» – كما ورد في سيرة ابن هشام – أو على الأقل استثارة عصبيتهم العربية على حساب ولائهم البيزنطي.

في السنة الثامنة للهجرة، كانت سيادة المدينة تترسخ في الحجاز وعلى تخومه، فارضة نفسها قوة رئيسة في شبه جزيرة العرب، التي أخذت قبائلها، تدريجيًا، تتحلل من ارتباطاتها بقريش التي عانت عزلة بعد صلح الحديبية، ولم تعد تملك ما يكفي من مقومات الصمود. كذلك مكة لم تعد بحاجة إلى عملية عسكرية لتأكيد سقوطها، فقد تم اتفاق حينئذ بين كبير تجارها أبي سفيان، وبين المدينة من خلال الدور الذي تولاه في هذا الصدد، العباس عم الرسول، وكان قد أعلن إسلامه قبيل ذلك، ممهدًا للدخول السلمي إليها، فكانت الحملة التي قادها الرسول أشبه بتظاهرة للإسلام المنتصر على الوثنية. واختصّت مكة بمصطلح جديد هو «الفتح» أو «الفتح المبين» في السياق القرآني، بما يعنيه ذلك من حسم لمصلحة الإسلام في الحجاز.

ولكن مكة لم «تسقط»، حيث انبثقت منها الدعوة، وإليها ينتمي الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمهاجرون، وفيها الكعبة، حيث أقام صرحها النبي إبراهيم، مبشرًا بعقيدته التوحيدية (الحنفية) التي انطلق من جذورها الإسلام، وإنما قريش الوثنية المعادية للرسول ودعوته، سقطت وزال نفوذها، إلا أن الرسول كان متسامحًا معها، واتخذ حاضرتها المركز الروحي للإسلام، فيما المدينة التي آزرته في الشدائد، كانت أكثر مواءمة لتكون المركز السياسي والإداري لدولته الصاعدة.

الحرب الأخيرة
وبفتح مكة دخل الإسلام في منعطف جديد، وكان توحيد القبائل العربية في إطاره ما شغل حينئذ الرسول (صلى الله عليه وسلم)، لاسيما تلك المقيمة في الشام، من دون أن يكون ذلك منفصلاً عن موقفه من البيزنطيين أسياد المنطقة. ولعل في مغازي الواقدي ما يشي بهذه الهواجس، إذ ورد في إحدى مروياته: «كانت أخبار الشام عند المسلمين كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط، فقدمت قادمة، فذكروا أن الروم جمعت جموعًا كبيرة بالشام، وأن «هرقل» قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وعاملة، وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص».

ولعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المقابل لم يكن في ذهنه إعلان الحرب على البيزنطيين، وإن كان هؤلاء في صميم مشروعه، ولكن عندما تكتمل الشروط لفتح هذه الجبهة الصعبة، مع العلم بأنه في الأدبيات المنسوبة له، كان واضحًا فيها أن الهدف المحوري، ليس فقط تحرير القبائل العربية من الهيمنة البيزنطية، وإنما تحرير الشام من هذه الأخيرة، وذلك بما يمهد لانتشار الإسلام، تعبيرًا عن طبيعة الدعوة في نطاقها العالمي. وإذا كان أحد لا يدرك حينئذ ما دار في خلد الرسول، فإن المرويات التاريخية ليست دائمًا مما يحسم مثل هذه المسألة، خصوصًا أنها تواترت شفاهًا لوقت طويل بعد غزوة تبوك، والمؤرخ من خلال شكوكه المشروعة، لا يرى حرجًا في النقد، مستندًا إلى مرجعية يتآزح فيها العقل مع الرواية في مقاربة الحقيقة التاريخية.
لعل البيزنطيين كعادتهم، استخدموا القبائل العربية لصد أي محاولة لاختراق مواقعهم في الشام، إلا أن الرسول وقد اتخذ قراره بصدد ما عرف بغزوة تبوك، بعد فترة تأمل دامت بضعة شهور، لم يتنه عنه ما تناهى إليه عن حشود للقبائل، أو حتى للبيزنطيين. خلافًا لذلك دعا إلى التعبئة العامة في المدينة، كما «بعث إلى قبائل العرب يستنفرهم» حسب رواية ابن سعد، مراعيًا التوقيت المناسب وذلك «في زمان من عسرة الناس وشدة الحر وجدب من البلاد»، وفقًا لما ورد في سيرة ابن هشام.

أما عن عديد الغزوة، فقد توافقت الروايات على أنه بلغ ثلاثين ألفًا وعشرة آلاف فرس، وفي ذلك دلالة على أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ربما كان متحسبًا لصدام مع البيزنطيين، وليس فقط لحشود القبائل في البلقاء. ولكن الأرقام لا تخلو عادة من مبالغات، متسائلين إذا كان في وسع المدينة تجنيد مثل هذه القوة الكبيرة، أو تملك القدرة على مواجهة القبائل والبيزنطيين معًا. بيد أنه من المؤكد أن الغزوة ضمت حشدًا كبيرًا من المسلمين، لا يُقاس عددًا بما حوته الحملات السابقة. وكان ذلك يحتاج إلى تمويل تصدى له عدد من الصحابة، ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة بن عبيدالله من المهاجرين، وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة من الأنصار.
وليس ثمة شك أن التعبئة الواسعة للجهاد، قد أشاعت مناخًا استثار مواجد المسلمين واستفز حماستهم للتضحية، ليس بالمال فحسب، بل بالأنفس التواقة إلى الشهادة في موكب الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فهي غزوة عنوانها الجهاد بما للكلمة من خصوصية في الإسلام. فكان نداء الرسول: «قدّموا القرآن» يتصادى في الآذان، مؤكدًا على المنحى الرسالي للغزوة التي يمكن اعتبارها من هذا المنظور أول «الفتوح» في الإسلام.

والواقع أن الروايات لم تُشر إلى تفاصيل دقيقة عن مسيرة الحملة الكبيرة، سوى ما كان من توسع لدى الواقدي في أحداث أقرب إلى القصص التاريخي، كما لم تأت على ذكر أي تصد لها قبل بلوغ تبوك. وإذا كان من تفسير لذلك، فهذا يعني أنها لم تقترب من مواقع الخطر، وربما استهدفت مواقع قبائل غير متورطة مباشرة في الموقف البيزنطي، وهو ما سيتبين لاحقًا في المعاهدات التي أسفرت الغزوة عنها. ولعل المرويات افتقدت تفاصيل كافية عن مسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى تبوك، إذ كان التركيز على ما بعد نزوله في الأخيرة، كما لم تحدد – شأن السرايا والغزوات السالفة – توقيت وصوله، أو مجال حركته في المنطقة، سوى أنه أقام عشرين ليلة فيها، ما انفك خلالها، موجهًا ومرشدًا، وخطيبًا يتصادى كلامه مع اللحظة التاريخية: «إن أصدق الحديث كتاب الله وأوثق القول كلمة التقوى، وأشرف القتل قتل الشهادة..»، إلى آخر ما ورد في الخطاب – الوصية، متضمنًا أفكارًا قيمية عن المغزى الذي تمثله الحملة في بنيان حركة الإسلام. إلى ذلك، فقد أرسى نواة مسجد أقام الصلاة فيه، وقيل إن آيات من القرآن نزلت عليه في تبوك، وهي تحمل إشارات إلى التحريض على الجهاد والتحذير من المنافقين، ووضع المسلمين بين خياري الغنيمة (بمعنى النصر) والشهادة.

وكان الرسول أثناء مقامه في تبوك قد وجه خالد بن الوليد في أربعمائة فارس إلى دومة الجندل التي سبق لعبدالرحمن بن عوف أن قاد سرية إليها قبل سنوات ثلاث، إلا أن موقف ملكها المسالم حينذاك، أصبح مغايرًا أمام خالد، وما لبث أن خرج مقاتلاً من حصنه، ومعه أخ له يدعى حسان. ولكن لم يطل الوقت حتى استسلم، فيما قُتل أخوه بعد إصراره على الحرب.

وانتهى الأمر – حسب رواية ابن سعد – إلا أن خالدًا أجار الملك (أكيدر) «من القتل حتى يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن يفتح له دومة الجندل ففعل ذلك وصالحه».

وعلى الرغم من خضوع «الملك» وما قدمه من ضريبة باهظة للمسلمين، فإن ذلك لم يكن فتحًا حقيقيًا للحصن، ربما لأن الرسول لم يكن في خطته القيام بعمليات توسعية، في وقت كانت تنتشر من حوله تجمعات القبائل المعادية، فيما هرقل لايزال مرابطًا في حمص.

المصدر
موقع التاريخ

تبوك آخر الغزوات وأول الفتوحات – الجزء الأول

كانت الشام خاضعة للبيزنطيين، أو الروم في الأدبيات العربية. ومنذ وقت غير محدد نزلت فيها مجموعات قبلية، في سياق الهجرات القادمة من اليمن، بعد اختلال أوضاعه السياسية والاقتصادية، مثل جذام ولخم وبلقين وبهراء وبلّي، فضلاً عن الأزد التي تحدر منها الغساسنة الأقوى حضورًا في الشام، بعدما اتخذهم البيزنطيون «حاجزًا» بينهم وبين مناطق النفوذ الفارسي إلى جانب التصدي للغزوات القبلية من الجنوب.

في هذا الوقت، كانت مكة وسط مثلث تجاري، شكلت عقدة مواصلاته ما بين الشام واليمن والعراق. ولكن مع ضمور دور الأخير بعد السيطرة المباشرة للفرس على الحيرة (المناذرة)، واستبدالهم ببني لخم أمراء الأخيرة، أميرًا من طيء، ومن قبل توغل الأحباش في اليمن حتى مكة التي صدوا عنها في عام الفيل (570م) اهتزت حينئذ منظومة «الإيلاف» بما فيها رحلتا الشتاء والصيف إلى اليمن والشام، لتصبح الأخيرة محور التجارة القرشية، وطريقها، الشريان الحيوي لقوافلها. ولذلك، فإن السرايا الأولى التي بثها الرسول حول المدينة، كان الهدف منها إرباك حركة قريش على هذه الطريق وتهديد أمنها التجاري، لاسيما بعد معركة بدر، المؤشر الأول في هذا الاتجاه.

حصار مكة
ولعل «حصار» مكة، رهصت به هذه العمليات التي بدأت استطلاعية، وتطورت إلى أن يتسع مدار حركتها، في محاولة اختراق الأطراف الجنوبية للشام، مهددة قريش في صميم حياتها الاقتصادية. ويمكن أن نضيف أيضًا، أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي تعرّف الشام صبيًا، وقصدها تاجرًا وهو شاب في إحدى رحلات الصيف، كان يعي أهمية هذه المنطقة في مشروعه الرامي إلى إضعاف قريش، عدا تطلعاته البعيدة إلى السيطرة على الشام، مما يفسر كتابه إلى هرقل، بعد شعوره بأن الحسم بات وشيكًا في الحجاز، مع علمه بأن مثل هذا «الكتاب» لن يغيّر في معتقد الإمبراطور، المنتصر لتوه على الفرس في حرب شبه صليبية.

ولكن دلالته كانت واضحة في تحذيره – كما جاء في الكتاب – من الإساءة لـ «الأكاريين» العرب، كما كانت واضحة في الحملات التي اقتحمت بجرأة مناطق نفوذه، مما لم يحدث بهذه الوتيرة في السرايا على الجبهات الأخرى.

كانت «حسمى»، السرية الأولى – حسب الواقدي – نحو الشمال، في السنة السادسة للهجرة، وهي – استناداً إلى ياقوت – أرض ببادية الشام. أما أسبابها المباشرة فتعود إلى أن دحية بن خليفة الكلبي، موفد الرسول إلى القيصر البيزنطي، «لقيه ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق» (الواقدي). على الرغم من وصوله سالمًا إلى المدينة، فقد انتدب الرسول (صلى الله عليه وسلم) زيد بن حارثة على رأس سرية من خمسمائة رجل، وهي أول سرية تضم مثل هذا العدد من المسلمين، وكانت بمنزلة رسالة إلى القبائل العربية الموالية للبيزنطيين. فأغاروا على جذام وسبوا عددًا كبيرًا منهم وأصابوا غنائم وفيرة، مما حدا بزيد بن رفاعة الجذامي إلى القدوم على المدينة شاكيًا للرسول (صلى الله عليه وسلم) ما حل بقبيلته، فبعث معه عليًا إلى قائد السرية، ناقلاً إليه الأمر «بأن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم»، حسب رواية ابن سعد.
وكانت هذه السرية قد نجم عنها أول احتكاك بقبائل الشام، مؤدية غرضها في التواصل المباشر معها، والذي تمثل خصوصًا في قدوم رئيس جذام إلى المدينة، وما لقيه من تسامح لدى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ترك تأثيرًا في نفسه، ما سيتبين لاحقا في موقف قبيلته الإيجابي إبان غزوة تبوك.

إلى دومة الجندل
وفي السنة عينها (السادسة للهجرة)، انطلقت السرية الثانية إلى دومة الجندل، وهي – كما حددها ياقوت – «حصن بين الشام والمدينة». وتعرف بحصن أكيدر «الملك» الذي ينتهي نسبًا إلى كندة. وعهد الرسول بقيادتها إلى عبدالرحمن بن عوف، فدخلها ومكث فيها أيامًا ثلاثة، حسب رواية الواقدي، يدعو أهلها إلى الإسلام، وقيل إن رئيس «كلب» في دومة، الأصبع بن عمرو استجاب لدعوته، مما يعني – إن صح ذلك – أن هذه السرية غرست بذرة الإسلام في الشام، لاسيما أن «كلبًا» التي ربما تقاسمت النفوذ مع كندة في دومة، أو أنها حلت مكان الأخيرة، تصاعد نفوذها في المنطقة، وإن لم يصل إلى مستوى غسان الأردية، ممهدًا ذلك إلى حملات أكثر أهمية إلهيًا. ولكن يبدو أن «كلبًا» التي ظلت على عقيدتها النصرانية حتى قيام خلافة بني أمية، لم يكن انخراطها جديًا حينذاك في حركة الإسلام، وإن تعاطفت معه بدافع من جذورها العربية. وقد عزز هذه العلاقة، إصهار القبيلة لعبدالرحمن بن عوف، مؤسسة لمصاهرات أخرى كان أشهرها زواج معاوية من ميسون بنت بحدل الكلبي فيما بعد.

وكانت هذه القبيلة (كلب) قد حققت نجاحات في توسيع نفوذها الشامي، خلال الحرب بين الفرس والبيزنطيين في مطالع القرن السابع الميلادي، وتقلص نفوذ بني غسان في أعقابها، لتصبح الأكثر استقطابًا حين طرق الإسلام أبواب الشام في العهد الراشدي.

والسرية الثالثة في هذا السياق الزمني كانت أم قرفة، وقد عرفت بذلك نسبة إلى امرأة حملت هذا الاسم، وهي فاطمة بنت ربيعة بن زيد التي أُسرت خلال هذه السرية، وبدا أن الرسول حينئذ اتخذ مبادرة إلى استخدام طريق الشام لأغراض اقتصادية، وذلك مع «خروج زيد بن حارثة في تجارة إلى الشام ومعه بضائع لأصحاب النبي» حسب رواية الواقدي.

ولكن السرية تعثرت قبل بلوغها وادي القرى، حيث تعرض قائدها لاعتداء من بني فزارة.
والرابعة كانت سرية «ذات أطلاح»، وفي شأنها يقول الواقدي: «بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من أرض الشام».

وكان ذلك في السنة الثامنة للهجرة التي ستشهد تطورات مثيرة في مسيرة الإسلام، ولكن هذه السرية، كما يبدو من حجمها، لم تكن مؤهلة لعملية حربية، بقدر ما كانت حملة استطلاعية، لوصل ما انقطع من تحركات على هذه الجبهة نحو عامين بعد سرية أم قرفة.

المصدر
موقع التاريخ

غزوة بدر الكبرى (يوم الفرقان) الجزء الثاني

اندلاع غزوة بدر
كان أول وقود المعركة (غزوة بدر) الأسود بن عبد الأسد المخزومي التي وردت بعض الآثار أنه أول من يأخذ كتابه بشماله يوم القيامة وكان رجلاً شرسًا سيئ الخلق أراد أن يشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم فقتله حمزة بن عبد المطلب قبل أن يشرب منه، ثم خرج ثلاثة من فرسان قريش هم عتبة وولده الوليد وأخوه شيبة وطلبوا المبارزة، فخرج ثلاثة من الأنصار فرفضوهم، وطلبوا مبارزة ثلاثة من المهاجرين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث و حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وكانوا أقرب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم واستطاع المسلمون قتل الكافرين.

استشاط الكافرون غضبًا لمقتل فرسانهم وقادتهم فهجموا على المسلمين هجمة رجل واحد ودارت رحى حرب طاحنة في أول صدام بين الحق والباطل وبين جند الرحمن بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجند الشيطان بقيادة فرعون الأمة أبو جهل، والرسول صلى الله عليه وسلم قائم يناشد ربه ويتضرع ويدعو ويبتهل، وقال: “اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم”،وبالغ الاجتهاد والتضرع حتى سقط رداؤه عن منكبيه.

أغفى رسول الله إغفاءة واحدة ثم رفع رأسه، فقال: “أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع”، فلقد جاء المدد الإلهي ألف من الملائكة يقودهم جبريل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول: “سيهزم الجمع ويولون الدبر”، ثم أخذ حفنة من الحصى فاستقبل بها قريشً، وقال: “شاهت الوجوه!”، ورمى بها في وجوههم فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه.

مواقف خالدة
قام الرسول صلى الله عليه وسلم يحرض المسلمين على القتال، فقال لهم: “والذي نفسي بيده لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض”، فقال عمير بن الحمام : “لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة”، فرمى بما كان معهمن التمر ثم قاتلهم حتى قُتل رحمه الله.

سأل عوف بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده؟”، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “غمسه يده في العدو حاسرًا”،فنزع عوف درعًا كانت عليه، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل.

جاء غلامان صغيران هما معاذ بن عمرو ومعوذ بن عفراء، وظلا طوال القتال يبحثان عن أبي جهل لأنهما أقسما أن يقتلاه؛ لأنه سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالفعل وصلا إليه حتى قتلاه، وقام ابن مسعود بحز رأسه وحملها للنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عندما رآها: “الله أكبر والحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، هذا فرعون هذه الأمة”.
ضرب لصحابة أروع الأمثلة في الاستعلاء بإيمانهم وعقيدتهم، وبينوا لنا كيف تكون عقيدة الولاء والبراء، فلقد قتل أبو عبيدة بن الجراح أباه وقتل عمر بن الخطاب خاله وهمَّ أبو بكر أن يقتل ولده عبد الرحمن، وأخذ أبو عزيز أسيرًا في المعركة، فأمر أخوه مصعب بن عمير بشد وثاقه وطلب فدية عظيمة فيه.

نهاية غزوة بدر
استمرت المعركة الهائلة والملائكة تقتل وتأسر من المشركين، والمسلمون يضربون أروع الأمثلة في الجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينهم ورسولهم حتى انتهت المعركة بفوز ساحق للمسلمين بسبعين قتيلاً وسبعين أسيرًا، ومصرع قادة الكفر من قريش، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بطرح جيف المشركين في قليب خبيث في بدر، ثم أخذ يكلمهم: “بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس”، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قلب بدر.

ونزل خبر هزيمة المشركين في غزوة بدر كالصاعقة على أهل مكة، حتى إنهم منعوا النياحة على القتلى؛ لئلا يشمت بهم المسلمون، فحين جاءت البشرى لأهل المدينة فعمتها البهجة والسرور، واهتزت أرجاؤها تهليلاً وتكبيرًا، وكان فتحًا مبينًا ويومًا فرق الله به بين الحق والباطل.

المصدر
موقع التاريخ

غزوة بدر الكبرى (يوم الفرقان) الجزء الأول

عندما هاجر الرسول والمسلمون إلى المدينة شرعوا في تكوين دولتهم الوليدة وسط مخاطر كثيرة وتهديدات متواصلة من قوى الكفر والطغيان في قريش التي ألبت العرب كلهم على المسلمين في المدينة، وفي هذه الظروف الخطيرة أنزل الله تعالى الإذن بالقتال للمسلمين لإزاحة الباطل وإقامة شعائر الإسلام.

واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم سياسة حكيمة في القتال تقوم أساسًا على إضعاف القوة الاقتصادية لقريش بالإغارة على القوافل التجارية المتجهة للشام، وبالفعل انطلقت شرارة السرايا بسرية سيف البحر في رمضان 1هـ بقيادة حمزة بن عبد المطلب وتوالت السرايا والتي اشترك في بعضها الرسول بنفسه، مثل: الأبواء وبواط، حتى كانت غزوة ذي العشيرة عندما جاءت الأخبار للرسول بأن عيرًا لقريش يقودها أبو سفيان بن حرب قد خرجت إلى الشام فخرج يطلبها ففاتته إلى الشام فرجع المدينة وهو ينتظر عودتها من الشام ليأخذها.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتمد على سياسة بث العيون وسلاح الاستخبارات لنقل الأخبار بحركة القوافل التجارية وقد نقلت له العيون بأن القافلة راجعة من الشام محملة بثروات هائلة تقدر بألف بعير فندب الرسول الناس للخروج لأخذ هذه القافلة فتكون ضربة قاصمة لقريش ولم يعزم على أحد فاجتمع عنده ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً معظمهم من الأنصار،ويقال: إن هذا العدد هو عدد جند طالوت الذين عبروا معه النهر ولم يشربوا منها لمذكورة قصتهم في سورة البقرة، ولم يكن سوى فارسين الزبير والمقداد والباقي مشا هو كل ثلاثة يتعاقبون على بعير واحد وخرجوا وهم يظنون أنهم لا يلقون حربًا كبيرة وأرسل الرسول رجلين من الصحابة يتجسسان له أخبار القافلة.

الخبر يصل إلى قريش
كان أبو سفيان قائد القافلة في غاية الذكاء والحيطة والحذر وكان يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان حتى عرف بخروج الرسول والصحابة لأخذ القافلة فاستأجر رجلاً اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري وكلفه بالذهاب إلى قريش ليستنفرها لنجدتهم، وفي هذا الوقت كانت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي قد رأت رؤيا بهذا المعنى وانتشر خبرها في قريش وسخر منها الناس، على رأسهم أبو جهل لعنه الله، ولكن سرعان ما بان تأويل الرؤيا وعرفت قريش بحقيقة الخبر فثاروا جميعًا وأسرعوا للإعداد لحرب المسلمين،وخرج من كل قبائل العرب رجال سوى قبيلة بني عدي حتى بلغ الجيش المكي ألف وثلاثمائة ومعهم مائة فارس وستمائة درع، ولما أجمعوا على المسير خافوا من غدر قبائل بني بكر وكانت بينهما عداوة وحرب، فتبدى لهم إبليس لعنه الله في صورة سراقة بن مالك سيد بني كنانة وقال لهم: “أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه”.

العير تفلت
استخدم أبو سفيان ذكائه وحذره الشديد حتى استطاع أن يعرف موقع جيش المسلمين بـ بدر ويحول هو خط سير القافلة نحو الساحل غربًا تاركًا الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار،وبهذا نجا بالقافلة وأرسل رسالة للجيش المكي بهذا المعنى، فهمّ الجيش بالرجوع ولكن فرعون هذه الأمة أبو جهل صدهم عن ذلك، ولكن قبيلة بني زهرة بقيادة الأخنس بن شريق عصوه ورجعوا ولم يشهدوا غزوة بدر.

المجلس الاستشاري
لم يكن يظن المسلمون أن سير الحرب سيتحول من إغارة على قافلة بحراسة صغيرة إلى صدام مع جيش كبير مسلح يقدر بثلاثة أضعاف جيشهم، فعقد الرسول صلى الله عليه وسلم مجلسًا استشاريًّا مع أصحابه ليعرف استعدادهم لمواصلة الحرب المقبلة، وعرض عليهم مستجدات الأمر، وشاورهم في القضية، فقام أبو بكر وعمر والمقداد فتكلموا وأحسنوا، وبينوا أنهم لا يتخلفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدًا، ولا يعصون له أمرًا، فأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر، وقال: “أشيرواعليّ أيها الناس”.

وكان يريد بذلك الأنصار ليتعرف استعدادهم لذلك، فقال سعد بن معاذ: “والله لكأنك تريدنا يا رسول الله!” قال: “أجل”،قال: “فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة؛ فامض يا رسول الله لما أردت؛ فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوًّا غدًا، وإنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعل الله يريك مناما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله”، فسُرّ الرسول صلى الله عليه وسلم بما قاله المهاجرين والأنصار، وقال: “سيرواوأبشروا؛ فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين”.

قبل غزوة بدر
تحرك الرسول صلى الله عليه وسلم واختار مكانًا للقتال أشار الحباب بن المنذر بتعديله ليسهل على المسلمين التحكم في مصدر المياه، وإن كانت هذه الرواية ضعيفة إلا إنها منتشرة بأسانيد كثيرة في كتب السيرة والتاريخ.

الصحابة يأسرون غلامين من جيش قريش، والرسول صلى الله عليه وسلم يستجوبهما ليعرف عدد الجيش ومن على رأسه فيتضح أن الجيش قرابة الألف، على رأسه سادة قريش وكبرائها.
عندما نزل المسلمون في مقرهم اقترح سعد بن معاذ بناء مقر لقيادة النبي صلى الله عليه وسلم استعدادًا للطوارئ؛ فبنى المسلمون عريشًا للنبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه في العريش لحراسته أبو بكر الصديق لذلك كان علي بن أبي طالب يقول: “أبو بكر أشجع الناس على الإطلاق بعد النبي صلى الله عليه وسلم”، وأقام سعد بن معاذ كتيبة لحراسة العريش مقر القيادة.

قضى الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة في الصلاة والدعاء والتبتل والتضرع لله وقد عبأ جيشه ومشى في أرض المعركة وهو يقول: “هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله غدًا”، وقد استبشر الناس بالنصر.

أما الجيش المكي فقد وقع في صفهم انشقاق بدأ عندما طلبوا من عمير بن وهب الجمحي أن يدور دورة حول المعسكر الإسلامي ليقدر تعداده، فدار دورة واسعة أبعد فيها ليتأكد من عدم وجود كمائن للجيش الإسلامي، ثم عاد فقال لهم: “عددهم ثلاثمائة رجل، ولكني رأيت يا معشر قريش المطايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم؛ فوالله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم”.

وهنا دبَّ الرعب في قلوب الكافرين وقامت حركة معارضة بقيادة حكيم بن حزام الذي أقنع عتبة بن ربيعة أن يتحمل دية عمرو بن الحضرمي المقتول في سرية نخلة رجب 2هـ، ولكن فرعون الأمة الذي كان يسعى لحتفه بظلفه أفسد هذه المعارضة، وأثار حفائظ عامر بن الحضرمي، فقال: “هذا حليفك، أي عتبة، يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك”، فقام عامر وكشف عن استه، وصرخ قائلاً:”واعمراه واعمراه”، فحمي الناس وصعب أمرهم واستوثقوا على ما هم عليه من الشر”.

المصدر
موقع التاريخ

الولايات الإسلامية في العهد النبوي

في العام السادس من الهجرة قَبِل رسول الله معاهدة صلح الحديبية، رغم المعارضة الشديدة من بعض أصحابه، واستثمرها بنودها بنجاح، فائق ظهر أثره واضحا بعد فترة وجيزة.

فقد كان من أهم بنود صلح الحديبية وأعظمها أثرا على مستقبل الدعوة والدولة، ذلك البند الذي نص على هدنة أو فترة سلام بين الفريقين مدتها عشرة أعوام؛ ذلك أنه ما إن استقر في المدينة بعد عودته من الحديبية حتى شرع في تنفيذ خطة واسعة النطاق لتبليغ الدعوة إلى جميع مناطق شبه الجزيرة العربية وإلى الدول الأجنبية المجاورة، ففي شهر المحرم من العام السابع الهجري أرسل عليه الصلاة والسلام ستة سفراء دفعة واحدة، إلى كسرى فارس، وهرقل إمبراطور الروم، والمقوقس في مصر، ونجاشي الحبشة، وأمير غسان بالشام، وزعيم بني حنيفة في اليمامة.

اليمن أول إقليم عربي يدخل تحت سيادة الدولة الإسلامية
حمل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه رسالة النبي عليه السلام إلى كسرى أبرويز بن هرمز، ولما أوصل إليه الرسالة، وقرئت عليه استبد به الغضب والغرور، وقال: يكتب إليَّ وهو عبدي -يقصد النبي عليه السلام ، وطرد عبد الله بن حذافة مبعوث النبي عليه السلام من المدائن، ثم أرسل كتابا إلى باذان -عامله على اليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين، فليأتياني به.

فامتثل باذان لأمر سيده، وأرسل قائدين من قواده هما خرخسرو وبابويه ومعهما عدد من الجنود، وقال لبابويه: ائت بلد هذا الرجل وكلمه وائتني بخبره فخرجا حتى قدما على رسول الله عليه السلام ، فكلمه بابويه، فقال: “إن شاهنشاه -ملك الملوك كسرى- قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد بعثني إليك لتنطلق معي، فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك ينفعك ويكفه عنك، وإن أبيت، فهو مَن قد علمت، فهو مهلك، ومهلك قومك، ومخرب بلادك”.

فقال لهما رسول الله عليه السلام : “ارجعا حتى تأتياني غدا”، وأتى رسول الله الخبر من السماء، وأن الله سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله، فدعاهما فأخبرهما، فقالا له: هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا، أفنكتب هذا عنك ونخبر الملك؟ قال: “نعم، أخبراه ذلك عني، وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى، وقولا له: إن أسلمت أعطيت ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء”.

أوصل رسولا باذان رسالة النبي عليه السلام إليه ثم جاءته الأخبار من فارس تصدق ما أخبر به النبي عليه السلام ، فلم يلبث باذان أن أراد الله به خيرا وشرح صدره للإسلام، وأرسل إلى النبي عليه السلام وفدا برئاسة فيروز الديلمي بإعلان إسلامه وإسلام الأبناء من أهل اليمن.
وأقره النبي صل عليه السلام على حكم المناطق التي كان يتولاها تحت الإدارة الفارسية، والتي يبدو أنها كانت قاصرة على منطقة صنعاء وما حولها؛ لأن النبي عليه السلام ولى ولاة آخرين على بقية مناطق اليمن التي تتابع دخولها في الإسلام، وكانت سياسة النبي عليه السلام أن يولي على كل قوم زعيما منهم.

وكيفما كان الأمر، فإن باذان كان أول ملوك العجم الذين أسلموا وولاه النبي عليه السلام الحكم باسم الإسلام، وهذا أبلغ دليل على عالمية الإسلام وسماحته وارتفاعه فوق القوميات والعصبيات فرجل أعجمي وأجنبي عن البلاد يسلم فلا مانع إطلاقا من أن يحكم تحت راية الإسلام.

ومن ولاة اليمن معاذ بن جبل ، وأبو موسى الأشعري، وعلي بن أبي طالب ، وعمرو بن حزم الأنصاري رضي الله عنهم، ومر تنظيم حكم اليمن وتقسيم مناطقه بمراحل حيث أصبح بعد حجة الوداع على النحو التالي:

• مخلاف صنعاء وعليه شهر بن باذان.
• مخلاف حضر موت وعليه زياد بن لبيد البياضي.
• مخلاف تهامة وعليه الطاهر بن أبي هالة.
• مخلاف الجند -عاصمة حمير- وعليه معاذ بن جبل رضي الله عنه، وكان له الإشراف على بقية المخاليف، وتجمع عنده الأموال ليرسلها إلى الرسول عليه السلام في المدينة.

رأينا كيف وصلت الدعوة الإسلامية إلى اليمن، وأصبحت جزآ من الدولة الإسلامية، يحكمها ولاة من قبل النبي عليه السلام لم وتوافد عليها الصحابة قضاة ومعلمين.

ولاية مكة في العهد النبوي
وفي العام الثامن الهجري وفي شهر رمضان توجه النبي عليه السلام إلى مكة ففتحها، وترك فيها أبا بكر رضي الله عنه ليدبر الأوضاع بعد الفتح ويعلم الناس.

ثم تولى ولاية مكة عتاب بن أسيد وظل واليا عليها حتى وفاة الرسول عليه السلام، وفرض الرسول صلى الله عليه وسلم لعتاب درهما واحدا في اليوم كراتب، وكان عتاب بن أسيد، يقول: “أجاع الله كبد من جاع على درهم فقد رزقني رسول الله درهما كل يوم فليست لي حاجة إلى أحد”، وهذا الراتب من أول ما وضع من الرواتب للعمال.

وهكذا أسلمت مكة -بعد مقاومتها العتيدة للإسلام- وأصبحت ولاية إسلامية، وقد عيَّن النبي صلى الله عليه وسلم سعيد بن العاص رضي الله عنه لمراقبة سوق مكة بعد الفتح.

ولاية الطائف في العهد النبوي
في شهر رمضان من العام التاسع الهجري قدوم ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من تبوك، وذلك بعد ما يقرب من عام من حصار الطائف وفكه عنها، وأعلنوا إسلامهم، فلما أسلموا كتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا، وأمّر عليهم عثمان بن أبي العاص، بعد أن شاور فيه أبا بكر رضي الله عنه، فقال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “إني قد رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن”.

ولاية البحرين في العهد النبوي
بعد فتح مكة أرسل النبي عليه السلام العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه إلى المنذر بن ساوي أمير البحرين وكتب إليه كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام، فأسلم ورد على رسول الله عليه السلام بكتاب، جاء فيه: “أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه ومنهم من كرهه، وفي أرضي مجوس ويهود فأحدث إلى في ذلك أمرك”.

فرد عليه النبي عليه السلام بكتاب، جاء فيه: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: فإني أذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، فإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرا، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية”.

بهذا الشكل دخل أهل البحرين الإسلام، وأبقى الرسول صلى الله عليه وسلم أميرهم المنذر بن ساوي يحكمهم نيابة عنه، وبقي العلاء بن الحضرمي معه قاضيا ومعلما وجامعا للصدقات.

ولاية عمان في العهد النبوي
ثم أرسل رسول الله عليه الصلاة والسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى جيفر وعبد -أو عباد- ابني الجلندي ملكي عمان ، يدعوهما للإسلام، وأرسل إليهما معه كتابا، هذا نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعباد ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام، فإن ملككما زائل عنكما، وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما“.

أوصل عمرو بن العاص رضي الله عنه كتاب النبي عليه السلام إليهما وبعد مناقشات طويلة استطاع إقناعهما فأسلما وأسلم قومهما بإسلامهما، وبقيا يحكمان بلدهما وبقي عمرو بن العاص رضي الله عنه ليجمع الصدقات ويحكم، ويقضي بين الناس، وقال عنهما: “وصدقا النبي عليه السلام وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا عونا لي على من خالفني”.

وهكذا في فترة وجيزة بعد صلح الحديبية، انتشرت الدعوة الإسلامية، وامتد نفوذ الدولة من اليمن إلى عمان والبحرين بالإضافة إلى مكة والطائف وأصبح على كل هذه المناطق ولاة من قبل الرسول عليه السلام وإلى جانبهم قضاة ومعلمون وجباة.

وبعد عودة رسول الله عليه السلام من غزوة تبوك في رمضان من السنة التاسعة للهجرة أقبلت عليه الوفود من سائر أنحاء الجزيرة العربية معلنة إسلامها وبيعتها، وقبولها الدخول تحت سيادة الدولة، وكان الرسول عليه السلام يعين عليهم الأمراء والقضاء وجامعي الصدقات.

إن الجزيرة العربية بأسرها انتظمتها وحدة دينية وسياسية تحت زعامة النبي عليه السلام لأول مرة في تاريخها.

المصدر
موقع التاريخ